الحرية في الإسلام
أعاد الكاتب التركي مصطفى أكيول، شرح بعض مفاهيم كتابه: إعادة فتح العقول المسلمة... العودة إلى العقل والحرية والتسامح، ردًا على المراجعة التي وضعها جيفري بريستول، المحامي والباحث الأمريكي، للكتاب ذاته.

ترجمات - السياق
أعاد الكاتب التركي مصطفى أكيول -زميل أول في معهد كاتو الذي يركز على الإسلام والحداثة- شرح بعض مفاهيم كتابه "إعادة فتح العقول المسلمة... العودة إلى العقل والحرية والتسامح"، ردًا على المراجعة التي وضعها جيفري بريستول، المحامي والباحث الأمريكي، للكتاب ذاته.
ورغم إعرابه عن سعادته برؤية بريستول، الذي استخدم بعض حججه ذات الصلة بالمشكلات المعاصرة في أمريكا، مثل التكاملية "ما بعد الليبرالية" الناشئة، التي تتشابه بالفعل مع المفاهيم غير الليبرالية للإسلام التي ينتقدها الكتاب، فإنه رأى أن بعض الانتقادات كانت بعيدة بعض الشيء عن الواقع.
وقال في مقال نشره موقع القانون والحرية الأمريكي -المعني بالأيديولوجية السياسية- "في المقام الأول، ينتقد د. بريستول كتابي لأنه فاتته الفروق الدقيقة في الأشعار -المدرسة اللاهوتية السائدة في التقليد السني التي عرَّفتها بأنها تحول خاطئ مصيري في تاريخ الإسلام- ومع ذلك، بالنسبة لي، يبدو أن انتقاداته قد فاتت الفروق الدقيقة التي تمت مناقشتها بالفعل في كتابي".
الأشعرية والمعتزلة
قال أكيول عن الأشعرية: "باختصار، جاءت رد فعل على المدرسة اللاهوتية السابقة للمعتزلة، الذين غالبًا ما يُعرَّفون بأنهم عقلانيو الإسلام".
ووصف الأشاعرة بأنهم "علماء دين أتقياء ازدهروا بين القرنين الثامن والعاشر، في أكثر المراكز العالمية للامبراطورية الإسلامية، مثل بغداد والبصرة".
وأشار إلى أنه "على عكس المسلمين الآخرين الذين عاشوا وفكروا بشكل أكثر ضيقًا، واجه المعتزلة التحديات الفكرية للتقاليد المتطورة، مثل المسيحية واليهودية والزرادشتية والمانيشية، والأهم من ذلك الفلسفة اليونانية، لذا، بصفتهم مبشرين للإسلام، حاولوا فهم ذلك -للعقل البشري العالمي- الذي منحوا له سلطة معرفية كبيرة".
وأوضح أن الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة كان كبيرًا، مشيرًا إلى أنه من المثير للدهشة أن الدكتور بريستول يسلط الضوء على الأقل أهمية في هذا الخلاف -ما إذا كانت صفات الله يجب أن تؤخذ بالمعنى الحرفي أو المجازي- بدلاً من القضية الأكثر حيوية، التي هي أيضًا جوهر كتابي (الفجوة بين المعسكرين في وضع المفاهيم الإلهية في ما يخص كشف القانون أو الشريعة).
باختصار -يضيف الكاتب- جادل المعتزلة بأن الشريعة تثقف المسلمين بالقيم الأخلاقية الموجودة بالفعل في طبيعة الأشياء، التي يمكن أن يعرفها العقل البشري، وفي هذا الرأي "كان القتل شرًا بطبيعته، ومن ثمّ أشارت الشريعة فقط إلى هذه الحقيقة، التي يمكن حتى للكافرين معرفتها من خلال الحدس الأخلاقي الفطري".
بالمقابل -حسب أكيول- أصر الأشاعرة على ما يسميه الفلاسفة الأخلاقيون "نظرية الأمر الإلهي"، لافتًا إلى أنه من وجهة النظر هذه، فإن الشريعة لم تشر إلى حقائق أخلاقية، لكنها شكلتها، لذلك، كان القتل شرًا لأن الله حرمه، بينما إذا أمر الله به، سيكون ذلك جيدًا، لأنه لم يكن هناك مقياس "للخير" و "الشر" غير الشريعة.
دور العقل
تساءل الكاتب: هل يعني هذا أن الأشاعرة رفضوا أي دور للعقل في الدين؟ ويجيب: "يفترض د. بريستول أنني أعتقد ذلك، إذ كتب نقلًا عني: لم يكن الانقسام بين المعتزلة والأشاعرة بشأن العقل واللامعقول، لكن كيفية تطبيق العقل".
ويعترف الكاتب بأنه كتب هذه المقولة في كتابه، مستشهدًا بما كتبه الراحل جورج حوراني، الباحث الرائد الذي درس هذه المسألة، مضيفًا: "كتبت أن المعتزلة قبلوا مصدرين منفصلين للحكمة الأخلاقية والقانونية، هما: "الوحي والعقل المستقل"، بينما في المقابل، كانت صيغة الأشاعرة: "الوحي هو مصدر التلقي، ويكمله سبب تابع".
ويضيف: وضح الآن أن السبب التابع لا يعني "غير معقول"، مشيرًا إلى أنه على العكس من ذلك، أثبت التقليد الأشعري تعقيدًا متزايدًا، إذ إنها في النهاية، بنت نظرية قانونية معقدة "وسعت" أحكام الوحي، غالبًا عن طريق القياس، إلى المسائل التي لا تتناولها، بدايةً من الإمام الغزالي، الذي يميل الدكتور بريستول للدفاع عنه، حتى "الأشاعرة الراحلون"، الذين استوعبوا بعض الأفكار الفلسفية، كما ذكرت في كتابي، رغم أن الفلسفة، كنظام منفصل، تلاشت.
