في كتاب قادة النفط... مستشار سعودي يفتح منجم الأسرار
نظرة نادرة داخل عالم مغلق من مباحثات وزارة النفط السعودية، التي أحدثت تأثيرات عالمية. إنهم السعوديون الذين يتحكمون في كل خيوط اللعبة داخل أوبك

ترجمات - السياق
يقدم كتاب "قادة النفط" لمؤلفه إبراهيم المهنا، المستشار المخضرم السابق في وزارة النفط السعودية، وجهة نظر مبهرة تتعلق بأربعين عامًا من قيادة المملكة لسوق النفط وتأثيرها العالمي، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، أعده الباحث جيم كرين.
وقالت الصحيفة: "منذ أمد ليس بالبعيد جدًا، عندما ارتفعت أسعار النفط، بات بالإمكان التعويل على المملكة السعودية لتقديم حلول حاسمة".
على سبيل المثال، أثناء موجة الارتفاع عام 2008 التي دفعت أسعار النفط لمستوى 147 دولارًا للبرميل، شكلت وزارة النفط السعودي فريقًا لحماية المستهلكين والمملكة من هذه الزيادة.
وقال إبراهيم المهنا في كتابه "قادة النفط": "لقد وافق السعوديون على تلك المهمة، اعتقادًا منهم أن أسعار النفط المرتفعة وغير القابلة للسيطرة لم تكن بالأمر الجيد للمملكة، لاسيما على المدى البعيد"
بيد أن هذا الأمر يبدو أنه اعتراه التغيير الآن، إذ إنه في أعقاب ملامسة سعر برميل النفط 120 دولارًا هذا الصيف، اتخذت المملكة العربية السعودية وأقرانها من أعضاء منظمة أوبك موقفًا صارمًا يرفض زيادة الإنتاج.
مذكرات المهنا توضح إلى أي مدى يعد ذلك انفصالًا عن السياسة الماضية، وكذلك تسلط الضوء على رحلته المهنية طويلة الأمد مستشارًا بوزارة النفط السعودية.
وأفادت الصحيفة بأن الكتاب يمثل رؤية مبهرة، على لسان مطلع، تتعلق بنصف قرن من القيادة السعودية لسوق النفط.
واستطردت: "إنها نظرة نادرة داخل عالم مغلق من مباحثات وزارة النفط السعودية، التي أحدثت تأثيرات عالمية. إنهم السعوديون الذين يتحكمون في كل خيوط اللعبة داخل أوبك، في مهمة يصفها مراقبون بأنها أشبه بإدارة سفينة قراصنة. والأكثر أهمية سيطرتهم على أكبر تكتل لاحتياطي النفط في العالم".
ولفتت "فاينانشيال تايمز" إلى أن "وزارة النفط السعودية تعمل بشكل مباشر مع الملك وكبار أعضاء الأسرة المالكة، لإحداث توازن بين دخل النفط والاعتبارات الجيوسياسية، لاسيما وأن أفعال وأقوال المملكة من شأنها أن تحرك السوق".
وواصل التقرير: "عندما يقرر السعوديون وأشقاؤهم في المنظمة التصرف، فإنهم يبثون مشاعر الراحة في أوصال مستهلكي النفط المتوترين".
بالمقابل، عندما يحجمون عن فعل أي شيء، مثلما حدث في أعقاب العدوان الروسي على أوكرانيا، تضطر البلدان المستهلكة إلى إيجاد سبل بنفسها، للتكيف مع الأسعار المرتفعة معظمها يتمثل في تقليل الاستهلاك.
وأردفت الصحيفة البريطانية: "إن رسالة المهنا الأكثر وضوحًا وربما غير المقصودة، توضح إلى أي مدى يعد رفض المملكة ضخ طاقة فائضة لتهدئة الأسعار المرتفعة، ابتعادًا عن استراتيجيتها الرسمية للطاقة، التي تضرب بجذورها للوراء قرابة عقدين من الزمان".
وأضافت: "لقد تم التعبير عن هذه السياسة بشكل دقيق عام 2012 على لسان وزير النفط السعودي آنذاك علي النعيمي، الذي قال -في تعليق لصحيفة فاينانشال تايمز- إن ارتفاع أسعار النفط ليس سيئًا فحسب بالنسبة للمستهلكين.
وأوضح النعيمي: "إن أي فترة تشهد ارتفاعًا طويل الأمد في أسعار النفط سيئة على كل البلدان المنتجة للنفط بينهم المملكة العربية السعودية، وتمثل أخبارًا سيئة كذلك لصناعة الطاقة بشكل أوسع نطاقًا".
بعبارة أخرى، فإن أسعار النفط المرتفعة تدمر الطلب -نهاية المطاف- ما يمثل احتمالًا مزعجا حقًا لدولة مصدرة مثل السعودية التي تجلس على ما يقدر بـ 80 عامًا من الاحتياطي النفطي، وفقًا لمعدلات الإنتاج الحالية.
والآن، بدلًا من إجراء مباحثات لاتخاذ رد فعل حيال الأسعار المتأرجحة، باتت اجتماعات أوبك جلسات روتينية لا تتجاوز 15 دقيقة.
وواصلت الصحيفة الاقتصادية: "إن الإنتاج الذي تم تخفيضه 10 ملايين برميل نفط يوميًا، في قرار جرى اتخاذه بشكل مغلق 2020 تتم الآن استعادته بمعدل زيادة ثابت أقل من 500 ألف برميل يوميًا كل شهر.
