بعد فشل لعبة حافة الهاوية... إلى أين يتجه العراق؟
أزمة سياسية خانقة يعيشها العراق، بعد أن مارست الأطراف السياسية لعبة حافة الهاوية، التي جعلت البلد الآسيوي ساحة للسجال السياسي والتصادم والتناحر بين القوى المختلفة.

السياق
أزمة سياسية خانقة يعيشها العراق، بعد أن مارست الأطراف السياسية لعبة حافة الهاوية، التي جعلت البلد الآسيوي ساحة للسجال السياسي والتصادم والتناحر بين القوى المختلفة.
ووسط رؤية سياسية ضبابية، ضل العراق طريقه إلى مخرج للأزمة الحالية، منذ أن سحب مقتدى الصدر نوابه من البرلمان، ما أدخل بغداد في مساحات غير مستكشفة، ووضع البلد الآسيوي على حافة سيناريوهات خطيرة.
ذلك الوضع السياسي يجعل الإجراءات المتوقعة، خلال الفترة المقبلة، من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، صورية ولن تغير الكثير، ما يتطلب وقفة جادة من القوى السياسية عبر إجراء حوار معمق وشفاف لمراجعة الدستور والنظام السياسي وإقامة نظام حكم رشيد.
لكن هل يمكن تحقيق ذلك؟
بعد سويعات من بيان الانسحاب، الذي أعلنه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، استبشر العراقيون بأن انفراجة محتملة في طريقها إلى بلدهم المأزوم، خاصة بعد أن أعلنت قوات العمليات المشتركة رفع حظر التجول الذي لم يدم سوى أقل من 24 ساعة.
وما إن انسحب المتظاهرون من ساحة المنطقة الخضراء، قبل انتهاء مهلة الـ60 دقيقة، التي أمهلهم بها زعيمهم مقتدى الصدر، حتى خرج الإطار التنسيقي ببيان قد يقود البلاد إلى مزيد من التعقيد، خاصة بعد تعقيب وزير التيار الصدري صالح محمد العراقي عليه ببيان شديد اللهجة.
فما الذي تضمنه «بيان الأزمة»؟
بينما أشاد الإطار التنسيقي بدور القوات الأمنية والحشد الشعبي في ضبط النفس، متجاهلًا دور بيان زعيم التيار الصدري في عودة التهدئة خلال 60 دقيقة حاسمة، أمهل بها مناصروه للخروج من المنطقة الخضراء، دعا مجلس النواب وباقي المؤسسات للعودة إلى ممارسة مهامها.
وقال الإطار التنسيقي في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنه «ولأجلِ منع تكرار ما وقعَ من فتنةٍ وإنهاء الظروف التي تساعدُ فيها نرى ضرورةَ العمل بهمة راسخة والإسراعِ بتشكيلِ حكومة خدمةٍ وطنيةٍ تتولى المهام الإصلاحية ومحاربةِ الفسادِ ونبذ المحاصصةِ وإعادة هيبة الدولة، لينعم الجميع بالأمنِ والاستقرارِ والإسراع إلى تحقيقِ ما يصبو إليهِ أبناء شعبنا الكريم، وبمشاركةٍ واسعةٍ من جميعِ القوى السياسيةِ الراغبة في المشاركةِ».
ذلك البيان كشف تحجر موقف الإطار التنسيقي الداعي لتشكيل حكومة أولًا قبل الشروع في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتلك نقطة الخلاف مع التيار الصدري، الذي يرى ضرورة إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، ما يهدد بعودة العنف، خاصة بعد بيان وزير التيار الصدري.
وما إن أصدر الإطار التنسيقي بيانه، ورغم إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله السياسة، فإن وزيره والناطق باسمه صالح العراقي، قال في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنه «لا يستغرب ولا طرفة عين مواقف الإطار التنسيقي الوقحة ولا مليشياته الوقحة، حينما يعلنون بكل وقاحة متحدين الشعب برمته وبمرجعيته وطوائفه بأنهم ماضون بعقد البرلمان لتشكيل حكومتهم الوقحة، وما زال دم المعدومين غدرة من المتظاهرين السلميين وبطلقات مليشياتهم القذرة لم يجف».
وأضاف العراقي في بيانه، أن «الإطار التنسيقي لا يتحلى بقليل من شرف الخصومة (...) لا يعرف معنى الإصلاح ولا الثورة ولا السلمية ولا معاناة الناس على الإطلاق».
وتابع وزير التيار الصدري ملوحًا بحشد جماهيري قائلًا: ويكأن الشهداء والمنسحبين (التيار الصدري) من جنسية ليست عراقية ومن أقلية لا تملك الملايين من المحبين والمنتمين في هذا الوطن»، مشيرً إلى أن وجود الإطار التنسيقي في السلطة حان بشائر زواله.
وبينما قال إن البعض سيعد بيانه خارجًا عن سياقات السياسة، هدد الإطار التنسيقي قائلًا: إذا لم يعلنوا الحداد فليعدوني والتيار من اليوم عدوهم الأول بكل السبل المتاحة، بعيدًا عن العنف والاغتيالات التي قرر الفاسدون أن يصفوا خصومهم بها».
