الحائري والصدر... تشابك الديني والسياسي وتغيّر قواعد اللعبة في العراق
يرى على الكاتب، المحلل السياسي العراقي، في تصريحات لـ السياق، أن الخلاف الراهن في العراق، يمكن توصيفه بأنه صراع بين مشروعين.

السياق
تطورات متسارعة شهدها العراق على مدار الأيام القليلة الماضية، بعد إعلان مقتدى الصدر، اعتزال العمل السياسي، وإغلاق مقار مؤسساته، إثر بيان صدر عن المرجع الديني الشيعي كاظم الحائري، أعلن فيه اعتزال المرجعية، لتقدمه في السن، داعيًا أتباعه إلى إطاعة المرشد الإيراني علي خامنئي، كما هاجم فيه مقتدى الصدر قائلا إنه فاقد للاجتهاد وغير مؤهل للقيادة الدينية.
انطلقت شرارة العنف الأخيرة في العراق، ومع تصاعد الأحداث في المنطقة الخضراء، بعد اقتحامها من جانب أنصار الصدر، واندلاع اشتباكات أسفرت عن مئات الجرحى والقتلى، ودعوة قوى "الإطار التنسيقي" لأنصارها للاعتصام على الجسر الرئيس في بغداد، خيَّم شبح الفوضى على البلاد، وطرح مبدأ "تسوية القوة" للخروج من هذه الأزمة، لاسيما مع صمت الصدر، الذي بدا كأنه موافق على تحركات أنصاره.
بيد أن كاظم الحائري، المرجع الديني في النجف الأشرف، أطلق بيانًا مفاجئًا أدى إلى تغيير "قواعد اللعبة السياسية"، بحسب مراقبين عراقيين، أعلن فيه التنحي عن المرجعية وطاعة مرشد إيران علي خامنئي.
المراقبون فسَّروا خطوة الحائري بمحاولة سحب الصدر إلى مرجعيته الدينية، بعد أن بات النجف الأشرف –المرجع الرئيس للشيعة العراقيين– بلا مرجعية، وهو ما بدا واضحًا في بيان الصدر الذي أعلن فيه اعتزال العمل السياسي نهائيًا.
تعقد المشهد
الدكتور غازي فيصل حسين، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية يشرح لـ"السياق"، الأسباب التي أدت إلى انزلاق العراق نحو الفوضى الأخيرة
وأشار حسين إلى أن التيار الصدري استمر برفض دعوات الحوار مع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى
، كما لم ينجح "الإطار التنسيقي" في فتح حوار مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتفاق على تقديم ضمانات لتلبية الشروط الكردية، خصوصًا في موضوع تصفير الأزمات وقانون النفط والغاز والمناطق المتنازع عليها.
ولفت مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن من أسباب تصاعد الأزمة الأخيرة أيضاً، فشل "الإطار التنسيقي" في الاتفاق على التوازن والشراكة والتناغم في النظام السياسي، إضافة لرفض الشروط المطروحة من "تحالف السيادة" لعودة مليون مواطن من النازحين إلى مدنهم وقراهم، خصوصًا جرف الصخر.
ومن أسباب فشل الجهود السياسية لتسوية الأزمة الراهنة، عدم الكشف عن المختفين والمعتقلين في السجون السرية للمليشيات العراقية الموالية لإيران، التي أعلنتها منظمة هيومن رايتس ووتش، وتجاهل مطالب إعادة بناء المدن المدمرة، وإخراج المليشيات المسلحة من المدن المحررة، بحسب الدكتور غازي.
في ضوء ما سبق، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن المشهد السياسي يتجه إلى التعقيد بسبب الفراغ الدستوري، وعجز مجلس النواب عن الانعقاد لفقدان التوازن في علاقات القوة السياسية بين الأحزاب، واندلاع الصراع بينها للاستحواذ على السلطة والنفوذ المالي، واستمرار إفقار وإذلال الشعب وسياسات الحروب، تنفيذًا لأجندة ولاية إيران في العراق والشرق الأوسط.
ويلفت الدكتور غازي إلى أن هذا الوضع المعقد، يعني تصاعد الاعتصامات والاحتجاجات، التي يمكن أن تتحول إلى "ثورة للإصلاح الجذري"، لاستعادة السيادة الشعبية، بعد فشل الدستور والبرلمان في تحقيق التوازن والاستقرار في النظام.
