طهران تعاني أسوأ أزمة اقتصادية... تآكل قدرة الإيرانيين الشرائية
أزمة طاحنة تعصف بطهران... تآكل قدرة الإيرانيين الشرائية وغضب عارم داخل أركان النظام

السياق
وسط تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، تعاني إيران ارتفاعًا كبيرًا في نسبة التضخم، يعد الأكثر حدة منذ عقود، وسط سياسات «متخبطة» من النظام الإيراني.
فالنظام الإيراني، الذي بات عاجزًا عن ابتكار حلول للأزمة الاقتصادية المتصاعدة، اتجه إلى سياسة فرض ضرائب باهظة، ألهبت جيوب المواطنين، وسط إضرابات محلية تتصاعد وتيرتها خلال الفترة الأخيرة يقودها أصحاب المتاجر، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار.
وتحت شعار «اغلقوا»، دعا أصحاب متاجر نظراءهم في مناطق متفرقة من طهران إلى الإضراب، ضد ارتفاع الأسعار، الذي انعكس -بشكل مباشر- على السلع خصوصًا الخبز، الذي كان ضيفًا أساسيًا على مائدة الإيرانيين.
تراجع القدرة الشرائية
علي، أحد التجار الإيرانيين، الذين يعانون أزمة ارتفاع الأسعار، بدا شاكيًا تراجع قدرته الشرائية، يقول وهو يقطع ذبيحة الغنم التي تسلَّمها في ملحمته بجنوبي طهران، تمهيدًا لبيعها إلى زبائن يشكون مثله إن مبيعاته «تراجعت بشكل كبير، إلى النصف تقريبًا... قدرة الناس الشرائية تراجعت بشكل هائل».
ويضيف علي (50 عامًا)، الذي ينتظره بعض الزبائن في منطقة مولوي التجارية: «ماذا يمكنني أن أقول؟ أنا جزّار لكن أحيانًا لا آكل اللحم مرة في الأسبوع (...) ارتفعت أسعار كل شيء».
وبعد الانتهاء من التقطيع، قرب مدخل الملحمة الصغيرة، يسلِّم علي إلى أصغر، الموظف الحكومي المتقاعد، كيسًا يحوي قطعًا من اللحم تكفيه وزوجته.
ويوضح أصغر البالغ من العمر 63 عامًا: «ارتفع سعر كل شيء بما في ذلك اللحوم»، مضيفًا: «كنا نشتري كميات أكبر، الآن الجميع يشترون كميات أقل، لأننا تحت الضغط".
وتعاني إيران أزمة اقتصادية ومعيشية حادة تعود -بشكل أساسي- إلى العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على طهران منذ قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، سحب بلاده أحاديًا من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018.
وانعكست الأزمة على مختلف جوانب الحياة، مثل تراجع العملة المحلية وتجاوز نسبة التضخم عتبة الـ40% سنويًا منذ 2018، وفق خبراء.
الأزمة الاقتصادية الأشد
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي سعيد ليلاز، إن استمرار هذه النسبة أربعة أعوام متتالية غير مسبوق، مشيرًا إلى أنها تعد الأشد منذ سنوات الحرب العالمية الثانية.
ويسجل التضخم -منذ أسابيع- تسارعًا إضافيًا، بعد إعلان حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي في النصف الثاني من مايو الماضي، تعديلات على نظام الدعم ورفع أسعار مواد أساسية مثل الطحين واللحوم والبيض وزيت الطهو.
وتظهر أرقام وسائل إعلام محلية اختلافًا جذريًا في الأسعار بين المرحلتين، إذ ارتفعت أسعار اللحم الأحمر بنحو 50%، وتضاعفت أسعار الدجاج والحليب، وبات زيت الطهو أربعة أضعاف ما كان عليه.
ونزل الآلاف إلى الشوارع -في الأسابيع الماضية- بمدن عدة رفضًا لارتفاع الأسعار، في حركات احتجاجية تضاف إلى أخرى تنفذها -منذ أشهر- قطاعات مهنية، للمطالبة بتحسين الأجور ورواتب التقاعد وأخذ التضخم بالاعتبار.
استقالة وزارية
وقدَّم وزير العمل حجت الله عبد المالكي -الثلاثاء الماضي- استقالته على أمل «تعزيز التنسيق ضمن الحكومة وتحسين توفير الخدمات للشعب»، وفق المتحدث باسم الحكومة علي بهادري جهرمي.
وقالت صحيفة اعتماد الإصلاحية، إن الاستقالة جاءت بعد تعرض عبد المالكي «لانتقادات لاذعة من المتقاعدين خلال احتجاجاتهم»، على خلفية دفاعه عن قرار حكومي بزيادة رواتب شرائح منهم بنسبة 10% فقط، وهو ما اعتُبِرَ غير كافٍ مقارنة بالتضخم.
وأكد المحلل الاقتصادي سعيد ليلاز، أن هناك سببين لارتفاع الأسعار هما "الزيادة الحادة في التضخم عالميًا" بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، و"بدء إيران إصلاحات اقتصادية ضخمة توقعت الحكومة أن تؤدي إلى تضخم إضافي".
