مشروع إنشاء محكمة دستورية في ليبيا.. جبهة صراع جديدة أم ضربة قاضية لأحلام الإخوان؟

البرلمان الذي قطع بهذه الخطوة الطريق على صراع حاول الإخوان افتعاله، لم يكتف بذلك، بل إنه قرر عقد جلسة يوم الثلاثاء القادم، لمناقشة عدة ملفات؛ أبرزها قانون إنشاء المحكمة الدستورية

مشروع إنشاء محكمة دستورية في ليبيا.. جبهة صراع جديدة أم ضربة قاضية لأحلام الإخوان؟

السياق

جبهة جديدة للصراع في ليبيا بدأت تظهر على الساحة خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن دخل القضاء حلبة المنافسة السياسية ضاربًا عرض الحائط بحياديته التي حافظت على توحده وعدم انقسامه طيلة العشرية الماضية.

فبعد شهر من قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا، إعادة تفعيل الدائرة الدستورية والتي ظلت مغلقة لأكثر من ست سنوات، استشعر البرلمان الليبي «أطماع» رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار محمد الحافي، وبدأ في اتخاذ خطوات لإزاحته من المشهد، خاصة بعد أن أقحم الأخير نفسه في الأزمة السياسية.

وفيما أعلن الحافي أواخر الشهر الماضي، أن الهدف من قرار إعادة تفعيل الدائرة الدستورية يتمثل في الفصل في خلافات على قوانين وتعديلات دستورية قادت البلاد إلى أزمة سياسية، متعهدًا بعدم الانحياز لأي طرف، إلا أن خطوة كهذه من شأنها أن تدخل البلاد في دوامة سياسية.

وفي محاولة من البرلمان لتحجيم دور محمد الحافي الذي كان مرشحًا للانتخابات الرئاسية الملغاة دون أن يقدم استقالته، قرر بإجماع نوابه في جلسة رسمية عقدها قبل أيام في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، تعيين المستشار عبدالله أبو رزيزة رئيسًا للمحكمة العليا، بديلًا عن الحافي.

ضربة لأحلام الإخوان

إلا أن البرلمان الذي قطع بهذه الخطوة الطريق على صراع حاول الإخوان افتعاله، لم يكتف بذلك، بل إنه قرر عقد جلسة يوم الثلاثاء القادم، لمناقشة عدة ملفات؛ أبرزها قانون إنشاء المحكمة الدستورية.

وبحسب مصادر «السياق»، فإن مشروع قانون إنشاء محكمة دستورية المقدم من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لعرضه على النواب، يقضي باستحداث محكمة تسمى «المحكمة الدستورية» تتكون من 13 عضوًا يعينهم مجلس النواب في أول تشكلها.

وبحسب مشروع القانون، فإن مقر المحكمة سيكون في مدينة بنغازي، وستتمتع بالاستقلال الإداري والمالي على أن تقدم مشروع ميزانيتها إلى السلطة التشريعية، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية.

ونص القانون على إحالة كل الطعون المرفوعة أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، إلى المحكمة الدستورية بمجرد صدور مشروع القانون الذي يتضمن 53 مادة، والذي ينص على أنه لا يجوز الطعن بعدم دستورية القوانين إلا من رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة أو 10 نواب أو 10 وزراء، مما يقطع الطريق على أي مناكفات سياسية قد تلوح بها الدائرة الدستورية التي أعيد تفعيلها.

إلا أن المشروع تبيانت ردود الأفعال حوله؛ فعضو مجلس النواب مفتاح كويدير توقع في تصريحات صحفية أن يفسر المشروع على أنه رد فعل على تفعيل المحكمة العليا للدائرة الدستورية.

ورغم ذلك، إلا أنه أكد على ضرورة وجود محكمة دستورية في ليبيا، متسائلا: هل سيحظى هذا المقترح بالموافقة من النواب أم لا؟

فيما اعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة الذي يسيطر عليه تنظيم الإخوان موسى فرج، مشروع قانون إنشاء محكمة دستورية في غياب دستور دائم، مقترحًا غير موفق، مشيرًا إلى أنه يمس استقلالية القضاء وسيزيد من تعميق الأزمة التي تعاني منها البلاد.

وعبر عضو الأعلى للدولة عن آماله في ألا يقر مجلس النواب هذا المشروع في الوقت الحالي، وأن ينصب تركيز الجميع على خلق توافق سياسي يحقق الشراكة الوطنية التي تعزز فرص قيام الدولة المدنية.

حلبة الصراع

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن القضاء في ليبيا دخل حلبة الصراع السياسي منذ أن عبر رئيس المحكمة العليا محمد الحافي عن «مطامعه» السياسية ومحاولته تحويل مؤسسة القضاء إلى «مزرعته الخاصة»، ما جعله في تصادم مباشر مع البرلمان الذي يملك حق تعيين من يكون على رأس مجلس القضاء الأعلى وكل المحاكم الأخرى.

وأوضح المحلل السياسي الليبي، أن البرلمان استشعر ما وصفه بـ«أطماع» الحافي وبدء تسخيره للقضاء، لعرضه للسيطرة الأجنبية وتحويله لأداة في أيدي الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا حتى يمكنها من فرض وصاية على ليبيا، إلا أن تحرك مجلس النواب جاء في توقيته الصحيح لتفويت الفرصة على خلق قوة قاهرة جديدة تقف أمام تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وحول المزاعم التي تحدثت عن أن المشروع سيضرب استقلال القضاء في ليبيا، قال المحلل السياسي الليبي، إنه «من المضحك المبكي القول إن هناك قضاء مستقلا، خصوصًا بعد 2011»، مشيرًا إلى أنه «في الواقع، لا توجد دولة قانون أصلًا حتى يمكن الحكم بوجود قضاء مستقل أم لا».

وأكد المحلل الليبي، أن ليبيا تعيش بدون مؤسسات دولة حقيقية منذ عام 2014؛ فطرابلس تحكمها العصابات وزعماء المليشيات، فيما يعيش القضاة وأعضاء النيابة في حالة رعب حقيقية من عمليات الانتقام المصاحبة لطبيعة أعمالهم، مشيرًا إلى أنه من السذاجة التباكي على استقلال القضاء في حين غياب دولة القانون والمؤسسات.