وفي قراءة لموقف الصدر قبل بيان الحائري، يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن التيار الصدري كان يستهدف التغيير الجذري وتصفية قوى الدولة العميقة وحكم الأقلية المالية المسلحة، وتشكيل حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية والسلاح المنفلت والفساد المالي، الذي استنزف تريليون دولار وأفقر الشعب العراقي، ودمر القاعدة المادية للصناعة والزراعة والخدمات.
بالمقابل -حسب الدكتور غازي- يذهب "الإطار التنسيقي" لتكريس منهج الطائفية السياسية والتمييز المذهبي والتبعية السياسية والاقتصادية لإيران، ما يكرس ويعمق الأزمة بين مختلف الأطراف والأحزاب السياسية، ويحوِّل الحوار إلى صراع يأخذ أشكالًا مختلفة من الاحتجاجات واستمرار الاضطرابات وانعدام الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، وعدم إجراء مراجعة نقدية للمناهج والسياسات الخاطئة خلال 19 عامًا من السياسات المتخلفة، التي فككت الدولة والمؤسسات لحساب الدولة العميقة.
الحائري والصدر
ولد الحائري في كربلاء عام 1938، وتتلمذ على يد محمد باقر الصدر، والد مقتدى الصدر، وهاجر من النجف إلى قم في منتصف السبعينيات، ولعب دوراً بارزاً بالتدريس في حوزتها، وأسس مدرسة علمية تختص بتدريس الشباب العراقيين وسمّاها باسم أستاذه محمد باقر الصدر.
واكب الحائري تأسيس محمد باقر الصدر لـ"حزب الدعوة"، ونشاطه السياسي المؤثر على الساحة العراقية في الستينيات والسبعينيات. ورشحه محمد باقر الصدر ليرث مرجعيته الفقهية. قائلًا"أنا أعتقد أنّ الأعلم على الإطلاق بعد زوالي من الساحة جناب آية الله العظمى السيّد كاظم الحائري".
الحائري ومقتدى
العلاقة بينهما مرت بأكثر من اختبار، كان آخرها اعتزال الحائري الذي فسره مراقبون تحدثوا لـ" بي بي سي"
بأنه "رفع للغطاء المرجعي عن الصدر". إلا أنها كانت جيدة في البداية حين درس الصدر الأبن على يد الحائري في قم
لكن الاحتلال الأمريكي للعراق فسد صفو العلاقة بينهما، فكان الحائري يرفض نشاط الصدر ضمن جيش المهدي، ودخوله القوي في معترك السياسة".
وساءت بعد ذلك تحديدًا في عام 2008، عندما رفض الحائري الصراع الذي حدث بين مقتدى وحكومة نوري المالكي.
صراع بين مشروعين
من جانبه، يرى على الكاتب، المحلل السياسي العراقي، في تصريحات لـ"السياق"، أن الخلاف الراهن في العراق، يمكن توصيفه بأنه "صراع بين مشروعين".
وأشار الكاتب إلى أن الخلاف واضح بين الصدر وخصومه بتضاد مشروعين، الأول لتصحيح مسارات البناء السياسي المؤدي إلى القصر الحكومي باعتماد الفائزين الكبار أو ما يعرف بـ"الأغلبية الوطنية"، بينما يتجه "الإطار التنسيقي" لمسار التوافق ومشاركة القوى الشيعية في تشكيل الحكومة.
وأضاف أنه إذا ما تم فهم ذلك الخلاف، فإنه يمكن إدراك فرص حل الأزمة السياسية المستعصية منذ أشهر.
وأوضح أن الصدر يحاول جاهدًا اعتراض مشروع الإطار التنسيقي، وتكرار سيناريو الحكومات السابقة، كون تلك "التوليفة السياسية" لم تنتج سوى الخراب والفساد وتوارث الأزمات.
ويرى المحلل السياسي العراقي، أن قوى "الإطار التنسيقي"، التي تضم تحت غطائها أحزابًا وكيانات ذات أجنحة مسلحة، وأيضاً التيار الصدري، يتحركان بسلاحهما خارج سيطرة الدولة العراقية، وهو ما ينذر بالفوضى وفقدان الاستقرار.
كان مقتدى الصدر أعلن في بيانه، اعتزال العمل السياسي نهائيًا، وإغلاق مؤسسات تياره، بعد بيان الحائري، الذي أعلن فيه "عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية بسبب المرض والتقدم في السن، وقرر إسقاط جميع الوكالات والاُذونات الصادرة من قِبله أو من مكاتبه وعدم استلام أي حقوق شرعيّة من وكلائه وممثّليه نيابة عنّه، من تاريخ إعلانه".