بيان شديد اللهجة أصدره وزير التيار الصدري، فتح الباب على مصراعيه أمام كل السيناريوهات المحتملة، ودق جرس الإنذار من احتمال توسع أعمال العنف، وقد تنتج عنه مآلات غير محمودة.
إلى أين يتجه العراق؟
بحسب مراقبين، فإن عودة السجال السياسي بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، في بيانهما الأخيرين، قد تؤدي إلى تنفيذ رئيس الحكومة العراقية تهديده بالتنحي عن السلطة، وترك العراق في فراغ سياسي وأزمة أكبر.
كان رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قال إنه رغم عدم تخليه عن مسؤوليته أمام شعبه، فإنه حذر من أن الاستـمرار في إثارة الفوضى، والصـراع، والخلاف، والتناحر، سيدفعه لإعلان خلو المنصب في الوقت المناسب، حسب المادة 81 من الدستور، وتحميل المتناحرين المسؤولية أمام العراقيين، وأمام التاريخ.
في هذا الإطار طالب المحلل السياسي العراقي زياد عرار بضرروة أن تكون هناك قرارات حاسمة ورؤية سياسية واضحة تتشارك مع القرارات الحكومية، مشددًا على ضرورة وقف الانحدار في المستوى العام.
وحذر المحلل السياسي العراقي من أنه إذا خرجت الأمور عن السيطرة، فإن الخراب سيعم الأراضي العراقية، مناشدًا الأطراف السياسية ضرورة اتخاذ قرارات ترضي الجمهور الغاضب، وتعيد إليه الثقة بالعملية السياسية.
وشدد على ضرورة اتخاذ قرارات واضحة لكيفية إجراء الانتخابات المقبلة، وتحديد موعد لحل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة، وإلا فإن الأمور ذاهبة إلى التعقيد.
بدوره، قال الدكتور عدنان السراج، رئيس المركز الإعلامي للتنمية الإعلامية في العراق، إن الأزمة الحالية أكثر تعقيدًا، مشيرًا إلى أن على مرجعية النجف والسيستاني أن يكونوا في الصورة وأن يتخذوا مواقف لمنع تصعيد الأمور.
دور مزدوج
وبحسب مراقبين فإن مقتدى الصدر الذي ورث من أبيه قوة سياسية كبيرة، لعب خلال الفترات الماضية دورا سياسيًا مزوجًا، فبينما كان جزءا رئيسًا من الحكومات المتعاقبة، من خلال وزراء تابعين له في الحكومة الاتحادية، أو الحكومات المحلية وترؤس قيادات تابعة للتيار لمؤسسات مهمة في الدولة، كان ينتقد عمل الحكومات ويتهمها بالفساد.
في هذا الإطار قال دانييل غيرلاخ، رئيس تحرير مجلة تسينيت الألمانية المعنية بشؤون الشرق الأوسط، في لقاء مع قناة دويتشه فيله الناطقة بالإنجليزية، إن مقتدى الصدر «ربما لم يدفع إلى العنف لكنه تسبب فيه»، مشيرًا إلى أن الوضع في العراق يتطلب استعراض القوة لتحقيق أهداف سياسية.
رئيس تحرير مجلة تسينيت الألمانية، أكد أن التيار الصدري مارس لعبة خطرة بدفعه بالمتظاهرين إلى الشوارع، في وقت يعلم فيه أن الطرف الآخر يملك القدرة على استعمال القوة أيضًا، وعلى معرفة قديمة بأطراف العملية السياسية الأخرى.
بدوره، قال المحلل السياسي العراقي أبو فراس الحمداني، إن النظام السياسي بدا هزيلًا أمام الأزمة الأخيرة، خاصة بعد رفع السلاح والصدامات المسلحة في المنطقة الخضراء، في وقت غابت فيه الأجهزة الأمنية التي تتقاضى 20% من ميزانية الدولة.
وحذر المحلل العراقي الإطار التنسيقي من استشعار النصر بعد خطاب الانسحاب، مشيرًا إلى أنه إذا فعل، سيعد «غباء سياسيًا كبيرًا».
المربع الأول
وهو ما أشار إليه مدير البرامج في «مركز تمكين السلام» بالعراق، عمر النداوي، قائلًا إن الوضع في العراق معقد للغاية، بعد الأحداث الأخيرة وانسحاب أنصار مقتدى الصدر من الشوارع، مشيرًا إلى أن «ما يزيد التعقيد أن الأطراف المتصارعة وأولها مقتدى الصدر ليس لديهم أي حلول للأزمة الحالية، التي تعصف بالبلاد».
وأشار النداوي إلى أن هناك خيارًا أقل سوءًا، يتمثل في عودة الأطراف السياسية إلى المربع الأول، منعًا لاستمرار سفك الدماء واستمرار صراع يطول أمده، وينذر بحرب أهلية تدمر العراق.
يتمثل المربع الأول في النقطة الأولى بمفاوضات ما بعد انتخابات 2021 وتشكيل حكومة مؤقتة أو الاتفاق على انتخابات جديدة، إلا أن ذلك الخيار ليس بالسهل بحسب النداوي، الذي قال إنه مع انسحاب نواب الصدر، أصبح هناك خلل في التوازن البرلماني، ما جعل التمثيل البرلماني مشكوكا فيه.