تظاهرات في ألمانيا ومطالبات بسحب الدعم من أوكرانيا... هل انقلب الرأي العام على قادة أوروبا؟
طالب المتظاهرون باستقالة وزيرة الخارجية أنالينا بربوك، وإعادة تشغيل نورد ستريم1 ونورد ستريم2، حتى لو كان ذلك يعني أن سحب الدعم لأوكرانيا سيؤدي إلى تنازل الدولة عن أراضيها لروسيا

السياق
على وقع الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت شهرها السابع من دون أن تضع أوزارها، اندلعت حرب من نوع آخر بين روسيا والدول الغربية التي تفرض عليها عقوبات.
فبينما تعاني كييف العقوبات الغربية التي تنهال عليها بين الحين والآخر، اتخذت موسكو سلاح الغاز، لضرب دول القارة العجوز في مقتل، فبدأت -كل فترة- قطع الإمدادات عن خط نورد ستريم1 الذي يربط ألمانيا بروسيا عبر أوكرانيا، بذرائع مختلفة، ما أشعل أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي، وينذر بشتاء قارس.
فمع اقتراب موسم الشتاء، تلوح في أوروبا أزمة نقص الطاقة، في اختبار حاسم لصبر قدرة الأوروبيين وحكامهم على دعمهم لأوكرانيا في الحرب الروسية.
إلا أن دعم الأوروبيين -خاصة الألمان- بدأ ينفذ، خاصة بعد أن ألهبت أسعار المحروقات الجديدة جيوبهم وآلمت ميزانيتهم، فانطلقوا –الأحد- في تظاهرة من مدينة كولونيا غربي ألمانيا شارك فيها قرابة ألفي شخص، لمطالبة برلين بالتوقف عن دعم أوكرانيا وإلغاء العقوبات التي فرضتها على موسكو عقب عمليتها العسكرية.
وقوبلت المسيرة، التي نظمتها مجموعات للمغتربين الناطقين بالروسية في المدينة، بالعشرات من المتظاهرين المناوئين الراغبين في إبداء الدعم لأوكرانيا.
وبينما قالت إيلينا كولباسنيكوفا، وهي من منظمي الاحتجاج إن «ألمانيا في حالة من الفوضى»، رفع كثيرون من المشاركين -في تجمع الأحد- الأعلام الروسية أو لافتات عليها حلف شمال الأطلسي، مشطوبًا عليه بخط أحمر.
سحب الدعم الأوروبي
وطالب المتظاهرون باستقالة وزيرة الخارجية أنالينا بربوك، وإعادة تشغيل نورد ستريم1 ونورد ستريم2، حتى لو كان ذلك يعني أن سحب الدعم لأوكرانيا سيؤدي إلى تنازل الدولة عن أراضيها لروسيا.
وجمع المنظمون تبرعات للقوات المدعومة من روسيا في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، في حدث وإن اختلف المراقبون في تفسيره، يكشف تراجع الدعم الشعبي الأوروبي، والسخط من تأثير الحرب الأوكرانية في الأوضاع الداخلية بتلك البلدان.
ذلك السخط الشعبي الذي تُرجم في احتجاجات، جاء بعد أيام من إعلان المستشار الألماني أولاف شولتس أن بلاده ستواصل دعمها دفاعا عن أوكرانيا لأطول فترة ممكنة، وسترسل أحدث الأسلحة إلى كييف في الأسابيع المقبلة.
كانت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتس أعلنت أن بلادها ستقدم 200 مليون يورو إضافية (199.02 مليون دولار) لأوكرانيا لتمويل برامج مساعدة النازحين داخليًا، نتيجة العملية العسكرية الروسية، بينما يزور رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال برلين –الاثنين- للقاء المستشار الألماني أولاف شولتس.
وفي محاولة من ألمانيا لكبح جماح التضخم الناتج عن الحرب الأوكرانية ولمنع احتجاجات مماثلة، أعلنت الحكومة الألمانية أنها تعتزم إنفاق 65 مليار يورو (64.7 مليار دولار) على حزمة ثالثة تهدف إلى حماية المستهلكين وأنشطة الأعمال من تداعيات ارتفاع التضخم.
ووافقت الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحكومي، بقيادة المستشار أولاف شولتس –الأحد- على التدابير التي تتضمن مقترحات بتمديد خفض تكاليف وسائل النقل العام، وإعفاءات ضريبية بـ 1.7 مليار يورو لتسعة آلاف شركة كثيفة الاستهلاك للطاقة، بحسب «رويترز».
أشهر صعبة
وفي محاولة من ألمانيا لتبرير القفزة في أسعار الغاز، ألقت باللائمة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرة إلى أنها النتيجة المقصودة من وقف تدفقات الغاز عبر خط الأنابيب نورد ستريم1، متوقعة أشهرًا صعبة.
