ماذا يريد مقتدى الصدر من العراق؟
الصدر يعتقد أنه الممثل السياسي الشرعي الوحيد للشيعة في العراق، وبذلك يجب أن يسيطر على الدولة

ترجمات - السياق
رأت مجلة نيو لاينز الأمريكية، أن تعامل الولايات المتحدة أو إيران مع الزعيم الشيعي ورجل الدين العراقي، مقتدى الصدر، كـ"مشكلة"، إنما هو استخفاف بالرجل الذي يحتفظ بقوته، من منطلق إيمانه بأنه الممثل الشرعي الوحيد في البلاد لطائفته الدينية.
كان الصدر، أعلن في بيان، اعتزال العمل السياسي نهائيًا وإغلاق المؤسسات ذات الصلة التابعة له، وأشار إلى أن اعتزال المرجع كاظم الحائري العمل الديني وتوصية أتباعه باتباع المرشد الإيراني، علي خامنئي، "لم يكن بمحض إرادته".
وتبع هذا البيان خروج مظاهرات عارمة في أنحاء العراق، ومحاولات لاقتحام القصر الرئاسي، صاحبتها أعمال عنف وسقوط قتلى ومصابين بالعشرات، إلا أن هؤلاء المتظاهرين انسحبوا من المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، بعد أن أمهلهم زعيمهم الصدر 60 دقيقة لوقف الاحتجاجات.
وأوضحت المجلة في تحليل للكاتب سجاد جياد -المدير الإداري لـ "مركز البيان للتخطيط والدراسات"، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية مقرها بغداد- أن الصدر يعتقد أنه الممثل السياسي الشرعي الوحيد للشيعة في العراق، وبذلك يجب أن يسيطر على الدولة، مشيرة إلى أن هذا الاعتقاد يأتي من خلفيته وخبراته في العراق.
تاريخ الصدر
بالعودة إلى تاريخ الصدر، بينت "نيو لاينز" أن الصدر صِهر محمد باقر الصدر، عرّاب الحركات السياسية الشيعية في العراق ومعلم والده.
وأشارت إلى أن والده محمد الصدر قاد إحياء الإسلام الشيعي في التسعينيات واغتيل عام 1999.
وحسب المجلة، عاش الصدر في ظل تلك الظروف الصعبة، بينما يُعتقد أن معظم الشيعة اليوم من الصدريين أو تحت مظلتهم.
وأوضحت أن أفكار وأيديولوجية الصدر تتناقض مع السياسيين الشيعة الذين عادوا إلى العراق بعد عام 2003، ووصلوا إلى السلطة من قِبل الأمريكيين ورعاهم الإيرانيون، إذ إن الأخيرين يعتقدون أن الصدريين جزء صغير من الشيعة، وأن التحالف السياسي مع إيران يخدم مصلحة استراتيجية، وأن الأحزاب الشيعية يجب أن تعمل في انسجام، عندما يتعلق الأمر بالانتخابات وتشكيل الحكومة، لمنحهم قوة تفاوضية أكبر.
ويتمتع الصدر -حسب المجلة- بدعم شعبي ضخم، إذ إن الملايين يتبعونه ثقافيًا ودينيًا وإقليميًا وسياسيًا، مشددة على أن نجاح الصدريين في انتخابات أكتوبر 2021 منح مصداقية لوجهة نظره القائلة إنه الملك السياسي للشيعة في العراق.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه عندما قُتل والده عام 1999، شعرت الأحزاب الإسلامية الشيعية بالارتياح للتخلص من منافس رأوا أنه يتعاون مع النظام.
وأوضحت أنه في عامي 2003 و2004، عندما اشتبك مع الاحتلال الأمريكي، لم تدعمه السلطات الدينية في النجف وكانت سعيدة بهزيمة حركته.
ويبدو -حسب المجلة- أن العلاقة بين الحائري والصدر كانت جيدة جدًا في البداية، إذ درس الصدر على يده مدة قصيرة في قُم، لكنها ساءت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، إذ كان الحائري يرفض نشاط الصدر ضمن جيش المهدي، ودخوله القوي في معترك السياسة.
لكن عام 2006، شرع الإيرانيون في انشقاق حركته، وشكلوا عشرات الجماعات من جيش المهدي، ثم استخدموها لإضعاف الصدر.
عام 2008، هاجمت الحكومة العراقية -المدعومة من الولايات المتحدة- حركته في البصرة وبغداد وأماكن أخرى، بينما كانت الأحزاب الشيعية وإيران تراقبها.
وأضافت المجلة: "حتى معلمه الديني كاظم الحائري أدار ظهره له"، إذ إنه بينما منحه -في البداية- بعض الشرعية الدينية وغطاءً لأنشطته السياسية بعد عام 2003، إلا أن علاقتهما كانت متوترة على مر السنين.
