تعبئة عامة للجيش وتلويح بالنووي.. كيف ينظر الغرب لقرارات الرئيس الروسي وما تأثيراتها؟
بوتين يعلن تعبئة عامة للجيش ويلوح بالنووي.. كيف ينظر الغرب لقرارات الرئيس الروسي وما تأثيراتها؟

السياق
تعبئة مئات آلاف الروس للقتال في أوكرانيا، ودعم تنظيم استفتاءات عاجلة في أربع مناطق في شرق أوكرانيا وجنوبها، وتلويح باستخدام السلاح النووي، قرارات روسية عاجلة وتحذيرات جدية دوى صداها في أرجاء العالم كله، وأحدثت تأثيرات فورية على أسعار النفط والعملات.
تلك التحذيرات أعادت شبح السيناريوهات القاتمة بعد أن تنفس العالم الصعداء الفترة الماضية مع إعلان اتفاق الحبوب الذي جاء بوساطة تركية، إلا أن التطورات اللاحقة وما حققته كييف من تقدم، يبدو أنه أصاب الدب الروسي بـ«الذعر»، فأراد قلب الطاولة على الجميع.
فماذا حدث؟
بعد أيام من التقدم الأوكراني أمام القوات الروسية، وما أثير عن «فرار» عناصر من الجيش الروسي أمام القوات الأوكرانية، أمر سيد الكرملين اليوم الأربعاء بأول تعبئة للجيش في بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، معلنًا استدعاء 300 ألف جندي إضافي من قوات الاحتياط.
وقال الرئيس الروسي، إنه وقع مرسومًا بالتعبئة الجزئية، مشيرًا إلى أن عملية التعبئة ستبدأ على الفور وتسري على أي فرد خدم جنديا محترفا في روسيا ولا تشمل المجندين.
وفي أول تحذير صريح من الرئيس الروسي الذي تمتلك بلاده رؤوسا نووية أكثر مما تحوز أمريكا، قال إن موسكو ستدافع عن نفسها بكل ما أوتيت من قوة في ترسانتها الضخمة إذا واجهت تهديدا نوويا من الغرب.
وفي خطاب بثه التلفزيون الروسي، قال بوتين: «إذا تعرضت وحدة أراضينا للتهديد، سنستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية شعبنا، هذا ليس خداعا»، متهمًا الغرب بالمخاطرة بـ«كارثة نووية» من خلال السماح لأوكرانيا بقصف محطة زابوريجيا للطاقة النووية الخاضعة لسيطرة روسيا في أوكرانيا.
وتقول وكالة «رويترز»، إن العقيدة النووية الروسية تتيح استخدام مثل هذه الأسلحة إذا تم استخدام أسلحة دمار شامل ضدها أو إذا كانت الدولة تواجه تهديدا وجوديا من أسلحة تقليدية.
وأضاف الرئيس الروسي أن «الغرب يخطط لتدمير روسيا (..) لقد تجاوزوا كل الخطوط في سياستهم العدوانية المناهضة لروسيا»، مشيرًا إلى أن «من يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية عليهم أن يعلموا أن الأمر يمكن أن ينقلب عليهم».
ابتزاز نووي
إدلاء بوتين بهذه التصريحات جاء بعد اتهامه للغرب بممارسة «ابتزاز نووي»، قائلا إن كبار المسؤولين الحكوميين في عدة دول بارزة في حلف شمال الأطلسي تحدثوا عن احتمال استخدام أسلحة نووية ضد روسيا، فيما لم يحدد هذه الدول ولم يشر إلى التصريحات التي تؤكد ذلك.
وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الروسي دعمه للاستفتاءات التي ستجرى في الأيام المقبلة في مساحات شاسعة من أوكرانيا تسيطر عليها القوات الروسية، في خطوة تعد أولية لضم تلك المناطق رسميا لبلاده.
بوتين أكد أن بلاده ستدعم قرارات سكان مناطق دونباس وخيرسون وزابوريجيا في أوكرانيا، بما يمهد الطريق لضم رسمي محتمل لمناطق تشكل نحو 15% من الأراضي الأوكرانية، مشيرًا إلى أن هدفه هو تحرير منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، كون أغلب الناس الذين يسكنون مناطق باتت روسيا تسيطر عليها هناك لا يريدون حكم كييف.
من جانبه، قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو في تصريحات صحفية، اليوم الأربعاء، إنه من المتوقع استدعاء 300 ألف فرد من قوة الاحتياط الكبيرة بالبلاد والتي يبلغ قوامها حوالي 25 مليون شخص.
وأعلنت جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوجانسك الشعبية، اللتان اعترف بوتين باستقلالهما قبل العملية العسكرية، وإقليما خيرسون وزابوريجيا عن إجراء استفتاءات.
