لا يعاملوننا كالبشر... أفغان يقصون روايات مروعة عن رحلة المخاطر على حدود تركيا وإيران
وثقت منظمة العفو الدولية، حالات عدة أطلقت فيها قوات الأمن الإيرانية والتركية الرصاص مباشرةً على الأشخاص، أثناء تسلقهم للجدران الحدودية، أو زحفهم تحت سياج الحدود.

السياق
"لا يعاملوننا كالبشر» عنوان تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية، استهجنت فيه تعامل قوات الأمن الإيرانية والتركية مع الأفغان، الذين يحاولون عبور حدود البلدين طلبًا للأمان، بطرق تضمنت فتح النيران على الرجال والنساء والأطفال على نحو غير مشروع.
ووثقت المنظمة -في تقريرها الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه- حالات عدة أطلقت فيها قوات الأمن الرصاص مباشرةً على الأشخاص، أثناء تسلقهم للجدران الحدودية، أو زحفهم تحت سياج الحدود، إلا أنها أكدت أن الأمر لا يقتصر على ذلك، بل إن الأفغان الذين ينجحون في دخول إيران أو تركيا، عادةً ما يُحتجزون تعسفيًا ويتعرضون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة قبل إعادتهم قسريًا.
باحثو منظمة العفو الدولية في أفغانستان أجروا مقابلات في مدينة هيرات وبلدة إسلام قلعة الحدودية، مع 74 أفغانيًا أعيدوا من إيران وتركيا، قال 48 منهم إنهم تعرضوا لإطلاق النيران خلال محاولتهم عبور الحدود، ما أعادهم إلى أفغانستان، بعد أن أخفقوا في تسجيل طلبات لجوء لدى أي من البلدين.
وقالت ماري فوريستيي، الباحثة في شؤون حقوق اللاجئين والمهاجرين لدى منظمة العفو الدولية، إنه رغم مرور عام على انتهاء عمليات الإجلاء الجوي من أفغانستان، فإن كثيرين من هؤلاء الذين تُركوا في أفغانستان يخاطرون بحياتهم كي يغادروا البلاد.
أخطار لا تنتهي
وأشارت الباحثة الحقوقية إلى أن الأفغان الذين توجهوا إلى الحدود الإيرانية والتركية، بحثًا عن الأمان، العام الماضي، تعرضوا للإعادة القسرية تحت مرمى النيران، مؤكدة أنها وثقت كيف قتلت قوات الأمن الإيرانية وأصابت عشرات الأفغان على نحو غير مشروع منذ أغسطس 2021، بطرق تضمنت إطلاق النيران على السيارات المحملة بالأفغان مرات عدة.
وأكدت أن حرس الحدود التركي استخدم الذخيرة الحية ضد الأفغان على نحو غير مشروع، إذ أطلق النيران في الهواء لصدهم، مع إطلاق الرصاص على الأشخاص في بعض الحالات، مشيرة إلى أن الأخطار لا تنتهي عند الحدود، فقد أمضى العديد من الأفغان وقتًا قيد الاحتجاز التعسفي إما في تركيا وإما إيران، تعرضوا خلاله للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، قبل إعادتهم على نحو غير مشروع.
رحلة خطرة
بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة في أغسطس 2021، شق الأفغان طريقهم نحو الفرار من بلادهم، إلا أن جميع البلدان المجاورة لأفغانستان أغلقت حدودها أمام أولئك الذين لا يحملون وثائق سفر، ما ترك كثيرين من دون أي خيار سوى السفر بصورة غير نظامية.
وتقول منظمة العفو الدولية، إن دخول الأفغان لإيران بطرق غير رسمية، تكون عبر الزحف تحت سياج قريب من معبر رسمي في ولاية هيرات بأفغانستان، أو تسلق جدار يبلغ طوله مترين بولاية نيمروز.
ونقلت المنظمة عن أحد شهود العيان قوله: «توجه ابن أخي إلى الجدار على الحدود ثم تسلقه، ورفع رأسه فوق قمة الجدار، فأطلقت القوات الإيرانية الرصاص على رأسه».
المنظمة تضيف، أن أولئك الذين لا يعتقلهم حرس الحدود الإيراني بشكل فوري يتوجهون إلى مدن مختلفة في إيران، أو يسافرون للحدود التركية على بعد قرابة ألفي كيلومتر شمالي غرب البلاد، يتعرضون للإعادة بالعنف وعلى نحو غير مشروع، إما من إيران إلى أفغانستان، وإما من تركيا إلى إيران.
