خطة اقتصادية محفوفة بالمخاطر للمرشحة الأوفر حظًا لرئاسة حكومة بريطانيا... فهل من حل؟

عقبات أخرى في خطط تروس، التي تشمل الوعد بزيادة الإنفاق العسكري، ما قد يؤدي إلى زيادة الدين الحكومي

خطة اقتصادية محفوفة بالمخاطر للمرشحة الأوفر حظًا لرئاسة حكومة بريطانيا... فهل من حل؟
ليز تروس

ترجمات - السياق 

مع احتدام المنافسة على منصب رئاسة الحكومة البريطانية، بعد استقالة بوريس جونسون، انحصر السباق نحو الفوز بالمنصب الأهم في المملكة المتحدة، بين ليز تروس وزيرة الخارجية، ووزير المالية السابق ريشي سوناك.

إلا أن السباق إلى رئاسة الحكومة البريطانية، الذي يحسمه أعضاء حزب المحافظين أوائل سبتمبر المقبل، حسمته سلفًا استطلاعات الرأي، التي وضعت ليز تروس وزيرة خارجية المملكة المتحدة في المقدمة، أمام ريشي سوناك.

وتقول شبكة «سي إن إن»، في تحليل ترجمته «السياق»، إن المرشح الأوفر حظًا ليحل محل بوريس جونسون كرئيس وزراء جديد للمملكة المتحدة، لديه خطة لإنقاذ البلاد من الركود، لكن العديد من الاقتصاديين ليسوا سعداء بها.

وأشارت إلى أنه في حالة انتخاب تروس ستواجهها مجموعة هائلة من المشكلات، كون الملايين من البريطانيين يكافحون لتغطية نفقاتهم، مع وصول التضخم إلى أعلى مستوى له في أربعة عقود، مدفوعًا بارتفاع فواتير الطاقة المنزلية، التي من المتوقع أن تصل إلى 300 جنيه استرليني (365 دولارًا) شهريًا في يناير المقبل.

ورفع بنك إنجلترا –الخميس- أسعار الفائدة 50 نقطة أساس إلى 1.75% -وهي أكبر زيادة منذ 27 عامًا – متوقعًا أن يتجه الاقتصاد البريطاني إلى الركود بحلول نهاية العام، لكن تروس بمناظرة في اليوم نفسه استضافتها «سكاي نيوز»، فأبدت ملاحظة متفائلة، قائلة إن الركود «ليس حتميًا (...) يمكننا تغيير النتيجة، ويمكننا زيادة احتمال نمو الاقتصاد».

ما العلاج؟

وبحسب تقديرات معهد الدراسات المالية، فإن علاج الأزمة الحالية يكمن في مجموعة من التخفيضات الضريبية على الدخل الشخصي والأعمال تصل إلى أكثر من 30 مليار جنيه استرليني (37 مليار دولار).

وقالت تروس إن التخفيضات الضريبية ستساعد في كبح جماح الأسعار الجامحة وتعزيز النمو، وهو ادعاء ترك العديد من الاقتصاديين في حيرة من أمرهم.

ضغط التضخم

تروس تعهدت بإلغاء زيادة ضريبة الدخل، التي تم تقديمها في أبريل الماضي، والتخلي عن الزيادة المخطط لها في الضرائب على الشركات العام المقبل من 19% إلى 25% التي كانت مصممة للمساعدة في دفع تكاليف الإغاثة من الوباء.

وبحسب «سي إن إن»، فإن تروس تعتمد على هذه التخفيضات لتحفيز النمو، وتشجيع الشركات على الاستثمار، وفي النهاية المساعدة في خفض التضخم، الذي يتوقع بنك إنجلترا تجاوزه بنسبة 13% في وقت لاحق من هذا العام.

لكن من دون إجراء تخفيض ملموس في الإنفاق الحكومي، وهو ما لم توضحه تروس بالتفصيل «فإن معظم النظرية الاقتصادية التي بنيناها في المئة عام الماضية ستدعي عكس ذلك»، يقول جريجوري كلايس، زميل أول في «بروجيل» وهي مؤسسة فكرية تابعة لشبكة «سي إن إن بيزنس».

واستشهد تروست بـ«باتريك مينفورد»، الاقتصادي المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بجامعة كارديف، الذي أثرت أبحاثه في حكومة مارغريت تاتشر بالثمانينيات، في دعم وجهة نظرها.

وفي رسالة إلى «التلغراف» الشهر الماضي، أشاد مجموعة من الاقتصاديين بخططها، مشيرين إلى أن التخفيضات الضريبية «لن تكون تضخمية»، وأنها ضرورية بالنظر إلى «الضغط الذي لا يطاق» الذي كانت تفرضه الضرائب المرتفعة تاريخيًا على الأسر في المملكة المتحدة.

لكن جون فان رينين الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد، من بين آخرين، لا يتفق مع هذا الرأي، قائلًا في تصريحات لشبكة «سي إن إن بيزنس»، إنها «مخطئة. لن يؤدي ذلك إلى خفض التضخم، بل سيزيده».