وقال المسؤولون في لوجانسك ودونيتسك وخيرسون إن الاستفتاءات ستُجرى في غضون أيام قلائل، فتبدأ يوم الجمعة 23 سبتمبر أيلول وتستمر إلى يوم الاثنين 27 سبتمبر أيلول. ولا تسيطر روسيا بالكامل على أي من الأقاليم الأربعة ويوجد نحو 60 في المئة فقط من دونيتسك في أيدي الروس.
وعن الاستفتاءات، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: «قلنا من بداية العملية.. إن شعوب الأراضي المعنية يجب أن تقرر مصيرها، والوضع الراهن كله يؤكد أنها تريد أن تكون سيدة مصيرها».
ماذا تعني خطوة الضم؟
تقول «رويترز»، إنه إذا ضمت موسكو رسميا جزءا إضافيا كبيرا من أوكرانيا فسيكون الرئيس الروسي بالضرورة جريئا إلى حد المخاطرة بأن تدخل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في مواجهة عسكرية مع روسيا التي تعد القوة النووية الأكبر في العالم.
من جانبها، قالت تاتيانا ستانوفايا مؤسسة مركز التحليلات السياسية آر.بولوتيك، إن الحديث عن استفتاءات إنذار لا يشوبه أي غموض من روسيا لأوكرانيا والغرب.
دميتري ميدفيديف، الذي شغل منصب رئيس روسيا من عام 2008 إلى عام 2012 ويشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، عبر عن تأييده للاستفتاءات التي قال إنها ستغير مسار التاريخ الروسي وتتيح للكرملين المزيد من الاختيارات.
وعبر حسابه في «تيليجرام»، قال ميدفيديف: «التعدي على الأراضي الروسية جريمة تتيح استخدام جميع قوات الدفاع عن النفس»، مشيرًا إلى أن «هذا هو سبب الخوف من هذه الاستفتاءات في كييف والغرب».
فياتشيسلاف فولودين رئيس مجلس الدوما الروسي، قال إن المجلس سيؤيد انضمام الأقاليم الأوكرانية التي تنتهي الاستفتاءات فيها بالموافقة على الانضمام إلى روسيا.
كيف يرى الغرب خطوة الضم؟
من جهة أخرى، قال أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: «هذا هو ما يعنيه الخوف من الهزيمة... أوكرانيا ستحل القضية الروسية... يمكن اجتثاث التهديد فقط بالقوة».
وفيما تقول أوكرانيا إنها لن تهدأ قبل طرد آخر جندي روسي من أراضيها، أكدت أنها لن تقبل سيطرة موسكو على أراضيها، داعية الغرب إلى تزويدها بأسلحة أكثر وأفضل من أجل قتال القوات الروسية.
وقالت إليزابيث روزنبرج، مساعدة وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية، إن سقف الأسعار كان أداة قوية لضرب روسيا وتحقيق الاستقرار في أسعار الطاقة.
فيما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الثلاثاء إن الاستفتاءات المزمع إجراؤها في المناطق الأوكرانية لن يعترف بها المجتمع الدولي، واصفًا هذه الخطط بأنها «مضحكة ومسرحية هزلية»، مشيرًا إلى أن مقترحات الاستفتاء المتعلقة بشرق أوكرانيا استفزاز إضافي في أعقاب العملية العسكرية الروسية لجارتها.
بدوره، قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتخلى عن طموحاته الإمبريالية التي تهدد بتدمير أوكرانيا وروسيا إلا إذا أدرك أنه لا يستطيع الانتصار في الحرب، مشيرًا إلى أن بلاده لن تقبل أي سلام تمليه روسيا، ولهذا يجب أن تكون أوكرانيا قادرة على صد هجوم روسيا.
عقوبات أمريكية
إلا أن الخطوة الروسية المتوقعة، حذرت منها أمريكا، عبر مسؤول كبير في وزارة خارجيتها، قائلا إنه ستكون هناك عواقب إضافية إذا ضمت روسيا أجزاء من أوكرانيا، مضيفًا: "لقد أوضحنا أنه سيكون هناك المزيد من العواقب. لدينا ... عدد من الأدوات".
واقترح أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون بمجلس الشيوخ الأمريكي، على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تلجأ لعقوبات ثانوية على البنوك الدولية لتعزيز سقف لسعر النفط الروسي.
وبحسب «رويترز»، فإن السناتور الديمقراطي كريس فان هولين والجمهوري بات تومي أعلنا عن إطار عمل لتشريع لفرض العقوبات الثانوية، والتي من شأنها أن تستهدف المؤسسات المالية المشاركة في تمويل التجارة والتأمين وإعادة التأمين والسمسرة في النفط والمنتجات البترولية الروسية التي تباع بأسعار تتجاوز الحد الأقصى.
ماذا يعني إعلان التعبئة في وجهة نظر الغرب؟
وتسببت الحرب، التي أدت لأسوأ مواجهة مع الغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية في 1962، في مقتل عشرات الآلاف وأطلقت العنان لتضخم جامح أثر بشدة على الاقتصاد العالمي، إلا أنه بعد أشهر من بدئها منيت روسيا بهزيمة ثقيلة، بحسب تقارير غربية، أكدت أن الهزيمة هي التي دفعت موسكو لإعلان التعبئة وإجراء استفتاءات.