وعلى ما يبدو، لا يستطيع شيء إقناع السعودية -زعيمة أوبك- بتسريع وتيرة الزيادة، من خلال زيارات الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني، ولا من خلال مناشدات الوكالة الدولية للطاقة".
وأضافت: "لقد أوضح المهنا كم كانت الأمور تسير بشكل مختلف. أوبك، أو بشكل أكثر دقة "أوبك+ بإضافة 10 أعضاء إضافيين إلى الأعضاء الـ 13 التي تتألف منها المنظمة، لم تكن نموذجًا للانضباط، على الأقل المملكة العربية السعودية التي دأبت على إظهار المرونة".
وعندما كانت الأسعار تتزايد -والكلام للمهنا- كانت مهمة أوبك "المساعدة في استقرار سوق النفط لتخفيض الأسعار".
ووصفت "فاينانشيال تايمز" هذا التعليق من المؤلف بأنه "صريح بشكل يثير الدهشة"، إذ يكشف أن المملكة العربية السعودية تتلاعب في حصة النفط مثل الآخرين.
وتابع التقرير: "يتم التعامل مع رؤساء الولايات المتحدة بشكل حذر ولكن ليس من الصعب قراءة ما بين السطور".
ولم يذكر مؤلف الكتاب حقيقة الشعور السلبي للرئيس باراك أوباما نحو السعوديين لكنه كشف أن الرئيس الأمريكي حصل على مساعدات خاصة من النعيمي "الذي كان يستهدف الوصول بأسعار النفط لسعر معتدل لأسباب تتضمن بعضها مساعدة الرئيس أوباما على الفوز بولاية رئاسية ثانية".
وفي الأثناء ذاتها، امتدح الكتاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جراء "دبلوماسية الهاتف" التي أدت إلى حل أزمة حرب أسعار أوبك عام 2020، وبسبب قربه من الملك سلمان بن عبدالعزيز ونجله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "حيث كانت لديهم وجهات نظر متشابهة في الكثير من القضايا".
أما الرئيس الحالي جو بايدن فقد حظى فقط بالتقدير بسبب اعترافه بأهمية العلاقات الأمريكية السعودية.
ونوه الكتاب إلى أن وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم -خلال اجتماعها الأول مع وزير النفط السعودي الأمير عبد العزيز- ركزت على الطاقة المتجددة والمناخ، وتجاهلت الحديث عن سوق النفط العالمي، وهو ما عدته الصحيفة تسريبًا مدمرًا، لا سيما في ظل وصول جالون الجازولين في الولايات المتحدة إلى 5 دولارات.
واستدرك المهنا في كتابه: "لا يوجد أفضل من السعودية كحليف للولايات المتحدة بالمنطقة، رغم أن واشنطن لا ترد دائمًا بالمثل ولاء الرياض لها".
ونوهت الصحيفة إلى أن مشروع قانون أمريكي يعرف اختصارًا بـ "نوبيك" من شأنه أن يسمح للمحاكم الأمريكية بمقاضاة الحكومات السيادية التي تتلاعب في سوق النفط.
ورأت أن المستشار النفطي السعودي السابق كان شديد الأدب، عندما قال إن منتجي النفط الصخري الأمريكي من بين أكثر المستفيدين من منظمة أوبك، إذ إنه من دون القيود التي تفرضها المنظمة على الإمدادات، كانت الأسعار ستنهار وبذلك كان النفط الصخري سيخرج من المنافسة.
وقال المهنا، معلقًا على المناصرين لمشروع قانون نوبيك: "لا أفهم ماذا يريدون، هل درسوا التأثير طويل الأمد في كل الأشكال عندما يخرج سوق النفط عن السيطرة؟ أشك في ذلك".
إن وجهة النظر السعودية تمثل تذكيرًا مفيدًا بأن الدول الصديقة حتى ترى العالم بشكل مختلف.
وتحدث الكتاب عن الزعيم الفنزويلي السابق هوجو تشافيز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصورة أكثر إيجابية، مقارنة بأي محلل غربي، كما أفرد مساحة كبيرة للانفتاح السعودي على موسكو.
وكان المهنا محقًا في ملاحظته أن الصعود في إنتاج النفط الصخري الأمريكي قوَّض القوة السوقية لأوبك، للحد الذي جعل توسيع المنظمة السبيل الوحيد للاحتفاظ بأهميتها.
إن ظهور منظمة "أوبك +" والقيادة السعودية الروسية، تم التعامل معهما كحدث جلل، يعيد تشكيل أسواق النفط، ويزيد انسيابية صناعة القرار، ويشحذ تفعيل الحصة النفطية.
ورغم أنه "لا يحكي كل شيء" من المنظور الغربي، فإن كتاب "قادة النفط" يمثل نافذة مثيرة للاهتمام على الجهود السعودية لترويض سوق النفط الجامح.
ورأت الصحيفة أن الكتاب يعرض قدرًا ضئيلًا من المعلومات، ويترك القراء في الظلام بشأن القضية شديدة الأهمية، المتعلقة بالطاقة الاحتياطية النفطية في المملكة.
بيد أن تسريبات المستشار النفطي السابق، بشأن الحكم والدبلوماسية، "غبار ذهبي" أكثر عمقًا بفارق شاسع من مذكرات رئيسه السابق "النعيمي".
ويتألف الكتاب- الذي وصفته الصحيفة بـ "النادر جدًا"- من 304 صفحات، وأصدرته دار نشر "Columbia University Press" بـ 28 جنيهًا استرلينيًا (35 دولارًا).