وتؤدي التخفيضات الضريبية إلى زيادة الأموال في جيوب المواطنين، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، بحسب فان رينين الذي قال إنه في سياق سوق العمل «الضيق للغاية»، فإن زيادة الطلب ستؤدي إلى تفاقم التضخم.

وقال متحدث باسم ليز تروس لشبكة «سي إن إن بيزنس»، إن العبء الضريبي للبلاد سيكون قريباً الأعلى منذ الأربعينيات، ما يخنق الأعمال والابتكار والنمو.

وأضاف المتحدث: «تخفيضات ليز الضريبية ضرورية وميسورة التكلفة وليست تضخمية. خفض الضرائب وتحفيز الاستثمار التجاري سيعزز الإنتاجية، ويوفر وظائف ويضمن للناس أن يحتفظوا بقدر أكبر من أموالهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس.

قد تؤدي أي زيادة أخرى في أسعار المستهلكين إلى زيادة الألم على الأسر وتحفيز بنك إنجلترا على رفع أسعار الفائدة مرة أخرى، ما يضرب بشدة أولئك الذين ليس لديهم رهن عقاري بسعر ثابت.

بالفعل، قلص المتسوقون في المملكة المتحدة الإنفاق على البقالة، وتخلوا عن الاشتراكات المتدفقة مع ارتفاع تكلفة المعيشة في الأشهر الأخيرة.

وأدت أسعار الطاقة المذهلة، التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى ارتفاع أسعار المستهلكين 9.4% على أساس سنوي.

لكن يوم الخميس، كررت تروس معارضتها لزيادة ضريبة غير متوقعة بـ 5 مليارات جنيه استرليني (6 مليارات دولار) على الأرباح الوفيرة لشركات النفط والغاز لتمويل المزيد من المساعدة للمستهلكين، بحجة أن ذلك سيثبط الاستثمار في المملكة المتحدة.

وقالت تروس لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية: «إذا كان لدينا سمعة جيدة في فرض ضريبة مفاجئة على أي صناعة تحقق ربحًا، فهذه مشكلة كبيرة لبلدنا».

تراكم الديون

ويشير الاقتصاديون إلى عقبات أخرى في خطط تروس، التي تشمل الوعد بزيادة الإنفاق العسكري، ما قد يؤدي إلى زيادة الدين الحكومي.

وقال ستيوارت آدم، كبير الاقتصاديين في «آي إف إس»: «التأثير الذي ستحصل عليه في النمو من التخفيضات الضريبية ليس قريبًا بما يكفي لدفع ثمنها».

وشغلت تروس منصب وزير رفيع المستوى في وزارة الخزانة، وهو دور مسؤول عن إدارة الإنفاق العام، إلا أنها بدلاً من التخفيضات الكبيرة في الإنفاق، وعدت بإيجاد مدخرات من خلال تقليل الهدر وعدم الكفاءة في القطاع العام، رغم أن بعض خططها فشلت بالفعل.

تروس، كانت قد تراجعت عن اقتراح لربط أجور موظفي الحكومة بتكاليف المعيشة، التي زعمت أنها ستوفر 8.8 مليار جنيه استرليني (11 مليار دولار).

وجادل النقاد بأن الخطط ستؤدي إلى خفض فعلي للأجور لملايين الممرضات والمعلمين، بينما قالت شبكة «سي إن إن»، إن تروس لا تملك سوى القليل من تحمُل إغضاب العاملين في القطاع العام، الذين أضرب الآلاف منهم هذا الصيف -أو هددوا- للمطالبة بزيادة الأجور.

ستيوارت آدم قال إن الحكومة ستحتاج -على المدى الطويل- إلى خفض إنفاقها أو زيادة الضرائب مرة أخرى، لدفع أي تخفيضات ضريبية تقدِّمها تروس، مضيفًا :«في مرحلة ما يجب أن يعود هذا إلى المنزل ليقيم».

الذهاب للنمو

خطط تروس لتنمية الاقتصاد البريطاني طموحة، بالنظر إلى توقعات البنك المركزي الخاصة بأن الاقتصاد سوف يتجه إلى الاتجاه المعاكس في الربع الأخير، وهو وضع قد يستمر طوال العام المقبل.

وقال فان رينين إن «الاندفاع المؤقت على السكر» الذي جلبته التخفيضات الضريبية لن يفعل الكثير لدرء تباطؤ اقتصادي مدفوع بصدمات العرض وليس نقص الطلب، بينما قال آدم: «مجرد تحفيز الطلب من خلال التخفيضات الضريبية ليس أداة رائعة للخروج من الركود».

وأضاف أن المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة الناتجة عن ارتفاع التضخم من المرجح أن تقلل الطلب على أي حال.

وبالنسبة لفان رينين، فإن التركيز على التخفيضات الضريبية لتعزيز النمو في غير محله، مشيرًا إلى أنه يجب أن تكون المشكلات الأعمق في الاقتصاد، بما في ذلك أكثر من عقد من الإنتاجية الراكدة ونمو الأجور الحقيقي، على رأس أولويات رئيس الوزراء الجديد.

وأكد أنه «أمر محبط بعض الشيء لعدم وجود مشاركة كبيرة في القضايا الجادة»، في إشارة إلى خطط كل من تروس وسناك للمستقبل.