وإلى ذلك، قالت وزيرة الخارجية البريطانية جيليان كيجان، إن خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأربعاء يمثل تصعيدا مقلقا ويجب أخذ التهديدات التي وجهها فيه على محمل الجد.
وأضافت الوزيرة البريطانية: «علينا بكل وضوح أن نأخذ الأمر على محمل الجد لأننا لا نسيطر على الوضع ولست متأكدة من أنه يسيطر على الوضع أيضا. هذا تصعيد واضح».
الأمر نفسه، أكده وزير الدفاع البريطاني بن والاس والذي قال إن إعلان روسيا تعبئة القوات من أجل الحرب في أوكرانيا يعد اعترافا من رئيسها فلاديمير بوتين بأن «غزوه يفشل»
وأضاف: «لا يمكن لأي قدر من التهديدات والدعاية أن يخفي حقيقة أن أوكرانيا تربح هذه الحرب، وأن المجتمع الدولي متحد وأن روسيا أصبحت منبوذة عالميا».
بدورها، قالت سفيرة الولايات المتحدة في أوكرانيا بريدجت برينك، إن التعبئة الجزئية التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تشكل «مؤشر ضعف».
وأوضحت الدبلوماسية الأمريكية، في تغريدة عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «الاستفتاءات الزائفة والتعبئة هي مؤشرات ضعف وفشل روسي»، مؤكدة أن بلادها ستستمر في دعم أوكرانيا طالما اقتضت الضرورة.
إعلان الكرملين التعبئة سخر منه مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخائيلو بودولياك، مشيرًا إلى ما وصفه بـ«فشل» الروس في تحقيق هدفهم بالحرب الخاطفة في الأراضي الأوكرانية.
وقال بودولياك في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «الروس الذين أرادوا تدمير أوكرانيا انتهى بهم الأمر إلى التعبئة وحدود مغلقة مع حسابات مصرفية مجمدة وحبس بسبب الفرار من الخدمة»، مضيفًا بشكل ساخر: إن الأمور كلها ما زالت تسير وفقا للخطة. أليس كذلك؟!
رئيس الوزراء الهولندي مارك روته أكد –بدوره- أن أمر التعبئة العسكرية ما هو إلا علامة على ما وصفه بـ«الذعر» الذي يستبد بالكرملين، وينبغي عدم النظر إليه على أنه تهديد مباشر بحرب شاملة مع الغرب.
وأضاف أن «التعبئة والدعوة إلى استفتاءات في دونيتسك كلها علامات على الذعر. خطابه بشأن الأسلحة النووية شيء سمعناه مرات عديدة من قبل (..) أنصح بالتزام الهدوء».
ما تأثير القرار؟
وفور إعلان الرئيس الروسي التعبئة العامة وإجراء استفتاءات، سجل الدولار قفزة الأربعاء إلى أعلى مستوياته خلال 20 عامًا مقابل مجموعة من العملات الكبرى الأخرى.
وفي حين تستفيد العملة الخضراء من مراهنات على السياسة النقدية الصارمة قبل اجتماع للاحتياطي الفدرالي الأمريكي في وقت لاحق الأربعاء، ارتفع مؤشر الدولار الذي يقارنه بسعر عملات أخرى مثل الين الياباني واليورو والجنيه الاسترليني، 110,87 نقطة، في زيادة قياسية منذ عام 2002.
في المقابل، تراجع الروبل الروسي واحدا بالمئة إلى 61.2 مقابل الدولار اليوم الأربعاء بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعبئة جزئية للجيش في خطاب بثه التلفزيون الرسمي.
بدورها، قفزت أسعار النفط بأكثر من اثنين بالمئة اليوم الأربعاء، بعد أن أثار إعلان بوتين مخاوف من حدوث المزيد من النقص في إمدادات النفط والغاز، على خلفية التصعيد في الحرب الأوكرانية.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 2.28 دولار أو 2.5 بالمئة إلى 92.90 دولار للبرميل بحلول الساعة 0707 بتوقيت جرينتش بعد أن تراجعت 1.38 دولار في اليوم السابق.
وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 2.22 دولار أو 2.6 بالمئة مسجلة 86.16 دولار للبرميل.
في المقابل، تراجعت الأسهم الأوروبية عند الفتح اليوم الأربعاء بضغط من قرار روسيا إعلان تعبئة جزئية للجيش الذي أضاف لمخاوف المستثمرين المتعلقة برفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة للمرة الثالثة في وقت لاحق اليوم.
وهبط المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.3 بالمئة مع انخفاض أغلب قطاعاته الفرعية. وهبط قطاع التكنولوجيا الحساس لأسعار الفائدة 1.2 بالمئة بينما ارتفعت أسهم شركات الطاقة بواحد بالمئة وسط ارتفاع في أسعار النفط بسبب أنباء التعبئة الروسية.