بعد تعيين عبدالله باثيلي مبعوثًا أمميًا لليبيا... تحديات تهدد مهمة الدبلوماسي الإفريقي
رغم الاختلاف والتنافس بين رئيسي الحكومتين منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة والاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، فإنهما توافقا على الترحيب بالسنغالي عبدالله باثيلي مبعوثًا أمميًا جديدًا لليبيا

السياق
بعد خلافات دامت أشهرًا على منصب المبعوث الأممي في ليبيا، ألقت بثقلها على الأزمة السياسية في البلد الإفريقي، حسم مجلس الأمن الجدل وأعلن -بالإجماع- اختيار السنغالي عبدالله باثيلي ممثلًا للأمين العام في ليبيا، لإدارة الحوار بين الأطراف المتناحرة.
ذلك القرار أنهى أشهرًا من الاختلافات بين الدول الغربية، خاصة بين أمريكا وروسيا على هوية المبعوث الأممي، ما أطال عمر ولاية المستشارة الخاصة للأمين العام سيتفاني ويليامز، التي حلت خلفًا ليان كوبيش من سلوفاكيا، الذي كان المبعوث الخاص ورئيسًا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلا أنه استقال -بشكل مفاجئ- في نوفمبر من العام الماضي.
ورغم الاختلاف والتنافس بين رئيسي الحكومتين منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة والاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، فإنهما توافقا على الترحيب بالسنغالي عبدالله باثيلي مبعوثًا أمميًا جديدًا لليبيا، الذي يتعين عليه العمل أولًا على حل أزمة الحكومتين.
ملفات مهمة
تواجه مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا تحديات فشل سابقوه السبعة في حلحلتها، بينها الأزمة السياسية التي نتجت عنها حكومتان تتناحران على الحكم، الأولى انتهت ولايتها، والأخرى أصبحت واقعًا بعد منحها الضوء الأخضر من البرلمان الليبي، في مارس الماضي.
تلك الأزمة التي أصبحت أمرًا واقعًا، تؤدي إلى تجدد الاشتباكات بين الحين والآخر، خاصة بعد أن عقد باشاغا العزم على دخول طرابلس بالقوة لاستلام زمام الأمور من هناك، إلا أن خطواته المتعاقبة تتحطم على صخرة المليشيات المسلحة التي تحمي حكومة عبدالحميد الدبيبة، التي كان آخرها الأسبوع الماضي، التي أشعلت مواجهات، أسفرت عن قتلى وجرحى وخسائر مادية.
وبحسب مراقبين فإن معضلة الحكومتين، تستدعي عملا جادًا ودؤوبًا من المبعوث الأممي الجديد لحلها، إلا أنهم أكدوا أن ذلك ليس يسيرًا، نظرًا لتداخلات دول تدعم إحدى الحكومتين، بينما تدعم أخرى منافستها.
ولم تقتصر الأزمة السياسية على تناحر الحكومتين، بل امتدت إلى مجلسي النواب والأعلى للدولة، ما أدى إلى إرجاء الانتخابات، لعدم التوافق على بنود الترشح في القاعدة الدستورية، إضافة إلى الخلاف الأخير على المحكمة العليا.
أزمة الانتخابات
يقف المبعوث الأممي الجديد على أحد أهم التحديات التي تواجه الأزمة الليبية، وهو ملف الانتخابات الذي أرجأته حالة من القوة القاهرة، لم يكشف عنها حتى اللحظة، إلا أن رئيس المفوضية الوطنية للانتخابات عماد السايح أعلن مؤخرًا إزالتها من دون توضيح ماهيتها.
ويتعين على المبعوث الأممي الجديد، أن يسعى لحل الخلاف أولًا بين مجلسي النواب والأعلى للدولة لحلحلة أزمة الانتخابات، أو إعادة إحياء الملتقى الوطني الليبي، الذي تعثر مرات في التوافق على القاعدة الدستورية.
الأمن... أزمة شائكة
من الانتخابات إلى الملف الأمني، الذي بات عقبة كبيرة، بعد تصاعد المواجهات بين المليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس، التي كان آخرها الأسبوع الماضي، وأوقعت 32 قتيلًا وعشرات الجرحى معظمهم من المدنيين.
ويتعين على المبعوث الأممي الجديد، خفض التوتر الأمني في العاصمة طرابلس وحل أزمة التحشيدات المسلحة وإشهار المليشيات السلاح في وجه بعضها، كخطوة أولية نحو حلحلة الملف الأمني.
وبينما باتت المليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس عقبة كأداء أمام التوصل إلى حلول سياسية، خاصة بعد أن زادت قوتها وشحذت أسلحتها خلال الفترة الماضية، بات من اللازم إعادة تفعيل اتفاق جنيف الذي وُقِّع في أكتوبر 2020، القاضي بحلحلة المليشيات المسلحة، وإعادة إدماج الصالح منها، في المؤسسات الأمنية الليبية.
وبحسب مراقبين، على المبعوث الأممي الجديد، العمل على نزع سلاح تلك المليشيات المسلحة، وحصر السلاح في يد الدولة ممثلة بأجهزتها الأمنية، محذرين من أن الفشل في هذا الملف، سيعيد الأمور في ليبيا إلى مربع العنف، خاصة أن الأزمة الليبية أمنية في الأساس.