وأوضح الخبير الذي عمل مستشارًا اقتصاديًا لعدد من الرؤساء الإيرانيين، أن الإجراء الحكومي الأساسي كان التخلي عن سعر الصرف المدعوم، الذي كان مخصصًا لشراء مواد أساسية مثل القمح وزيت الطهو ومواد طبية.
سعر الصرف التفضيلي
بدأ اعتماد سعر الصرف «التفضيلي» منتصف 2018 تزامنًا مع الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. وثبت السعر عند 42 ألف ريال للدولار، في حين أن سعر الصرف حاليًا في السوق السوداء يتجاوز 300 ألف ريال للدولار.
ورغم تراجع الريال -في الأيام الماضية- إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، إذ سجّل 33700 ريال للدولار في 12 مايو الماضي، وما تسبب فيه من زيادة الأسعار، فإن ليلاز يقول إن الإجراء الحكومي كان إلزاميًا، خصوصًا أن المباحثات بين إيران والقوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لم تنتج تفاهما يعيد رفع العقوبات.
وأوضح: «تشير التقديرات إلى أنه في حال أرادت إيران مواصلة الإنفاق المتهوّر للعملات الصعبة هذا العام، كما في الأعوام السابقة، كنا سنحتاج إلى 22 مليار دولار للسعر التفضيلي»، مضيفًا: «حتى بحال إحياء الاتفاق النووي (...) لم يكن ثمة مفر أمام الحكومة سوى إلغاء السعر التفضيلي».
إقبال على الخبز
وفي أسواق طهران التجارية، ينصبّ الاهتمام على تبعات التضخم وآثاره، أكثر من الاكتراث بأسبابه.
وغير بعيد من البازار الكبير، أبرز التجمعات التجارية للعاصمة، يقف محمد أمام متجره، الذي يعج بمواد كالبقوليات والحبوب والمكرونة وزيوت الطهي، لكنه يخلو من الزبائن.
ويقول التاجر الخمسيني إن مبيعاته تراجعت في الآونة الأخيرة، بينما ارتفعت أسعار بعض المواد، مشيرًا إلى أنه "ما لم يرتفع سعره اليوم سيرتفع غدًا".
كان رئيسي الذي تولى مهامه في أغسطس الماضي، تعهد -مع بدء تطبيق الإجراءات الجديدة- بألا يطال ارتفاع الأسعار الخبز والوقود والدواء.
وانعكس ارتفاع الأسعار إقبالًا متزايًدا على الخبز، الذي كان ضيفا أساسيا على مائدة الإيرانيين، بينما تقول شادي، وهي ربة منزل: "لم تتضاعف الرواتب، لكن تكلفة المعيشة تضاعفت".
وتضيف، قرب مخبز ينتظر أشخاص عند مدخله لشراء الخبز الطازج: "باتت صفوف الانتظار في الأفران أطول، لأن سعر الأرز ارتفع، ولجأ الناس إلى الخبز عوضًا عن الأرز".
في الداخل، يؤكد الخبّاز مجتبى ذلك، وهو يأخذ استراحة قصيرة من تحضير العجين ووضعه في التنّور الأرضي.
ويقول ابن الـ29 عامًا، الذي بدا التعرق والإجهاد على وجهه: "لجأ الناس إلى الخبز بعدما باتوا غير قادرين على شراء الأرز وزيت الطهو والمكرونة ومعجون البندورة (...) ويأكلون الخبز وحده".
زيف الادعاءات
أزمات قال عنها مجلس المقاومة الإيرانية -في بيان مساء السبت- إن اتساع الخلافات الداخلية على إيقاع الاحتجاجات والتظاهرات، يكشف زيف ادعاءات نظام الملالي، ويثير المزيد من الشكوك في جدوى العملية الجراحية، التي أوصلت إبراهيم رئاسي إلى الحكم.
وأوضح أن الهجمات التي يتعرض لها رئيسي لا تقتصر على الانتقادات والتصريحات، التي يطلقها رموز التيار "المهزوم" ووسائله الإعلامية، مع مشاركة الحلفاء والداعمين الرئيسين لتيار خامنئي في التشكيك بقدرات الحكومة، وتركيزهم على عجزها.
تصدع النظام
وأشار إلى أن تجليات المأزق الحالي دفعت بتغيرات على موقف خامنئي من عزل الوزراء، بعد أن كان هذا الأمر خطًا أحمر حتى وقت قريب، إلا أن المرشد الأعلى تجاوزه، مع اضطرار رئيسي للتضحية بوزير العمل، الذي كان يجرى التعامل معه كرمز لحكومة شابة ومتشددة.
وأكد مجلس المقاومة، أن الانتقادات الموجهة إلى حكومة رئيسي، واللهجة التي تحدث بها القيادي في الحرس الثوري الإيراني، اللواء سعيد قاسمي، تدلان على غياب ثقة الحرس وأدوات القمع التي يستخدمها الملالي في وعود الرئيس المدعوم من المرشد الأعلى، ما يزيد تصدعات جدار الولي الفقيه، ويضعف موقفه في صراعات النظام.
كان سعيد قاسمي وجَّه خطابًا مليئًا بالانتقادات الحادة، عبَّـر فيها عن حالة من الاحتقان والسخرية من سياسات النظام، مشيرًا إلى عدد من "الأكاذيب" المتعلقة بإسكان مهمشي مدينة جابهار، الذين يقيمون في بيوت مصنوعة من إطارات السيارات.