مجلة أمريكية تُحلل شخصية زيلينسكي: كيف وصل الممثل الكوميدي إلى سدة الحكم؟
زيلينسكي جلب وجوهًا جديدة -ليست لها علاقة بالسياسة- إلى السياسة الأوكرانية بعد فوزه، إذ حصل مصورو حفلات الزفاف وأصحاب مطاعم بمقاعد في الوظائف العليا للدولة.

ترجمات - السياق
نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، تحليلًا للسيرة الذاتية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، متسائلة: كيف تمكن الممثل الكوميدي السابق من أن يصبح رئيس الدولة؟ كما وصفت أول عامين من حكمه بأنهما شابتهما (الفوضى).
وأشارت إلى أنه قبل قراره الترشح للرئاسة عام 2019، كان فولوديمير زيلينسكي غائبًا إلى حد كبير عن المشهد السياسي للبلاد، إذ لم يكن له أي دور في الثورة البرتقالية عام 2004 -التي أطاحت الرئيس التابع لروسيا فيكتور يانوكوفيتش من السلطة- أو الانقلاب عام 2014، كما لم يُكمل زيلينسكي حتى خِدمته العسكرية الإلزامية، وطالما سخر المعارضون السياسيون من تهربه من التجنيد.
كما أن خلفية زيلنيسكي السياسية -حسب المجلة الأمريكية- لا تعكس الانتقال من الممثل الكوميدي الناجح إلى زعيم زمن الحرب على غرار وينستون تشرشل في بريطانيا.
سيرة زيلينسكي
وتطرقت "فورين بوليسي" إلى كتاب"سيرة زيلينسكي"، من تأليف الصحفي الأوكراني سيرغي رودينكو، مشيرة إلى أن هذا الكتاب المكون من 200 صفحة، صدر باللغة الأوكرانية العام الماضي، قبل الغزو الروسي في فبراير الماضي بفترة طويلة.
وأوضحت أن المؤلف أضاف بعض المشاهد إلى النسخة الإنجليزية التي نُشرت مؤخرًا، التي تصوِّر زيلينسكي كقائد في زمن الحرب، إلا أن "هذه الإضافة لم تسجل شيئًا جديدًا بالنسبة لشخصية الرئيس الأوكراني".
وأشارت إلى أن ما يقدمه رودينكو، هو صورة لزيلينسكي خلال أول عامين تقريبًا من توليه المنصب، عندما بدت رئاسته أشبه بموسم آخر من مسلسله التلفزيوني الشهير (خادم الشعب)، التي اتسمت بـ(التسرع والفوضى)، مضيفة: "كممثل، لعب زيلينسكي دور مُدرس، وفي ظروف غير متوقعة للغاية، أصبح رئيسًا خلال المسلسل، وفي الحياة الواقعية، أعطى حزبه السياسي اسم برنامجه نفسه".
أمام هذه الخلفية، بدا أن التحدي الأول الذي يواجهه في دخول السياسة هو إقناع الناس بأنه شخصية جادة بعيدًا عن شخصيته في المسلسل الكوميدي، ومن ثمّ فقد أطلق زيلينسكي حملته تحت شعار "أنا لست أمزح".
بينما تضمن برنامجه تعهدات بمكافحة الفساد إلى جانب عبارة "الوسطية الأوكرانية" ، وهو مصطلح تبين في ما بعد أنه فارغ إلى حد كبير.
حتى بعض مستشاري زيلينسكي، في تلك الفترة المبكرة، لم يعتقدوا أن لديه أي فرصة على الإطلاق للوصول إلى الرئاسة، وفقًا لرودينكو.
ونقلت المجلة الأمريكية عن الخبير الاستراتيجي السياسي الأوكراني سيرغي هايداي، قوله: "لقد اعتقدوا أن الفوز بالانتخابات لن يحدث، وأن فولوديمير زيلنيسكي كان يلعب فقط، لكن عندما فاز، كانوا أكثر ارتباكًا، ولم يعرفوا ماذا يفعلون، لأنهم فهموا المسؤولية، وأن حياتهم السابقة ولت بلا رجعة".
وجوه جديدة
وبينت "فورين بوليسي" أن زيلينسكي جلب وجوهًا جديدة -ليست لها علاقة بالسياسة- إلى السياسة الأوكرانية بعد فوزه، إذ حصل مصورو حفلات الزفاف وأصحاب مطاعم بمقاعد في الوظائف العليا للدولة.