ورغم «تعقد» الملف الأمني في ليبيا، فإن نقطة ضوء في نهاية النفق قد تقود إلى انفراجة أكبر، خاصة بعد التقدم الكبير الذي شهده ملف توحيد الجيش الليبي، الذي تقوده اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، ما يتطلب من المبعوث الجديد البناء على هذا الجهد، واتخاذه أساسًا ومنطلقًا لحل أزمة المليشيات في العاصمة طرابلس.
الحدود الملتهبة
من شأن حلحلة الأزمة الأمنية وأزمة المليشيات والعمل على استكمال جهود توحيد الجيش الليبي، أن يدفع إلى انفراجة كبيرة في أزمة الحدود الليبية، التي باتت كرة لهب تحرق من يقذفها، خاصة بعد انتشار عصابات التهريب على تلك الحدود.
وبينما يعمل الجيش الليبي بوتيرة عالية على دحر هؤلاء والحد من الجريمة المنظمة والتهريب عبر الحدود، إلا أن التمويل والأزمات السياسية تقف عائقًا أمام استكمال تلك الجهود، إضافة إلى أن المليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس تحد من تأثير تلك الجهود، خاصة أنها تساعد أو تسيطر على ملف تهريب البشر والوقود في المنطقة الغربية من ليبيا.
الاقتصاد المتعثر
أحد أبرز الملفات التي يتعين على المبعوث الأممي التعامل معها، خاصة أن من أدواره العمل على ملف توحيد المؤسسات الليبية، التي تعاني الانقسام.
وما بين اقتصاد متعثر وانقسام مؤسساتي، ترزح ليبيا تحت وطأة الأزمات السياسية، التي جعلت مراكز القوة في البلد الإفريقي (المصرف المركزي الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط) داخل المنطقة الغربية حصرًا، ما جعلها ورقة في الصراع السياسي الحالي، وبعثر جهود أي حلول.
وبحسب مراقبين، على المبعوث الأممي الجديد استكمال الجهود السابقة، الهادفة إلى توحيد المؤسسات الاقتصادية الليبية المنقسمة، مشيرين إلى أنه من شأن خطوة كهذه، أن تعالج الأزمات السياسية، خاصة أن تلك المؤسسات ورقة رابحة في الصراع السياسي، وإحدى الأدوات التي ترتكز عليها حكومة عبدالحميد الدبيبة في البقاء، بالمخالفة لقرارات البرلمان الليبي.
إلا أن ضوءًا برز في نهاية النفق، ممثلًا في بدء تعافي النفط الليبي، قاطرة التنمية في البلاد، خاصة بعد أن أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط عودة الإنتاج إلى ملامسة مستوياته العليا، أي قرابة مليون و200 ألف برميل يوميًا، ما قد يعالج مشكلات اقتصادية، إلا أن ذلك الدواء ستكون فعاليته مرهونة بإعادة توزيع الثروات، وتحييد تلك المؤسسات.
هذه الأزمات والتحديات تعد اختبارًا حاسمًا، على المبعوث الأممي عبدالله باثيلي اجتيازه، إذا أراد النجاة بالمركب الليبي الذي تتقاذفه الأمواج من الغرق، في أتون الصراعات السياسية والتحشيدات المليشياوية.
عبدالله باثيلي
لدى باثيلي خبرة تزيد على 40 عامًا في العمل مع حكومته الوطنية والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة، ففي أحدث مهامه مع الأمم المتحدة، عمل عام 2021 خبيرًا مستقلًا للمراجعة الاستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
شغل باتيلي منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد، لتحقيق الاستقرار في مالي (2013-2014)، وكان ممثلًا خاصًا لوسط إفريقيا ورئيس مكتب الأمم المتحدة الإقليمي لوسط إفريقيا في الجابون (2014-2016).
عام 2018، عُيِّن مستشارًا خاصًا للأمين العام بشأن مدغشقر، وعام 2019 عمل خبيرًا مستقلًا للمراجعة الاستراتيجية لمكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا.
شغل باتيلي مناصب وزارية في الحكومة السنغالية، بما في ذلك على وجه الخصوص منصب الوزير الأول في مكتب الرئيس المسؤول عن الشؤون الإفريقية (2012-2013)، ووزير الطاقة والموارد المائية (2000-2001) ووزير البيئة وحماية الطبيعة (1993-1998).
بعد انتخابه لعضوية الجمعية الوطنية السنغالية عام 1998، شغل منصب نائب رئيس الجمعية بين عامي 2001 و2006.
كما انتُخب عضوًا في المجموعة الاقتصادية لبرلمان غرب إفريقيا (2002-2006).
بعد دراسة التاريخ أكثر من 30 عامًا بجامعة الشيخ أنتا ديوب في السنغال، حاضر باتيلي -الذي يجيد 4 لغات بينها الفرنسية والإنجليزية- في العديد من الجامعات العالمية.
حصل باتيلي على الدكتوراه في التاريخ من جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة، وكذلك الدكتوراه من جامعة الشيخ أنتا ديوب.