كاتب أفغاني يروي تجربته الخاصة.. هل يمكن سد الفجوة بين طالبان والمجتمع؟
بالنسبة للعديد من الأفغان مثل النشطاء الشباب والصحفيين والكُتاب والأكاديميين، فإن 15 أغسطس يمثل الذكرى السنوية لليوم الذي رأوا فيه آمالهم تنهار، في الوقت الذي لم يفكروا فيه بمغادرة البلاد

ترجمات - السياق
مع مرور عام على تولي حركة طالبان المسلحة زمام الأمور في أفغانستان، بعد الانسحاب الأمريكي الذي وُصف بـ«الكارثي»، تغير الكثير في البلد الآسيوي، فانهارت أحلام مثل برج جينغا، وتبددت مساحات للحرية، كان الأفغان يظنونها ستستمر.
إلا أنه بالنسبة للعديد من الأفغان مثل النشطاء الشباب والصحفيين والكُتاب والأكاديميين، فإن 15 أغسطس يمثل الذكرى السنوية لليوم الذي رأوا فيه آمالهم تنهار، في الوقت الذي لم يفكروا فيه بمغادرة البلاد.
يقول الكاتب الأفغاني عبيدالله بحير في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إنه بعد أن سيطرت حركة طالبان على البلاد، قرر كثيرون من النشطاء والصحفيين والكُتاب البقاء، لا الاختفاء، مشيرًا إلى أنهم تعهدوا بشغل مساحة لإجبار طالبان على الاعتراف بهم، عبر المشاركة في جهود المساعدة وتأكيد وجودهم على المنصات الدولية لتعزيز المشاركة.
أسئلة صعبة
وأشار إلى أن مواجهة حكم طالبان بالنسبة إليه، تعني الانتقال من تدريس العمل السياسي اللاعنفي لطلاب الجامعات إلى ممارسته بنفسه، قائلًا إنه يجد كل يوم صعوبة في طرح الأسئلة الصعبة، من قبيل: هل يجب أن أخرج إلى الشوارع للاحتجاج؟ هل أطلب من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه وأن يخاطروا بحياتهم؟
فحظر طالبان إلحاق الفتيات بالمدرسة الثانوية، أدى إلى طرح هذه الأسئلة بإلحاح، لكن في بلد اعتاد السعي إلى التغيير من خلال الوسائل العنيفة، لا زال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به «قبل أن ننمو ونصبح معارضة غير عنيفة فعالة»، بحسب الكاتب عبيد الله بحير.
أحد تلك الأشياء، ضرورة التعلم من الآخرين، واستلهام الأفكار من الزعيم الروحي للهند مهاتما غاندي ورئيس جنوب إفريقيا السابق وأحد المناهضين لنظام الفصل العنصري نيلسون مانديلا.
يقول الكاتب الأفغاني، إن غاندي لم يختر استخدام اللاعنف ضد المستعمرين فحسب، بل آمن أيضًا بتحدي العنف البنيوي داخل المجتمع، مشيرًا إلى أن أي مسار لأفغانستان لن يسفر عن نتائج طويلة الأمد، ما لم يتم تفكيك الهياكل التي تنتج أيديولوجيات مثل طالبان.
وأشار إلى أن مانديلا تعرض لانتقادات بسبب دراسته آسريه وتعلم لغة المستعمرين، مؤكدًا أنه كان –أيضًا- مكروهًا بسبب التبشير بالمصالحة، ولأن هدفه العمل مع أعدائه وجعلهم شركاء.
ويقول عبيدالله بحير، إن استراتيجيات كهذه لديها الكثير لتقدمه للأفغان، رغم أن أفغانستان مختلفة تمامًا عن الهند التي تحكمها بريطانيا ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
الكاتب الأفغاني يقول إنه رغم ما يريده المتدخلون والآخرون منا أن نصدقه، فإن أعضاء طالبان ليسوا غرباء، بل إنهم أفغان تم تلقينهم فكرة محاربة العنف بالعنف، مشيرًا إلى أن عقودًا من الصراع ولدت فجوة قوية بين طالبان وسكان المدن المتعلمين في أفغانستان.
سد الفجوة
يقول عبيدالله بحير، إنه انضم مع آخرين لتنظيم فعاليات تعزيز الحوار، باستخدام أدوات عبر الإنترنت مثلTwitter Spaces، مشيرًا إلى أن إحدى هذه الفعاليات تضمنت محاضرة تتحدى رواية طالبان عن أن النظام التعليمي كان غير أخلاقي أو غير إسلامي، قبل استلام الحركة المسلحة للحكم.
وأشار إلى أنه أثار -خلال تلك المحاضرة- تساؤلات عن السياسات تجاه أفغانستان في وسائل الإعلام الوطنية والدولية، مؤكدًا أنه بينما تحظى تلك الفعاليات باهتمام المؤسسات والجهات الفاعلة التي يمكن أن تلعب دورًا حيويًا في أفغانستان، فقد سعت طالبان إلى جلسات الحوار التي دافعوا فيها عن الحقوق والانفتاح.
التغيير يحتاج الصبر
وشدد الكاتب الأفغاني على ضرورة الاستمرار في «إسماع أصواتنا بشأن تجميد الأصول الأفغانية ومكافحة الإرهاب والعلاقات الدبلوماسية»، مؤكدًا إداركه أن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها، لذا يكثف جهوده بأنواع من النشاط قد لا تُرى دوليًا لكنها ستحدث فرقًا كبيرًا، في أوضاع جنود أفغان سابقين بالسجن، وتقديم المساعدة للمناطق التي لا تستطيع المنظمات الوصول إليها، وحتى الاتصال بأعضاء طالبان الذين كانوا يهددون العائلات عبر الهاتف لمحاولة إيقافهم.
وأشار إلى أن الحملة الرقمية ضد الحجاب القسري، التي كانت تحت وسم #FreeHerFace حظيت باهتمام طالبان، مؤكدًا أنهم تمكنوا خلالها من انتقاد أعضاء الحركة المسلحة، خلال اجتماع بشأنها «لكنهم لم يعتقلونا أو يهددونا بالعنف».
هذا التصرف من حركة طالبان، يستوجب بذل مزيد من الجهود للحديث معها، خاصة أنها تسعى للحصول على الاعتراف الدولي وسماعها، يقول الكاتب الأفغاني، مشيرًا إلى أنه تمكن مع آخرين من بناء جسور مع طالبان على مستويات مختلفة من دون المساومة على قيمهم.
محاولة بناء تلك الجسور والتفاعل مع حركة طالبان بالانتقاد، لم يكن الطريق إليها ممهدًا بل كان فيه بعض الخوف، فكثيرًا ما أتساءل عما إذا كان صبر طالبان سينفد في النهاية، يقول عبيدالله بحير.
وختم الكاتب الأفغاني مقاله: "آمل أنه إذا أتى مقاتلو طالبان من أجلي، فإن المزيد من الأفغان الذين ألهمتهم أفعالي اللاعنفية وحرصي على تغيير المجتمع، من خلال الحوار والتعاون، يبدأون من حيث توقفت».