ما الصفقة النووية الإيرانية الجديدة؟
سيتابع المفتشون تفكيك أنظمة التخصيب التي تم تعزيزها إلى مستويات أعلى مما كانت عليه قبل عام 2015

ترجمات - السياق
التكهنات بقرب توقيع الاتفاق النووي مع إيران تزداد، طهران التي تسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، أكدت تقارير عدة أنها تنتزع التنازلات من الجانب الأمريكي لإتمام الصفقة، بينما أشارت وكالتا (سي إن إن) و(رويترز)، إلى أن إيران أسقطت مطالب عدة في المفاوضات الجارية بشأن اتفاق جديد، من شأنه تحديث الاتفاق الأصلي الذي تم التوصل إليه عام 2015، وهو ما جعل كبار المسؤولين الأمريكيين يثقون بأن الصفقة الجديدة سيتم إبرامها في غضون أيام.
إلى ذلك تساءلت وكالة التلغراف الإسرائيلية (جي تي إيه)، عن تفاصيل الصفقة الجديدة، ولماذا لم تخرج للعلن حتى الآن، وما الذي يعيقها؟ منوهة إلى أن المفاوضات الجارية في فيينا، بين النظام الإيراني والغرب، لن تؤدي غرضها بإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، سوى بالمزيد من التقارب في وجهات النظر والرؤى بين الطرفين.
وبينت أنه خلال الأسبوع الماضي، بدت فرص عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني أعلى مما كانت عليه منذ سنوات.
إلا أن الحكومة الإيرانية أعلنت -الاثنين الماضي- أنها تريد مزيدًا من الوقت -حتى سبتمبر- لفحص رد الولايات المتحدة على الاقتراح الأخير.
أمام هذا التراجع، لم يعد من الواضح -حسب الوكالة الإسرائيلية- ما إذا كانت إيران قد قدمت التنازلات، التي كان المسؤولون الأمريكيون واثقين منها للغاية، أم أن الضوء الذي اعتقد الدبلوماسيون الدوليون أنهم كانوا يرونه في نهاية النفق بدأ يخفت مجددًا.
المأزق الحالي
وتساءلت وكالة التلغراف الإسرائيلية، عن الأسباب التي أوصلت المجتمع الدولي إلى هذا المأزق؟ وماذا تعني عودة الولايات المتحدة للانضمام إلى الاتفاقية حال إتمامها؟
ونوهت إلى أن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي لعام 2015) -كما تمت تسميتها رسميًا، في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما- استبدلت التراجع عن برنامج إيران النووي بتخفيف العقوبات.
وأشارت إلى أن الرئيس أوباما والعديد من الديمقراطيين جادلوا حينها بأن هذه أفضل طريقة لوضع حد دبلوماسي لطموحات إيران المتقدمة في الحصول على أسلحة نووية.
تدمير إسرائيل
وبينت الوكالة، أن إسرائيل اعترضت على الصفقة منذ البداية، بحجة أن إيران -التي تدعو بشكل روتيني إلى تدمير إسرائيل- لا يمكن الوثوق بها، بل إن العديد من المشرعين اليهود الأمريكيين حاروا بين تأييد الصفقة كإنجاز بارز للسياسة الخارجية الأمريكية، والاستماع لتحذيرات المسؤولين في إسرائيل بأن إتمامها لا يخدم مصالحها.
وأوضحت أنه بتوقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، وافقت إيران على خفض مخزونها إلى كمية صغيرة من اليورانيوم المخصب إلى 3.67% -وهو مستوى مطلوب للأبحاث الطبية وغير قابل للاستخدام كأسلحة- ولإنهاء إنتاج البلوتونيوم بشكل فعّال، كما وافقت على السماح بعمليات تفتيش منتظمة لمنشآتها النووية.
في المقابل، وافقت الأطراف الأخرى في الاتفاق -بما في ذلك روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، إلى جانب شركاء تجاريين رئيسين مثل الهند وكوريا الجنوبية- على إنهاء العقوبات التي تستهدف برنامج إيران النووي (الذي ما زالت إيران تصر على أنه لأغراض غير عسكرية) وقطاعيها المصرفي والنفطي.
بينما انتقد آخرون ما قالوا إنها مساوئ قاتلة وراء الصفقة، ذلك أن القيود المفروضة على برنامج التخصيب الإيراني انتهت صلاحيتها، وتم استبعاد العديد من المخاوف من الاتفاقية، بما في ذلك برنامج إيران الصاروخي، وإجراءاتها التخريبية في الشرق الأوسط، ودعمها للإرهابيين في جميع أنحاء العالم.
سبب التأخير الأمريكي
وعن أسباب عدم توقيع الولايات المتحدة الاتفاقية -حتى الآن- بينت "التلغراف" الإسرائيلية، أن الأمر يعود لحقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي رفض الصفقة، واستبدل بها سياسة (الضغط الأقصى) التي اتبعها مع إيران، والتي تضمنت إضافة العديد من العقوبات الجديدة، وصولًا إلى أوامره عام 2020، بقتل أحد كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين، قاسم سليماني.
ردًا على ذلك -حسب الوكالة- بدأت إيران زيادة تخصيبها للمواد الانشطارية إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يُعتقد أنها على بُعد أسابيع فقط من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتصنيع سلاح نووي.