لم تكن ألمانيا وحدها التي تحاول كبح جماح التضخم، فصحيفة الغارديان قالت إن حكومات أوروبا تتدافع لحماية المواطنين من ارتفاع أسعار الطاقة، مشيرة إلى أنها خصصت -حتى الآن- قرابة 280 مليار يورو (240 مليار جنيه استرليني) للمساعدة في تقليل تأثير الأزمة.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذا الأسبوع إن الكتلة تعمل على «تدخل طارئ وإصلاح هيكلي لسوق الكهرباء في أوروبا».
تشمل الخيارات تحديدًا طارئًا للأسعار على مستوى الكتلة، وفصل أسعار الكهرباء والغاز، لخفض فواتير الكهرباء، بحسب «الغارديان»، التي قالت إنه بموجب الآلية الحالية على مستوى الاتحاد الأوروبي، ترتبط أسعار الكهرباء بسعر أغلى وقود يستخدم في توليد الطاقة، وهو الغاز الطبيعي حاليًا، الذي ارتفع سعره منذ العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء أيضًا.
أمور مشجعة
ورغم الوضع الذي وُصف بـ«المأساوي»، فإن هناك بعض التطمينات، فخزانات الغاز في القارة، التي ستكون ضرورية لاستمرار الشتاء، وصلت إلى 80% من السعة المستهدفة للمفوضية قبل شهرين من الموعد المحدد، وتجاوزتها إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا.
لكن يبدو أن الأشهر المقبلة من المرجح أن تكون صعبة للملايين في جميع أنحاء القارة، ما دفع عواصم البلدان الأوروبية لاتخاذ إجراءات للحيلولة من تفاقهما، ففرنسا جمدت أسعار الغاز عند مستويات أكتوبر 2021 ووضعت حدًا أقصى للزيادات في أسعار الكهرباء بنسبة 4% حتى نهاية العام على الأقل، ووزعت 100 يورو على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، للمساعدة في دفع فواتير الطاقة.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، إن أي زيادات في الأسعار -العام المقبل- سيتم احتواؤها بالمثل، بلا تكاليف اللحاق بالركب، في حين قال المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران إن فرنسا «لن تسمح بما يحدث في المملكة المتحدة أن يحدث هنا».
وحذرت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن الشركات من مواجهة تقنين الطاقة إذا لم تقلل الاستهلاك، بينما قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن على الفرنسيين تقديم تضحيات خلال الشتاء «الصعب» كحقبة جديدة من عدم الاستقرار بسبب تغيُّر المناخ، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تعني نهاية وفرة الطاقة والمياه والمنتجات الجديدة.
إجراءات ألمانية
وشرعت حكومة أولاف شولتز في برنامج طموح لفطم نفسها تمامًا عن الغاز الروسي، وتسابق لبناء محطات عائمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وتعهدت بتوسيع مزارع الرياح البرية على نطاق واسع.
وأعادت تنشيط بعض محطات الفحم التي كان من المقرر إغلاقها، رغم أن الحكومة لم تحدد ما ستفعله بشأن آخر ثلاث محطات طاقة نووية متبقية، من المقرر إغلاقها نهاية العام.
واتُخذ العديد من التدابير لتوفير الطاقة، بما في ذلك الحد من الحرارة في المباني العامة إلى 19 درجة مئوية من سبتمبر وإيقاف التدفئة في المناطق المشتركة مثل الممرات، مع تشجيع القطاع الخاص على أن يحذو حذوها.
ترتفع معظم فواتير التدفئة والكهرباء بنحو 10% على أساس سنوي، لكن الصدمة الحقيقية ستأتي عام 2023، فجمعية المستأجرين في برلين تتوقع أن يطلب أصحاب العقارات مدفوعات إضافية للطاقة بأثر رجعي تعادل إيجار شهرين.
وفي مواجهة زيادة ثلاثة أضعاف على الأقل في فواتير المستهلك الشهرية، العام المقبل، تدفع الحكومة للعاملين في الوظائف المنتظمة خصمًا مرة واحدة بـ 300 يورو في سبتمبر.
ولقد تلقى الطلاب والمستفيدون من الرعاية الاجتماعية ضعف المبلغ المعتاد الذي يدفعونه للمساعدة في تدفئة المنازل الخاصة.
إيطاليا... الحلقة الأضعف
وتعد إيطاليا من أضعف دول أوروبا، حيث تعتمد 40% من واردات الغاز على روسيا، ما يصل إلى 120000 فرنك بلا تدخل حكومي،
وقد ارتفعت فواتير الكهرباء بشكل حاد، بينما حذر منظم الطاقة أريرا من زيادة بنسبة 100% على أساس سنوي بحلول الأول من أكتوبر.
