هل يُجنِّب انسحاب أنصار الصدر العراق شبح حرب أهلية؟
فور بدء الانسحاب، أعلن الجيش رفع حظر التجوّل الذي أعلنه الاثنين بالبلاد الغارقة في أزمة حادة سياسية واقتصادية منذ الانتخابات النيابية التي جرت في 21 أكتوبر 2021.

السياق
أيام عصيبة ودموية عاشتها العراق، إثر أزمة طاحنة بين المكونات والفصائل السياسية وأذرعها العسكرية، أفضت إلى عشرات القتلى ومئات المصابين، وسط تحذيرات متصاعدة بوقوع البلاد في حرب أهلية لن تبقي ولن تذر.
آخر المستجدات على الساحة العراقية، انسحاب أنصار مقتدى الصدر من المنطقة الخضراء في بغداد، بعد أن أمهلهم زعيمهم ستين دقيقة لوقف الاحتجاجات، مندّدًا باستخدامهم العنف، عقب مواجهات بينهم وبين القوى الأمنية وأفراد الحشد الشعبي، أسفرت عن قتل 23 منهم خلال 24 ساعة.
وفور بدء الانسحاب، أعلن الجيش رفع حظر التجوّل الذي أعلنه الاثنين بالبلاد الغارقة في أزمة حادة سياسية واقتصادية منذ الانتخابات النيابية التي جرت في 21 أكتوبر 2021.
بدأت المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية -الاثنين- بعد نزول أنصار الصدر الى الشوارع غاضبين، إثر إعلانه اعتزال السياسة "نهائيا"، وتلت ذلك فوضى عارمة تطورت إلى اشتباكات.
وقال الصدر في مؤتمر صحفي بالنجف: "إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم... بصرف النظر من كان البادئ أمس، أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث".
"بئست الثورة"
وأضاف: "أنا أنتقد ثورة التيار الصدري... بئست الثورة هذه... بصرف النظر عمن هو البادئ. هذه الثورة ما دام شابها العنف، ليست بثورة".
فور انتهاء ندائه، بدأ أنصاره ينسحبون من المنطقة الخضراء، في العاصمة التي تضمّ المؤسسات الرسمية والسفارات وتعد محصنة أمنيًا، وسكت صوت السلاح.
سبقت ذلك مواجهات بين "سرايا السلام" التابعة لمقتدى الصدر وقوى أمنية وفصائل من الحشد الشعبي الموالية لإيران، تشكل جزءا من القوات العراقية الرسمية، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وفي أول تصريح له بعد الأحداث الدامية، قال رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، المنافس اللدود لمقتدى الصدر: "من يشعل الحرب ليس هو من يوقفها أو يتحكم بمساراتها، كما ليس هو من يجني ثمارها"، مضيفًا أن هناك مؤثرات داخلية وخارجية تبدأ تحريك المشهد الدموي أو توقفه".
كما قال رئيس تحالف الفتح هادي العامري إن مبادرة مقتدى الصدر بوضع نهاية للعنف المسلح، تعد شجاعة وتستحق التقدير والثناء.
وقد ندّد الإطار التنسيقي، القوة الثانية في البرلمان بعد التيار الصدري، الذي يضم ممثلين لفصائل في الحشد الشعبي وأحزاب أخرى بينها ائتلاف "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بـ"مهاجمةِ أجهزة الدولة، بما فيها مجلس القضاء والقصر الحكومي ومقر مجلس الوزراء وغيره، وتعطيل ومهاجمة مؤسسا الدولة"، في إشارة الى اقتحام أنصار الصدر هذه المؤسسات في مناطق مختلفة.
وقد أعلنت خليّة الإعلام الأمني تعرُّض المنطقة الخضراء لقصف بأربعة صواريخ.
وقالت الخلية الأمنية التابعة للحكومة العراقية: «المنطقة الخضراء في بغداد تتعرض لقصف بأربعة صواريخ سقطت في المجمع السكني، ما أدَّى إلى إلحاق أضرار به»، مشيرة إلى أن «مكان انطلاقها كان من منطقتي الحبيبية والبلديات شرقي العاصمة بغداد».
دعوات للتهدئة
أطراف محلية وجهت دعوات للمحتجين، إذ أكد الرئيس العراقي برهم صالح، أن الدم العراقي خط أحمر، بينما دعا رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، لإطفاء نار الفتنة والتوصل إلى تفاهمات لحفظ وصون سيادة الوطن واستقراره.
وحذر الحلبوسي من الفوضى وإراقة دماء العراقيين الأبرياء، عبر استخدام السلاح من أي طرف، بينما دعا رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، إلى التهدئة وضبط النفس وعدم الانجرار خلف الفتن.
وأكد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، أن التصعيد لن يحل المشكلة، مبينًا أن أوضاع البلد تستدعي الحكمة.
وأضاف بارزاني، أن التظاهر السلمي حق دستوري، أما التصعيد وتعطيل مؤسسات الدولة فلن يحل أي مشكلة، بل يزيد الوضع تعقيداً، لذا يجب حفظ هيبة مؤسسات الدولة وعدم إعاقة مهامها وأعمالها.
