لماذا الغبطة في باكستان بسيطرة طالبان؟

قادة باكستان يشمتون من النهاية المخزية لأمريكا في أفغانستان

لماذا الغبطة في باكستان بسيطرة طالبان؟

ترجمات – السياق

مع اجتياح طالبان، العاصمة الأفغانية كابل، بعد هجوم عسكري دراماتيكي، لم يخفِ قادة باكستان المجاورة "شماتتهم" من النهاية المخزية للمهمة الأمريكية، التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

وعلَّق رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، على ما حدث بقوله: إن الأفغان "كسروا قيود العبودية".

بينما كتب رؤوف حسن، مساعده الخاص، على "تويتر" أن "الأداة الغريبة التي جمعتها الولايات المتحدة من أجل أفغانستان، انهارت مثل بيت الورق الذي يُضرَب به المثل"، ومع فرار الرئيس الأفغاني أشرف غني، أشاد حسن بما سماه "انتقالًا سلسًا للسُّلطة" من حكومة غني "الفاسدة" إلى حُكم طالبان.

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز -في تقرير- أن باكستان لعبت دورًا متناقضًا في أفغانستان، مرة كحليف رمزي للولايات المتحدة في "حربها ضد الإرهاب"، وأخرى باتهامها -منذ عقود- بتزويد طالبان سِراً بالدعم لمقاومة الحملة العسكرية المدعومة من "الناتو"، لا سيما عبر وكالة المخابرات الباكستانية، وصولًا إلى الترحيب على نطاق واسع، بعودة المتشدِّدين الإسلاميين إلى السُّلطة عبر الحدود، باعتبارها رفضًا للمغامرة الأمريكية، وخطوة نحو أهم هدف للأمن القومي لباكستان، وهو القضاء على نفوذ الهند المنافسة، في بلد تَـعُــدُّه حديقتها الخلفية.

وتُعَدُّ الهند، حليفًا مهمًا لأشرف غني، إلا أنها أغلقت -على عجل- قنصلياتها في جميع أنحاء البلاد، مع تقدُّم طالبان.

وقالت إليزابيث ثريكيلد، المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية، وهي الآن زميلة بارزة في مركز ستيمسون للأبحاث بواشنطن: "هناك شعور واضح بالانتصار في باكستان".

 

كيف ستحكم طالبان؟

ومع ذلك، فإن لدى باكستان الكثير لتخسره من هيمنة طالبان، الأمر الذي ينذر بإثارة مشكلات تتراوح بين تدفق اللاجئين وتجدد الإرهاب المرتبط بالمتمرِّدين، الذي قتل آلاف الباكستانيين، بحسب التقرير.

وفي ذلك تقول مديحة أفضل، الزميلة في معهد بروكينغز ومؤلفة كتاب عن التطرف، للصحيفة البريطانية: "إن صعود طالبان ليس نتيجة بسيطة على الإطلاق لباكستان، فمن المحتمل أن تكون لحُكم طالبان في أفغانستان، تداعيات أمنية سلبية خطيرة على باكستان".

وأوضحت أن الجماعات الجهادية، العاملة في باكستان وحولها، وعلى الأخص حركة طالبان باكستان، "تَعُــدُّ استيلاء طالبان على أفغانستان انتصارًا أيديولوجيًا أكبر"، مشدِّدة على أن ذلك ينذر بعدم الاستقرار في المنطقة، على المدى الطويل.

ووصف الدبلوماسي الباكستاني السابق، حسين حقاني، في مجلة الشؤون الخارجية، الشهر الماضي، نجاح طالبان، بأنه "نصر باهظ الثمن".

لسنوات، عصف العنف بباكستان على يدي حركة طالبان المحلية، وأشهرها مذبحة عام 2014 التي راح ضحيتها 150 شخصًا -معظمهم من الأطفال- بمدرسة في بيشاور، ومنذ ذلك الحين، شنَّت قوات الأمن الباكستانية حملة قمع، لكن مقاتلي حركة طالبان باكستان، أعادوا تجميع صفوفهم في أفغانستان، وبحسب ما ورد أطلق مقاتلو طالبان سراح بعض أعضائها مؤخرًا من السجون، وهو ما يعني مزيدًا من الضغوط من مقاتلي الحركة ضد المصالح الداخلية لباكستان.