وسافر أحد باحثي منظمة العفو الدولية لأفغانستان وتركيا في مارس ومايو 2022، وأجروا مقابلات مع أطباء وعاملين بمنظمات غير حكومية ومسؤولين أفغان، وكذلك 74 أفغانيًا حاولوا العبور إلى تركيا أو إيران.
حالات قتل
تشير روايات شهود العيان إلى 255 حالة إعادة غير مشروعة، بين مارس 2021 ومايو 2022، بحسب المنظمة التي أجرت مقابلات مع أقرباء ستة رجال وفتى كان يبلغ من العمر 16 عامًا، قُتلوا على أيدي قوات الأمن الإيرانية، أثناء محاولتهم العبور لإيران بين أبريل 2021 ويناير 2022.
وتقول المنظمة إنها وثَّقت 11 حالة قتل على أيدي قوات الأمن الإيرانية، مشيرة إلى أن عاملين في مجال المساعدة الإنسانية وأطباء أفغان أكدوا أنهم سجلوا ما لا يقل عن 59 وفاة و31 إصابة بين أغسطس وديسمبر 2021 فقط.
غلام (اسم مستعار) أحد الذين اكتووا بنار الهجرة غير المشروعة، قال عن ابن أخيه البالغ من العمر 19 عامًا، الذي قُتل رميًا بالرصاص في أغسطس 2021، إنه توجه إلى الجدار على الحدود ثم تسلقه، ورفع رأسه فوق قمة الجدار، فأطلقوا الرصاص على رأسه وأصابوا صدغه الأيسر، ليسقط صريعًا على الجانب الأفغانستاني من الحدود».
ووقعت بعض حوادث إطلاق النيران الموثقة داخل الأراضي الإيرانية، بحسب سكينة، 35 عامًا، التي روت لمنظمة العفو الدولية كيف قُتل ابنها، الذي بلغ 16 عامًا، رميًا بالرصاص خلال ابتعادهما عن الحدود الإيرانية.
وتقول سكينة (اسم مستعار): «سمعت وَلَدي يصرخ مستغيثًا بي، بعد أن أصيب برصاصتين في ضلوعه»، مضيفة: «لم أَعلم ما حدث بعدما أغشي علي، لكن حينما استعدت وعيي، كنت في أفغانستان، وأدركت أن ولدي توفي، بعد أن كنت أجلس إلى جانب جثته في سيارة أجرة».
من إيران إلى تركيا... المشاهد تتكرر
من إيران إلى تركيا، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 35 شخصًا حاولوا العبور إلى تركيا، بينهم 23 قالوا إنهم تعرضوا لإطلاق النيران.
باحثو منظمة العفو الدولية تحدثوا إلى أفغاني قال إنه شهد قتل ثلاثة فتيان مراهقين على أيدي قوات الأمن التركية، بينما ذكر شهود عيان إصابة ستة رجال وثلاثة فتيان على أيدي قوات الأمن التركية.
ويقول عارف وهو ضابط سابق بجهاز الاستخبارات الأفغانية، لاذ بالفرار بعد تلقيه تهديدات بالقتل من طالبان، إنه شهد تعرض أطفال صغار لإصابات على أيدي قوات الأمن التركية.
وأضاف: «أطلقوا النار مباشرةً علينا، ليس في الهواء، ورأيت امرأة وطفلين مصابين: طفل يبلغ عامين أصيب بالرصاص في كُليَته، وآخر يبلغ ستة أعوام أُصيب في يده، انتابني الفزع الشديد حينها».
وتقول «العفو الدولية»، إن أيًا من القتلى أو المصابين لم يكن ليشكل أي صورة من التهديد الوشيك على أفراد قوات الأمن أو غيرهم، أو حتى تهديد بالقتل أو إلحاق إصابات خطيرة، ما يعني أن استخدام الأسلحة النارية من الممكن أن يكون قد جرى بصورة غير مشروعة وتعسفيًا».
وتقول ماري فوريستيي إنه يجب إجراء التحقيقات بشأن أي حالات قتل ناجمة عن استخدام الدولة للأسلحة النارية على نحو متعمد وغير مشروع، كعمليات إعدام محتملة خارج نطاق القضاء.
ويصف حميد (اسم مستعار) كيف اعتدت قوات الأمن التركية عليه وعلى صديقه بالضرب خلال احتجازهما، قائلًا: «اعتدى أحد أفراد الشرطة على صديقي بالضرب بعقب بندقيته، ثم جلس فوق صديقي وكأنه يجلس على كرسي، جلس هناك وأشعل سيجارة خلال جلوسه، ثم ضربني ببندقيته على ساقي أيضًا».