وتدهورت العلاقة بين الاثنين بعد عام 2008، ووصلت حد القطيعة، بحسب سجاد جياد "عندما انتقد الحائري اصطدام الصدر بالدولة وحكومة المالكي".
وفي صباح 29 أغسطس، أصدر الحائري بيانًا غير معتاد أعلن فيه اعتزال سلطته الدينية، ودعا أتباعه -خاصة الصدريين- إلى اتباع المرشد الأعلى علي خامنئي والثورة الإيرانية، وهي خطوة تهدف إلى سلب أي شرعية للصدر.
إحباط الصدر
أمام ذلك، بينت "نيو لاينز" أنه مع العنف الذي صاحب اعتزال الحائري، فإن الصدر يشعر بالإحباط من قِبل خصومه، لمنعه من تشكيل حكومة، رغم فوزه في انتخابات أكتوبر، فضلًا عن المؤامرات الإيرانية المستمرة، لحمله على الانصياع لصف طهران، مشيرة إلى أنه وسط ذلك كله مازال يعتقد أنه يستطيع وحده السيطرة على الجماهير الغاضبة، ومنع أسوأ التجاوزات في رد الفعل العنيف ضد الحكومة، التي يصفها بـ"الفاسدة" ولكن فقط إذا كان بإمكانه السيطرة على النظام.
وأوضحت أن سماحه بخروج أتباعه الصدريين في تظاهرات عارمة 24 ساعة، كانت رسالة لإثبات قدرته على استخدام القوة في الشارع، إذا لم يتمكن من شق طريقه سياسيًا.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن المنافس البرلماني الرئيس للصدر هو "الإطار التنسيقي"، وهو أكبر تحالف شيعي في المجلس التشريعي الوطني، ويضم كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي وكتلة الحشد الشعبي، لافتة إلى أن المشكلة أنه في حين أن هذا التحالف لا يمكنه قبول هيمنة الصدر، إلا أن أعضاءه ليس لديهم بديل عملي لتجميده.
أما الأحزاب الكردية والسُّنية -حسب المجلة- فمازالت مترددة في الانضمام إلى أي من الجانبين، ولا تريد أن تتحمل أي أضرار جانبية في صراع الشيعة على السلطة.
ونوهت المجلة الأمريكية، إلى أن الصدر سبق أن اشتبك -أكثر من مرة- مع خصوم سياسيين، إذ إنه من 2007 إلى عام 2008، اشتبك الصدريون مع منظمة بدر، وهي منظمة شيعية مسلحة موالية لإيران تأسست في الثمانينيات، ثم اندلعت اشتباكات سنوات عدة بين الصدريين وعصائب أهل الحق، وهي مليشيا شيعية مسلحة انشقت عن جيش المهدي الصدري عام 2006.
استفزاز الصدر
من المثير للاهتمام -حسب "نيو لاينز"- أن قوات الحشد الشعبي لم تحشد بالطريقة الكبيرة التي فعلها الصدريون، وكانت مقيدة في ردها على الهجمات على مكاتبهم، التي تضمنت إطلاق النار على مواقعهم وقصف المنطقة الخضراء، بينما لم تتعامل قوات الأمن العراقية -بأوامر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي- مع الصدريين، حتى عندما كانوا يطلقون الصواريخ على المنطقة الخضراء.
وأوضحت المجلة، أن هذا يمنح مصداقية للنظرية القائلة إن الصدر تم استفزازه، وإنه انجر إلى مواجهة حيث يتم تصوير جماعته على أنها المعتدي والخارج على القانون.
وأشارت إلى أنه في مواجهة ذلك، جاء تصريح الصدر الداعي إلى انسحاب أنصاره من المنطقة الخضراء، إدراكًا منه بأنه ربما يكون قد ارتكب خطأ، لكنه كان ينوي أيضًا إعادة السيطرة على جماعته.
أمام ذلك -تضيف المجلة- "يشعر الصدر مرة أخرى بتخلي حلفائه عنه، ومحاصرته من قِبل الأحزاب والدول القوية، لكنه في الوقت ذاته يعرف جيدًا أن الوقت في صالحه، فهو أصغر من القادة السياسيين الآخرين، ودعمه الشعبي يمنحه طول العمر السياسي.
وشددت المجلة على أن خلافات الصدر مع إيران، أكسبته بعض الدعم المحلي والدولي على مضض، لكنه يرفض استخدامه كأداة في ذلك الصراع الجيوسياسي، مشددة على أنه "للحفاظ على عمل النظام السياسي الحالي ومنع انهياره، يريد الصدر الهيمنة عليه وتقليص سلطة بعض الأحزاب الأخرى".