 

تهديد أمني

من جانبه، اعترف وزير في الحكومة الباكستانية، طلب عدم نشر اسمه، بالتهديد الأمني المتزايد، الذي تواجهه باكستان، وقال لـ "فايننشال تايمز": "هذه مخاطرة يجب أن نأخذها في الاعتبار... هل ستكون هناك تداعيات أم لا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما شكل هذه التداعيات؟".

كما أضر توافق باكستان مع طالبان، بالعلاقات بالولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي منذ الحرب الباردة، إذ لم يتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن بـخان، منذ توليه منصبه في يناير الماضي، وهو ما يُتصور أنها إهانة دبلوماسية، أثارت غضب رئيس الوزراء الباكستاني.

وتعليقًا على ذلك، قال خان الأسبوع الماضي: "قرَّر الأمريكيون أن الهند شريكهم الاستراتيجي، وأعتقد أن ذلك هو سبب وجود طريقة مختلفة للتعامل مع باكستان".

ويقول مايكل كوجلمان، أحد كبار المساعدين في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن، تعليقًا على ذلك: إن استيلاء طالبان السريع على السُّلطة في أفغانستان، يمثِّل "أفضل سيناريو لإسلام أباد"، إذ يمكن أن يحد من التدفق الفوري للاجئين إلى باكستان، التي تستضيف نحو 3 ملايين نازح أفغاني.

بينما قال أياز أمير، العضو السابق في البرلمان الباكستاني: "إن استقرار أفغانستان سيعمل لصالح باكستان".

 

علاقات تاريخية

ووفقًا للتقرير، فإن لطالبان أفغانستان علاقة طويلة الأمد بباكستان، فقد درس قادتها الأوائل، وهم البشتون الذين عاشوا بالقرب من الحدود المشتركة للبلدين، في المعاهد الدينية الباكستانية في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يعودوا إلى أفغانستان، وينضموا إلى الحكومة الإسلامية، التي تولَّت السلطة في تسعينيات القرن الماضي.

ورغم أن باكستان أدارت ظهرها ظاهريًا لطالبان، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001، فإن مسؤوليها العسكريين والاستخباراتيين الموثقين، استمروا في مساعدة الجماعة سِـرًا.

فقد تعاطف البعض مع الأيديولوجية المتطرفة للإسلاميين، بينما اعتبرها آخرون رصيدًا لا غنى عنه لمواجهة الهند، لذلك عاش قادة طالبان وعملوا في باكستان، وعولج المقاتلون الجرحى في مستشفياتها.

وأفاد تقرير حديث، لمعهد السلام الأمريكي، أن شبكة حقاني، التابعة لحركة طالبان، لها "علاقة وثيقة" بوكالة الاستخبارات الباكستانية، وفي ذلك قال أحد الدبلوماسيين الغربيين: "تعتمد طالبان على باكستان كراعٍ لها".

وقال حميد غول، المدير العام السابق لجهاز المخابرات الباكستاني، مازحًا ذات مرة: "إن التاريخ سيشير إلى أن المخابرات الباكستانية هزمت أمريكا في أفغانستان، بمساعدة طالبان".

في المقابل، نفى مسؤول كبير في وزارة الخارجية الباكستانية، أن تكون طالبان "وكيلاً" لإسلام أباد، لكنه أقر بأنها اتبعت استراتيجية "ثنائية المسار"، ما أبقى خطوط الاتصال مفتوحة لضمان "عدم اتصال المسلَّحين بالجماعات الإسلامية المتشدِّدة في باكستان".

لكن بعض المحللين تشككوا من هذا التصريح، وقالوا لـ "الفايننشال تايمز": إن إسلام أباد ستكافح لإقناع حركة طالبان الأفغانية -الأكثر جرأة وقوة- بقمع نظرائها الأيديولوجيين، وهو ما بدا جليًا في تصريح المسؤول الباكستاني، الذي قال: "نحن بالتأكيد لا نريد أن تتولى حكومة في أفغانستان، على غرار طالبان باكستان".