أمير الذي أصيب بجرح سطحي في رأسه برصاصة أطلقتها قوات الأمن التركية، قال إنه حينما أعيد إلى إيران، اعتقله أفراد الأمن الإيراني وضربوه على رأسه.
وأضاف: «كانوا يضربونني على جرح رأسي مباشرةً، ليبدأ النزف مُجددًا… توسلت إليهم، في إحدى المرات: أرجوكم لا تضربوني على رأسي، ثم سألني الحارس بمنشأة الاحتجاز: نضربك أين؟ فأَشَرت إلى رأسي، ليضربني على المنطقة نفسها».
ضغوط وتوقيعات مزورة
تقول «العفو الدولية»، إن أحد عشر أفغانيًا أعادتهم السلطات التركية على نحو غير مشروع، احتجزوا داخل أحد مراكز الترحيل الستة التي قدم الاتحاد الأوروبي تمويلاً جزئيًا لبنائها في تركيا.
وقال الأفغان الذين أُعيدوا إلى بلادهم، خلال المقابلات، إن السلطات التركية والإيرانية أكرهتهم على مغادرة البلدين، بينما قال ثمانية أشخاص احتجزوا ورحلوا إلى بلادهم في رحلات جوية مستأجرة من تركيا، إن السلطات التركية مارست الضغوط عليهم لتوقيع وثائق تفيد بأنهم يغادرون البلاد طوعًا.
وأضاف الرجل: قلت لقوات الأمن إني معرض للخطر في أفغانستان، لكنهم لم يأبهوا بذلك، واعتدوا عليّ بالضرب، ودفعوني إلى الجدار، حتى وقعت على الأرض، وأمسك رجلان بساقي، وجلس ثالث على صدري، بينما وضع آخران أصابعي على ورقة».
وقالت ماري فوريستيي إن مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي يحظر على الدول إعادة أي شخص إلى أرض قد يتعرض فيها للاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، داعية السلطات التركية والإيرانية إلى التقيد بهذا الالتزام والتوقف عن إرغام الأشخاص على العودة إلى براثن الخطر في أفغانستان.
وصايا منظمة العفو الدولية
ودعت "فوريستيي" السلطات التركية والإيرانية لإنهاء عمليات إعادة وترحيل الأفغان فورًا، ووضع حد لممارسات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وضمان عبور آمن لجميع الأفغان الذين يلتمسون الحماية وإتاحة المجال أمامهم لاتخاذ إجراءات طلب اللجوء.
وطالبت قوات الأمن بالتوقف الفوري عن استخدام الأسلحة النارية بصورة غير مشروعة ضد الأفغان على الحدود، وإخضاع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل غير المشروع وممارسات التعذيب، للمحاسبة.
ودعت المنظمة الحقوقية المجتمع الدولي لتقديم الدعم المالي والمادي، للبلدان التي تستضيف أعدادًا كبيرة من الأفغان، بما فيها إيران وتركيا، مشيرة إلى أن عليه ضمان ألا يسهم هذا الدعم المالي في انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، مؤكدة أن على البلدان الأخرى إتاحة مزيد من فرص إعادة التوطين للأفغان الذين يحتاجون حماية دولية.
وكررت منظمة العفو الدولية دعوتها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإنشاء آلية تحقيق ومساءلة مستقلة، لجمع وتحليل الأدلة على أخطر الجرائم المرتكبة في إيران وتركيا بموجب القانون الدولي، بما فيها تلك التي ترتكب بحق الأفغان في إطار عمليات الإعادة، من أجل السماح بإجراء ملاحقات قضائية في المستقبل.
وطالبت المفوضية الأوروبية بضمان ألا يسهم التمويل المتعلق بمسألة الهجرة واللجوء الذي تقدمه إلى تركيا، في انتهاكات حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنه إذا واصل الاتحاد الأوروبي تمويل هذه المراكز التي يحتجز بها الأفغان قبل إعادتهم على نحو غير مشروع، فإنه يخاطر بأن يكون متواطئًا في ارتكاب هذه الانتهاكات المروعة.
كما طالبت المجتمع الدولي باتخاذ الترتيبات اللازمة لتأمين عبور الأفغان المعرضين للمخاطر وإجلائهم، والمسارعة بالتحرك، في إطار استجابة منسقة لتقاسم مسؤولية استضافة اللاجئين الأفغان.