بعد الانسحاب الأمريكي.. تنافس محتدم بين باكستان وإيران لكسب طالبان
احتمال توسع التنظيمات المسلحة، يظل مدعاة للقلق في نحو 12 دولة، خصوصًا أكبر جارتين لأفغانستان إيران وباكستان، فرغم أنهما الدولتان اللتان تتمتعان بأكبر قدر من النفوذ في البلاد، فإنهما الأكثر عرضة للخطر.

ترجمات - السياق
منذ الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، ووصول حركة طالبان إلى الحُكم، تتنافس إيران وباكستان في كسب ود الحركة المتطرفة، خوفًا من تحوُّل أفغانستان إلى حاضنة للتنظيمات المتطرفة، وتهديد أراضيهم.
وقالت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أزعج دولًا عدة مجاورة، خاصة إيران وباكستان، محذرة أنه مع وجود "طالبان" في الحكم، قد تتوسع التنظيمات المسلحة ومن ثم ينتشر انعدام الأمن عبر الحدود.
وأوضحت أن احتمال توسع التنظيمات المسلحة، يظل مدعاة للقلق في نحو 12 دولة، خصوصًا أكبر جارتين لأفغانستان إيران وباكستان، فرغم أنهما الدولتان اللتان تتمتعان بأكبر قدر من النفوذ في البلاد، فإنهما الأكثر عرضة للخطر، حيث إن حدودهما الطويلة معها، إلى جانب الروابط التاريخية والعرقية واللغوية والثقافية، سمحت لهما بلعب أدوار مهمة في الشؤون الداخلية لأفغانستان.
وأضافت المجلة، أن أيًا من دول آسيا الوسطى الثلاث المجاورة أو الصين، لا تتمتع بالمستوى نفسه من النفوذ في البلاد.
وأشارت إلى أن الصين تعتمد على إيران وباكستان، في إدارة أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، مشددة على أنه عقب رحيل الولايات المتحدة، ستكون إيران وباكستان المتنافستين الرئيستين في تشكيل مستقبل أفغانستان التي تديرها طالبان.
فراغ خطير
ولفتت "فورين أفيرز" إلى أن نهاية الحقبة الطويلة من التدخلات المباشرة للقوى العظمى في أفغانستان، تركت فراغًا خطيرًا، مشيرة إلى أنه رغم خلافاتهما تسعى إيران وباكستان إلى الاستقرار والأمن، بعد حالة حرب منذ عقدين من الزمن، وغالبًا ما تباعدت مصالحهما أو دخلت في صراع مباشر في أفغانستان، لكنهما الآن ستضطران إلى التعاون بطرق غير مسبوقة.
وذكرت أن هذه البلدان بحاجة ماسة إلى حركة طالبان، لبناء حكومة يمكنها الحفاظ على قدر ضئيل من الاستقرار ومواجهة ما يسمى "تنظيم داعش خراسان"، وغيره من الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
وأشارت المجلة، إلى أن أفغانستان بوابة رئيسة لإيران وباكستان إلى آسيا الوسطى، لا سيما من حيث طرق الطاقة والتجارة، لذلك هما حريصتان كل الحرص على الاستفادة من جهود الاتصال الإقليمي للصين، من خلال برنامج البنية التحتية الواسع المسمى "مبادرة الحزام والطريق"، الذي يمر عبر مناطق بالقرب من الحدود الأفغانية، وهو عرضة لضربات متمردي طالبان الباكستانية، وكذلك المسلحين البلوش الانفصاليين.
تهديد داعش
وعن تهديد داعش، أوضحت فورين "أفيرز" أنه بعد تحييد تهديد داعش على جناحها الغربي في العراق، لا تريد إيران أن ترى الجهاديين يزدادون قوة على جناحها الشرقي، بينما تخشى باكستان أن تحفز أنشطة داعش في أفغانستان المسلحين داخل حدودها.
وذكرت أن طالبان قد تهيمن على أفغانستان عسكريًا، لكن الحركة بعيدة جدًا عن إقامة حكم فعّال في جميع أنحاء البلاد، ناهيك عن اقتصاد متهالك في غياب الاعتراف الدولي بنظامها.