واستطرد: "ومع ذلك، كانت للفجوة بين العقل التابع والمستقل عواقب وخيمة، أظهرتها أيضًا في كتابي".
على سبيل المثال -حسب الكاتب- يمكن للمرء أن يرى الفجوة بين الجاحظ، وهو عالم معتزلي غزير الإنتاج من القرن التاسع، والغزالي، بشأن ما إذا كان الله سيعاقب غير المؤمنين بنار جهنم.
وأشار إلى أن الجاحظ -وهو يفكر بعقل مستقل- كان قد جادل بأنه إذا بحث اليهود والمسيحيون، وحتى "الدهرس" بصدق عن الحقيقة، لكن انتهى بهم الأمر إلى عدم اقتناعهم بالإسلام، فإن الله سوف "يعذرهم"، لأنه سيكون من الظلم معاقبة الناس على أشياء تتجاوز قدرتهم، ولا يستطيع الله أن يظلم، لأننا نفهم المفهوم من منظورنا البشري.
في المقابل -حسب الكاتب- يقول الغزالي، في عمله المتأخر، بالنظرية القانونية في الفقه الإسلامي (المصطفى)، أنه في حين أن وجهة نظر الجاحظ "ليست ضد العقل" ، إلا أنها خاطئة لأنها ضد الوحي -فقط بالاقتباس رواية مثيرة للجدل عن إعدام النبي محمد الذكور من أفراد قبيلة يهودية غادرة في المدينة المنورة- مضيفًا: هل كانت هذه الروايات ما بعد القرآنية "وحيًا"؟ وكان ذلك أيضًا جزءًا كبيرًا من الخلاف.
الحياة الآخرة
ويرى أكيول، أنه بصرف النظر عن الحياة الآخرة ، فقد كانت لنظرية الأمر الإلهي عواقب وخيمة على الأرض -التي فحصتها في كتابي، بدءًا من التأويل النصي الصارم للفقه الإسلامي، إلى ضعف الضمير الفردي وهيمنة الفتاوى في التدين الشعبي، إلى الرفض الإسلامي لأي نظام سياسي من صُنع الإنسان- ومع ذلك، هناك خيط يربط كل هذه المشكلات، هو عدم وجود مفهوم للقانون الطبيعي.
وأشار إلى أن أحد الخبراء الغربيين البارزين في الشريعة الإسلامية، وهو برنارد فايس، قدَّم ملاحظات مماثلة في البحث عن قانون الله، وكتب: "كما هو الحال في تفكير القانون الطبيعي المسيحي، في اعتقاد المعتزلة أن العقل البشري كان رابطًا بين الإنسان والله حيث يمكن للإنسان -بصرف النظر عن أي توجه خاص- أن يتوصل إلى فهم لمقاصد الله، لكن الأشاعرة عارضوا هذا الرأي بشكل قاطع، واضعين الأرثوذكسية في تناقض مع الآراء العقلانية للقانون والأخلاق، وكانت النتيجة قرونًا من الترابط بين القانون والدين، على عكس الغرب، حيث سهّل وجود أساس نصي مستقل للقانون علمنة القانون".
ويضيف: "يقودنا ذلك إلى نقاش الإسلام والليبرالية، الذي تناوله الدكتور بريستول في مراجعته، والذي أشار إلى أنه، رغم مما أجادل، فإن المفكرين السياسيين الإسلاميين مهتمون جدًا بالحرية".
وأوضح أنه للتوصل إلى نتيجة -تم تأكيدها بالفعل في كتابي- فإن المشكلة أنه من خلال "الحرية"، غالبًا ما يعني هؤلاء المفكرون التحرر من عبادة الأصنام أو الخطيئة أو الإغراء، بينما يناصرون "عبودية الله"، لافتًا إلى أن ما يفعلونه -كما أصفه- هو الخلط عمدًا بين "الحرية الداخلية"، وهي قيمة روحية، و "الحرية الخارجية"، أي قيمة سياسية، بمعنى غياب الإكراه.
لذا -حسب الكاتب- يجب تحديد السؤال على هذا النحو: هل الحرية الخارجية، ودفاعها المنهجي، الليبرالية، متوافقة مع الإسلام؟
وأجاب أكيول: في الواقع بذور الحرية في الإسلام، كما يسميها دانييل فيلبوت، تتمثل في المقطع القرآني الذي يُقتبس كثيرًا، (لا إكراه في الدين).
ولكن -يضيف الكاتب- لا يمكن زراعة البذور المفاهيمية، إلا إذا رأيناها كمؤشرات لحقائق أوسع، مثل "حب الحرية العالمية"، وهو مصطلح اقترضه الدكتور بريستول من جون آدامز، مبينًا أن "هذا هو نوع الشمولية الذي نراه، ليس في نظرية الأمر الإلهي للغزالي، بل في فلسفة أكبر منتقديه ابن رشد الذي كتب أنه إلى جانب "القوانين المكتوبة" السياقية، مثل القوانين الدينية ، هناك أيضًا "قوانين غير مكتوبة" أعلى للإنسانية.
وختم أكيوم مقاله: "هذا هو السبب في أنني ناقشت في كتابي، ليس فقط بعض القضايا الملتهبة في الشريعة الإسلامية، مثل الردة، أو التجديف، أو عدم المساواة القانونية، أو حقوق المرأة، أو الحرية السياسية، لكن أيضًا المذاهب اللاهوتية التي تعيق الإصلاحات المهمة المتعلقة بها، وآمل أن يساعد هذا الرد في توضيح ما جادلت به ولماذا.