ودعا رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، إلى ضبط النفس ومراعاة المصلحة العامة، محذرًا من اللجوء إلى لغة السلاح والعنف في حسم الصراعات والمشكلات، بينما أكد رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أن الهيئة ستبقى خارج الاصطفافات السياسية.
دعوات عربية لضبط النفس
دعا البرلمان العربي، الأطراف السياسية بالعراق كافة، لإعلاء المصلحة الوطنية ووقف التصعيد والجلوس إلى طاولة الحوار، ووقف العنف حقناً للدماء العراقية، مشيرًا إلى أن الحوار البنّاء والحفاظ على المسار السلمي للعملية السياسية وفقاً للدستور العراقي، الطريق السليم للحفاظ على مقدرات العراق.
الجامعة العربية من ناحيتها دعت الأطراف العراقية إلى تغليب المصالح الوطنية على أي اعتبارات، لتجاوز الوضع الراهن الذي يمثل خطورة على استقرار البلاد، معربة عن قلقها من التطورات المتلاحقة والخطيرة على الساحة العراقية.
وباتصالين هاتفيين من الرئيس المصري عبدالفتاح السسي إلى الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس وزرائه مصطفى الكاظمي، دخلت القاهرة على خط الأزمة، مؤكدة دعمها لأمن واستقرار وسلامة العراق.
من ناحيتها قالت الخارجية السعودية إن المملكة تدعم جهود تجنيب العراق الانقسام والصراع الداخلي، وتعرب عن أسفها لما آلت إليه التطورات من سقوط عدد من الضحايا وإصابة آخرين.
أما الجزائر فأصدرت بيانًا دعت فيه جميع الأطراف في العراق إلى تفضيل لغة الحوار، معربة عن أملها بأن يتمكن الفرقاء من تجاوز المرحلة الراهنة واستعادة أمنه واستقراره، بتضافر وتوحد جهود جميع أبنائه.
مناشدة أممية
بدوره، حثَّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، على اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الموقف وتجنُّب أي عنف في العراق، داعيًا الأطراف والجهات الفاعلة إلى رفع مستوى خلافاتهم، والدخول –من دون تأخير- في حوار سلمي شامل بشأن طريقة بناءة للمضي قدمًا.
وأكدت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد، أنه ينبغي عدم تعريض أمن العراق واستقراره وسيادته للخطر، فالوقت حان لحل الخلافات بالحوار، مشيرة إلى أن تقارير الاضطرابات في جميع أنحاء العراق مثيرة للقلق، حيث لا تسمح للمؤسسات العراقية بالعمل.
ودعا الاتحاد الأوروبي، جميع الأطراف في العراق إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، بينما دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق يونامي جميع الأطراف إلى الامتناع عن العنف فوراً، وتغليب صوت العقل.
أما وزارة الخارجية الروسية، فدعت إلى ضبط النفس والحوار بين الأطراف العراقية، مشيرة إلى أنها تتابع تطورات الوضع في العراق، وتدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والحوار.
ويشهد العراق أزمة سياسية حادة منذ انتخابات 2021 بعد فشل أقطاب السياسة العراقية في الاتفاق على اسم رئيس جديد للحكومة، كما فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد.
ويلتقي مقتدى الصدر والإطار التنسيقي على أن حل الأزمة يكمن في تنظيم انتخابات جديدة، لكن الصدر يريد حل البرلمان قبل كل شيء، بينما يريد أنصاره تشكيل حكومة أولًا.
وتصدّر التيار الصدري نتائج الانتخابات الأخيرة بـ 73 مقعدًا (من 329 مجموع مقاعد البرلمان)، لكن لم تكن لديه أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة. وبسبب الفشل في الاتفاق على صيغة حكومية، أعلن الصدر في يونيو استقالة نوابه من البرلمان.
اعتزال السياسة
منذ قرابة الشهر، كان أنصار الصدر يعتصمون قرب البرلمان، مطالبين بحلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، من أجل السير بالبلاد على طريق الإصلاحات.
ويدعو الصدر إلى "إصلاح" أوضاع العراق من أعلى هرم السلطة إلى أسفله وإنهاء "الفساد" الذي تعانيه المؤسسات.
وغالبًا ما يعلن الصدر الذي يتمتع بنفوذ كبير في العراق مواقف مفاجئة، يعود ويتراجع عنها أحيانًا، ولم يتوقف عن التصعيد في الأسابيع الأخيرة، فقد خيَّم أنصاره خارج البرلمان وأغلقوا المنافذ إلى مجلس القضاء الأعلى.
وقال الصدر في بيان مقتضب الاثنين: "إنني الآن أعلن الاعتزال النهائي" للعمل السياسي. كما أعلن إغلاق المؤسسات المرتبطة بالتيار الصدري "باستثناء المرقد الشريف (لوالده محمد الصدر المتوفى عام 1999)، والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".
وردا على سؤال طرح عليه خلال المؤتمر الصحفي الثلاثاء عما سيحصل، رفض الصدر الرد قائلًا إنه "لا يمارس السياسة".
وتشوب علاقة الصدر بإيران التي تتمتع بنفوذ كبير في العراق، الضبابية، إذ عاش مدة طويلة في إيران، لكنه يتمسك في الوقت نفسه بشيء من الاستقلالية على الصعيد الوطني الداخلي.