وأشارت إلى أنه في ظل هذه الظروف، يمكن لداعش أن يكسب أرضًا خصبة ويتمدد، إذ ستستفيد الجماعة المسلحة وغيرها من الحركات الإرهابية العابرة للحدود، من محاولات طالبان تحقيق التوازن بين البراغماتية اللازمة للحكم والتزاماتها الأيديولوجية الأساسية، لأنه "إذا اعتدلت طالبان في سلوكها، قد تفقد العديد من أعضائها لجماعات أكثر تطرفًا".
وأفادت بأن سيطرة طالبان على أفغانستان تأتي في وقت تشهد فيه إيران وباكستان اضطرابات في الداخل، إذ تواجه باكستان أعمق مشكلاتها الاقتصادية منذ الاستقلال، مع ارتفاع التضخم بشكل كبير، وسعي الدولة للتفاوض بشأن صفقة قرض أخرى مع صندوق النقد الدولي، تفاقمت بسبب التوترات غير المسبوقة بين المؤسسة العسكرية والقادة المدنيين.
بالمقابل، بعد أربعة عقود في الحكم، تمر إيران بمرحلة انتقالية كبيرة من رئيس معتدل إلى رئيس أكثر تشددًا، مع تصاعد أزمة مرض المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، وسط خلافات أكبر على من يخلفه.
كما تعاني إيران أيضًا -حسب المجلة- معاناة مالية بسبب العقوبات الدولية، وبذلك إذا بدأت أفغانستان تصدير الاضطرابات واللاجئين والتشدد إلى دول الجوار، لن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم الأمور في البلدين.
استقرار المنطقة
وحسب "فورين أفيرز" فإنه للوصول إلى استقرار أوضاع المنطقة، تحاول باكستان حمل طالبان الأفغانية، على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات المتمردة البلوشية، التي تعمل انطلاقاً من أفغانستان، لكن من غير المرجح أن يسيطر الحكام الجدد في كابل على نظرائهم الباكستانيين من طالبان، الذين يتمتعون باستقلالية على الجانب الآخر من الحدود.
نتيجة لذلك فإن انعدام الأمن، الذي يشع من أفغانستان، يهدد الخطط الصينية في باكستان، وبالمثل، يأمل الإيرانيون أن اتفاقًا نوويًا جديدًا سيسمح للصينيين بالمضي قدمًا في خططهم لتوسيع مبادرة الحزام والطريق إلى بلادهم، لذلك فإن لإيران وباكستان مصلحة مشتركة في استقرار أفغانستان، وهو ما يدرك البلدان أنه من غير المرجح أن تظهر في أي وقت قريب، لكن هذا الاستقرار قد يصبح أكثر احتمالًا إذا نسقت إيران وباكستان وتعاونتا أكثر مما تتنافسان في أفغانستان.
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أن إيران وباكستان تدركان أنه يجب أن تتعاونا في إدارة الوضع الأمني بأفغانستان، موضحة أن تشكيل حكومة طالبان المؤقتة يشير إلى درجة من التنسيق بين البلدين.
وقالت المجلة: رغم محاولات التعاون هذه، لا يسع إيران وباكستان إلا أن تكونا حذرتين من بعضهما، إذ إن طهران قلقة من علاقات إسلام آباد الوثيقة بدول الخليج.
ورجحت المجلة، أن يكون لإيران وباكستان التأثير الأكبر في أي نتيجة تظهر بأفغانستان التي تديرها طالبان، وستعتمد القوى العظمى مثل الصين وروسيا على علاقاتها الثنائية بطهران وإسلام آباد، لمحاولة التأكد من أن حالة عدم اليقين في أفغانستان، لا تزعج خططها الاستراتيجية لوسط وجنوب آسيا.
وأضافت: "بافتراض أن أفغانستان ستحقق نهاية المطاف بعض مظاهر الاستقرار، فإن إيران وباكستان ستسعيان إلى الاستفادة من نفوذهما، لتعزيز مصالحهما الاقتصادية في البلاد والمنطقة، لكن في المستقبل المنظور ستكافح كل منهما للتأكد من أن هذا البلد الذي كان يعيش حالة من الفوضى، لا يقوِّض أمنهما القومي".