ونشر أصحاب المطاعم فواتير بآلاف اليوروهات على وسائل التواصل الاجتماعي أو عرضها على نوافذهم.
ومع مطالبة الأحزاب السياسية باتخاذ إجراءات سريعة، قالت حكومة إيطاليا إنها تدرس المزيد من الخيارات لمساعدة الأسر والشركات، لكن الأزمة تفاقمت بسبب عدم الاستقرار السياسي بعد استقالة ماريو دراجي من منصب رئيس الوزراء في يوليو.
ورغم أن دراجي وقَّع سلسلة من الاتفاقيات الثنائية مع الجزائر، أكبر مصدر للغاز في إفريقيا، لتأمين إمدادات بديلة، فإن سالفيني قال إنه بلا تدخل هناك «خطر ملموس يتمثل في الاضطرار إلى تقرير من سيقومون بتدفئة منازلهم ومصانعهم ومن لن يقوموا بذلك، من يضيء ومن لن يضيء»
وتعمل الدولة أيضًا على خطة طارئة لتوفير الطاقة يتم بموجبها خفض أجهزة التدفئة المحلية درجتين مئويتين في الشتاء، وستعمل المدن على خفض إنارة الشوارع بنسبة 40%، وستغلق المكاتب العامة مبكرًا وستغلق المتاجر الساعة 7 مساءً والمطاعم 11 مساءً.
إسبانيا تستنفر
ولا تعتمد إسبانيا على الغاز الروسي تقريبًا مثل بعض دول الاتحاد الأوروبي، فالحكومة الائتلافية التي يقودها الاشتراكيون أدخلت سلسلة من إجراءات توفير الطاقة التي تستهدف خفض الغاز بنسبة 7-8%.
ووافق البرلمان -الأسبوع الماضي- على مرسوم يحد من درجات حرارة التكييف والتدفئة في المباني التجارية والعامة مثل مراكز التسوق ودور السينما ومحطات السكك الحديدية والمطارات، وإطفاء أضواء نافذة المتجر بعد الساعة 10 مساءً.
وقال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز –الخميس- إن الحكومة ستخفض ضريبة القيمة المضافة على الغاز من 21% إلى 5% من أكتوبر حتى نهاية العام، لمساعدة الأسر الإسبانية في دفع فواتير الطاقة.
بولندا تتأهب
وفرضت بولندا، وهي منتج أوروبي رئيس للفحم منخفض الدرجة، حظرًا على الفحم الروسي في أبريل، بينما حاولت الحكومة في يونيو ضمان الإمدادات، من خلال مطالبة الشركات المملوكة للدولة بشراء 4.5 مليون طن إضافية للاستهلاك المحلي، ورفعت معايير الجودة لحرق المنازل، وحاولت بلا جدوى تحديد الأسعار.
وأعلنت هذا الشهر دفع 3000 زلوتي (قرابة 630 يورو، أو 540 جنيهًا استرلينيًا) مرة واحدة لكل أسرة تعمل بالفحم، مع إعانات أقل لأنواع مختلفة من وقود التدفئة مثل الخشب وغاز البترول المسال، وهي خطوة تم انتقادها على أنها ضارة بالبيئة.
وتعد هولندا أكبر منتج للغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي، وأكبر منتج في أوروبا الغربية بعد النرويج، لكنها استوردت 15% من غازها من روسيا، بعد أن أوقفت الإنتاج من حقل جرونينجن للغاز بسبب الزلازل.
دعم هولندي سخي
وتقدم هولندا للأسر ذات الدخل الأقل دعمًا للطاقة مرة واحدة بـ 1300 يورو، ما يؤدي إلى زيادة الحد الأدنى للأجور وخفض ضريبة القيمة المضافة على الطاقة إلى 9%.
وتضاعف الحكومة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال، مشيرة إلى أنها خفضت استهلاكها من الغاز بنحو 33% في النصف الأول من العام لأسباب منها دفء الطقس، لكنها قالت إنها لا تزال معرضة لأزمة غاز أوروبية أوسع.
وحتى النرويج غير المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي، وهي منتج ضخم للغاز الطبيعي يولد ما يقرب من 90% من احتياجاتها من الكهرباء من السدود الكهرومائية، شهدت ارتفاع أسعار الطاقة المحلية بسبب انخفاض مستويات المياه في خزاناتها وارتفاع صادرات الكهرباء بشكل غير عادي.
وتفكر الحكومة في الحد من الصادرات، بوضع حد أقصى لفواتير الكهرباء عند 7 كرونة نرويجية (0.7 يورو أو 0.61 جنيه استرليني) لكل كيلو وات/ ساعة، مع تغطية الدولة بنسبة 80% (ارتفعت إلى 90% في أكتوبر) فوق ذلك.
ويقول النقاد إن العديد من الأسر ستظل تعاني، وهناك إجراءات أخرى قيد البحث.