من جانبه، تعهد الرئيس الحالي جو بايدن -أثناء حملته الانتخابية للرئاسة- بالسعي للعودة إلى الصفقة، قائلاً إن الانسحاب سمح لإيران بالاقتراب -أكثر من أي وقت مضى- من الحصول على سلاح نووي، مشددًا على أنه يريد تعزيز الصفقة والتفاوض بشأن قيود على الإجراءات التخريبية الأخرى لإيران، لكنه أوضح أن أولويته هي العودة إلى الصفقة أولاً.
الامتثال الصارم
وقال بايدن، بمقال رأي في سبتمبر 2020 على شبكة سي إن إن: "إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعود للانضمام إلى الاتفاقية، كنقطة انطلاق لمفاوضات المتابعة"، مضيفًا: "سنعمل مع حلفائنا على تعزيز وتوسيع بنود الاتفاق النووي، مع معالجة القضايا الأخرى ذات الاهتمام أيضًا".
أمام ذلك، أشارت الوكالة الإسرائيلية، إلى أن أول أعمال أنتوني بلينكين كوزير جديد لخارجية بايدن في فبراير 2021 كان الانضمام إلى الشركاء الأوروبيين الثلاثة لخطة العمل المشتركة الشاملة، لإخبار إيران بأن الولايات المتحدة مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وقال بلينكين حينها: "إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم لالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن الولايات المتحدة ستفعل الشيء نفسه، وهي مستعدة للدخول في مناقشات مع إيران لتحقيق هذه الغاية".
النسخة الجديدة
وعن تفاصيل النسخة الجديدة من الصفقة، أشارت "التلغراف" الإسرائيلية، إلى أنه وفقًا للتقارير، ستسمح إيران للمفتشين بالتحقق من أنها تعود إلى قيود 2015 الأصلية -وهي عملية مُعقدة قد تستغرق أشهرًا، حيث سيتابع المفتشون تفكيك أنظمة التخصيب التي تم تعزيزها إلى مستويات أعلى مما كانت عليه قبل عام 2015- بينما في المقابل سترفع الولايات المتحدة وحلفاؤها، العقوبات التي تستهدف القطاع النووي الإيراني وصادراتها النفطية وبنوكها.
ونقلت الوكالة عن مطلعين على الصفقة، قولهم: إن الصفقة الجديدة ستكون أقل فاعلية، لأن إيران طوّرت بالفعل قدرتها على التخصيب، لدرجة أنها على بُعد أسابيع من الوصول إلى (إنتاج سلاح نووي).
في المقابل، ستفتح العودة إلى الصفقة صادرات النفط الإيرانية أمام الأسواق المشروعة، إذ تقدر مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، أن دخل طهران قد يصل إلى تريليون دولار بحلول عام 2030.
عراقيل وتنازلات
أمام ذلك، يبدو أن إيران تضع بعض العراقيل أمام الصفقة الجديد، إذ إنها بخلاف طلبها تأجيل الرد إلى سبتمبر، طلبت أيضًا ثلاثة تنازلات أخرى، رفض بايدن الموافقة عليها.
أول هذه التنازلات -حسب الوكالة الإسرائيلية- أن يزيل بايدن قرار ترامب بوضع الحرس الثوري على قائمة الإرهاب التي حددتها الولايات المتحدة، وهو القرار الذي تؤيده إسرائيل، وترفض بشدة الانصياع لطلبات طهران بشأنه.
أما التنازل الثاني فيتمثل في طلب إيران، من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنهاء تحقيقها في المواد النووية غير المعلنة، التي اكتشفها مفتشوها عام 2019.
ويتضمن التنازل الثالث، ضمانات من بايدن بأن الإدارات الأمريكية المستقبلية لن تتراجع عن الصفقة، كما فعل ترامب، بشأن الصفقة التي وقعها أوباما.
من يؤجل الصفقة؟
لكن "التلغراف" الإسرائيلية ترى أن هناك عددًا من العراقيل التي قد تؤخر توقيع الصفقة الجديدة بعيدًا عن تعنت إيران، منها أنه يحق للكونغرس مراجعة الصفقة.
أيضًا، يخطط معارضو خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك المؤسسات المؤيدة لإسرائيل بالولايات المتحدة، لممارسة ضغط قضائي ضدها، فضلًا عن أنه إذا استعاد الجمهوريون مجلسًا واحدًا على الأقل من مجلسي الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل، فقد يبطئون تنفيذ الصفقة.
روسيا
إضافة إلى ذلك -حسب الوكالة الإسرائيلية- هناك أيضًا اتجاهات دولية يمكن أن تدفع الأمريكيين إلى عدم قبول الصفقة الجديدة، ومن ذلك مساعدة إيران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، من خلال تزويدها بطائرات مسيرة مسلحة، وتعليمها كيفية التهرب من العقوبات الأمريكية، بينما أولوية السياسة الخارجية لبايدن تقوم على أساس شل روسيا، ومن ثمّ فإن إعادة إيران إلى المجتمع الدولي يمكن أن تعيق هذا الهدف.
الميلشيات
لا تتوقف المعوقات -حسب الوكالة- على الدعم الإيراني لروسيا فحسب، وإنما أيضًا دور طهران في تفجر التوترات الطائفية في العراق المجاورة، ودعمها غير المحدود للمليشيات التي تعادي إسرائيل، وآخرها دعمها لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، في قطاع غزة.
كما لم توقف إيران نشاطها الخبيث، بما في ذلك داخل الأراضي الأمريكية، حيث تعرض الكاتب سلمان رشدي -الذي لا تزال طهران تطالب برأسه مقابل مكافأة مالية ضخمة- لمحاولة اغتيال أثناء إلقائه محاضرة مؤخرًا في مدينة نيويورك.