لكن -حسب المجلة- "سرعان ما أصبح واضحًا أن زيلينسكي ليست لديه أيديولوجية، ويفتقر إلى أي خطة مركزية للحكم، إذ استغل منصبه الجديد ورقى العديد من أصدقائه إلى مناصب عليا، ما وضعه في مواقف حرجة، فقد ألقي القبض على بعضهم وهم يطلبون رشاوى، بينما شوهد عضو برلماني مبتدئ يتنقل عبر تطبيق مواعدة أثناء التصويت".
وتعليقًا على ذلك، قال هايداي: "كان عليه أن يفهم بسرعة كبيرة ما حدث، ويتحول من مجرد ممثل كوميدي إلى رئيس البلاد، إلا أنه في ما يبدو لايزال لا يفهم كيف تُدار الأمور، سواء على المستوى المحلي أم المركزي".
وأضاف هايداي: "لم يعد هناك فاسيل هولوبورودكو"، في إشارة إلى الشخصية التي لعبها زيلينسكي في المسلسل التلفزيوني الكوميدي، متابعًا: "هناك فقط زيلينسكي، الذي يملي عليه النظام الإجراءات الموجودة، والقواعد التي يجب اتباعها".
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن زيلينسكي بدا مذهولاً خلال مؤتمر صحفي في سبتمبر 2019 عندما حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، دفع الزعيم الأوكراني للتحقيق في تعاملات عائلة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في البلاد.
وأوضحت أن زيلينسكي كان يعتقد -بداية توليه السلطة- أنه يمكنه التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال دبلوماسية فردية، لافتة إلى أنه "مع وقوع الغزو الروسي، منحه العديد من الأوكرانيين ثقة أقل في كيفية مواجهة الأزمة، حتى أنه لم ينل من الأصوات والتأييد ما سبق أن حصل عليه في الانتخابات الرئاسية".
ورأت أنه "مما لا شك فيه أن تعليم زيلينسكي السياسي، بدءًا من شهر العسل مع بعض كبار حلفائه حتى التخلص منهم، كان من شأنه أن يؤثر في سير المعركة"، مشيرة إلى أنه في وقت سابق من هذا الصيف، طرد زيلينسكي رئيس مخابراته إيفان باكانوف، وهو صديق طفولة مقرب، وكبيرة المدعين العامين في أوكرانيا إيرينا فينيديكتوفا، التي ساندته خلال حملة الانتخابات الرئاسية.
وخلصت المجلة الأمريكية، إلى أن الصورة الواقعية غير مكتملة حتمًا مع ظهور مستقبل أوكرانيا في ساحة المعركة، لافتة إلى أن الأوضاع تأثرت بالحالة الذهنية التي كان عليها زيلينسكي في الأشهر التي سبقت العملية العسكرية الروسية، عندما دعا إلى الهدوء واحتج على تنبؤات المخابرات الأمريكية التي حذرت من غزو وشيك.
وأشارت إلى أنه في الليلة الثانية من الهجوم الروسي، خرج زيلينسكي من قصر ماريينسكي في كييف، تحت التهديد المحتمل بمحاولات اغتيال روسية، ليخبر العالم بأنه لا يزال هناك، مشددة على أنه "من المؤكد أن أحداث تلك اللحظة والعديد من الأحداث سيتم تحديدها في السير الذاتية المستقبلية".
وحسب ما جاء في الصفحات الأولى من كتاب رودينكو فإنه "بدايةً من 24 فبراير 2022... اكتشفنا زيلينسكي مختلفًا تمامًا، رجل لم يكن خائفًا من قبول تحدي بوتين، وأصبح قائد المقاومة الشعبية للعدوان الروسي، ورئيس استطاع أن يتحد في هذا القتال أنصاره وخصومه ومسؤولون فاسدون ومناضلون ضد الفساد، وبالغون وأطفال، ومن جنسيات ومعتقدات مختلفة... رئيس دولة تلقى الترحيب بالتصفيق في البرلمانات الأوروبية والكونغرس الأمريكي، لكننا ما زلنا نتساءل: كيف وصل إلى سدة الحكم؟".