عقيدة الكويت الجديدة... إلى أين تقود البلاد؟

إما إلى الأفضل، وإما إلى مزيد من الاضمحلال

عقيدة الكويت الجديدة... إلى أين تقود البلاد؟

ترجمات - السياق

سلَّط معهد دول الخليج العربي بواشنطن، الضوء على ما سماها (عقيدة الكويت الجديدة)، مشيرًا إلى أن الدولة الخليجية تستعد لدخول حقبة جديدة، يمكن أن تؤدي إما إلى تغيير جذري نحو الأفضل، وإما إلى مزيد من التدهور، أو ترسيخ الوضع الراهن المسدود.

وأشار المعهد في تحليل للكاتب بدر السيف -الزميل بمعهد كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت- إلى أن أمير الكويت وولي العهد سيحتفلان قريبًا بعامين في السلطة مع مؤسسات حديثة العهد تتضمن (رئيس وزراء وحكومة جديدين إلى جانب برلمان ونائب عام مرتقبين).

وأوضح أن هذه الإجراءات حصيلة خطاب الأمير نواف الأحمد الصباح في يونيو -الذي ألقاه ولي العهد الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح- والذي كان إيذانًا بعقيدة جديدة، تتميز بـ "توقف النظام من دون تبديله كالمعتاد"، لكن على ألا يمنع ذلك من اتخاذ بعض "الإجراءات الصارمة".

خارطة الطريق التي تضمنتها كلمة الشيخ نواف الأحمد ارتكزت على قواعد وأسس محددة، أبرزها محاربة الفساد الذي أكد أنه "واجب شرعي"، والعدالة في العقاب "فليس هناك من هو فوق القانون" بمن فيهم أبناء الأسرة الحاكمة، والثقة بمؤسسات الدولة التي "لن يضيرها ولن ينقص من قدرها البعض"، والعمل بروح الفريق الواحد بين "السلطتين التنفيذية والتشريعية".

وتستعد الكويت لإجراء الانتخابات التشريعية التاسعة عشرة بتاريخها، بعد أن صدر قرار بحل مجلس الأمة (السلطة التشريعية) للمرة التاسعة، ومن المتوقع أن تجرى الانتخابات فى أكتوبر المقبل.

خطاب يونيو

وحسب معهد دول الخليج العربي بواشنطن، احتوى خطاب يونيو على العديد من الإجراءات، وأكد الأمير تمسكه الصارم بالدستور، كما أعلن التزامه بعدم التدخل في الانتخابات المقبلة، بما في ذلك انتخابات رئيس مجلس النواب.

وسلَّط الأمير الضوء على دوره فوق الفروع الثلاثة، مؤكدًا أن الإدارة المباشرة للدولة تنحصر في السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وتضمن الخطاب انتقادًا صريحًا من الأمير للحكومة، وصاغ حل مجلس النواب على أنه قرار اتخذه بناءً على طلب الشعب.

وأخيرًا ، والأهم من ذلك، تضمن الخطاب إشارة مستترة إلى "إجراءات حازمة" إذا كانت هناك "عودة إلى ما كنا فيه" في إشارة إلى أحداث السنوات الماضية.

وأشار المعهد إلى أن الموضوع الرئيس للخطاب كان "تصحيح المسار السياسي للكويت"، وهي العبارة التي ظهرت بشكل متكرر في الخطاب، متسائلًا: "هل يمكن تحديد هذا المسار من دون إصلاحات جذرية من القيادة؟ وهل إذا استمر الجمود والركود بعد الانتخابات، سيكون هناك أساس منطقي لـ "الإجراءات القوية" التي قد تخرج الكويت عن اتجاهاتها الدستورية؟".

استراتيجية "توقف النظام"

وحول ما سماها (استراتيجية توقف النظام)، أشار معهد دول الخليج العربي بواشنطن، إلى أن الكويت مملكة دستورية تتحدى السياسة كالعادة، وهو ما أوقعها في العديد من الخلافات الداخلية، لافتًا إلى أنها تمزج -بشكل غير مريح- عناصر من النظامين الرئاسي والبرلماني، في منطقة غير معتادة على أي منهما.

وأوضح المعهد، أن التحول إلى قيادة وطنية جديدة عام 2020 كان فرصة لإعادة البوصلة السياسية في البلاد، إلا أن العمل بموجب الدليل نفسه -وهو دليل ابتكره إلى حد كبير الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح- كان خطوة مؤقتة مغرية مع اقتراب موعد الانتخابات.

وبيّن أنه بدلاً من أن تحدد نتائج انتخابات ديسمبر 2020 اتجاه المناصب القيادية، ظل رئيس الوزراء ورئيس البرلمان في منصبيهما، ومع ذلك، استمرا على خلاف مع المعارضة البرلمانية المتزايدة، ما أدى إلى أحداث عام 2021 المتوترة.

وأفاد بأنه بينما دخلت السلطتان التنفيذية والتشريعية في مشاحناتهما المعتادة، كانت القيادة الجديدة تعمل بهدوء على تحديد عناصر انتقالها.

فقد جاء الموظفون الجدد أولاً بعد رحيل جماعي للمُعينين من قِبل الأمير الراحل واستحداث وجوه جديدة عبر البلاط الملكي.

بينما كانت اللحظة الانتقالية الثانية هي تأييد الأمير للحوار الوطني ومنحه عفوًا محسوبًا عن 36 فردًا.

وحسب المعهد، كان من المتوقع المزيد من الحوار، لكن لم يكن هناك اختراق وشيك بسبب تطبيقه من الطبقة السياسية نفسها التي أثارت التوترات، وبذلك فإن محاولة التوسط في حل وسط لم تسفر عن تغيير جوهري في بيئة البلد المتقلبة.

وأشار المعهد إلى أنه رغم هذه الفرصة الضائعة، فقد منحت الخطوة بعض التنفس للبلاد وطبقتها السياسية، إذ انقسم عام 2021 -أول عام للأمير في السلطة- إلى مدتين متناقضتين، فقد قوبل التصعيد غير المسبوق في الأشهر الستة الأولى باتجاه تصعيد صارخ خلال الجزء الأخير من عام 2021، لكن العودة إلى العمل كالمعتاد عام 2022 كانت حتمية لأنه لم يكن هناك حوار شامل ولا عفو وشيك، كما لم يتم التصدي للأسباب الجذرية للتوترات وحلها.

إحباط ولكن!

قد يكون نمط التكرار -حسب معهد دول الخليج العربي بواشنطن- (تشكيل الحكومة، الاستجوابات، استقالة الحكومة) قد أحبط أيضًا القيادة القادمة للبلاد، ما حفز صعود عقيدتها الجديدة، بدءًا بوقف تغيير أركان النظام (الحكومة والبرلمان)، كأنهما في حالة من النسيان منذ استقالة الحكومة أوائل أبريل.

وأشار إلى أنه سواء كان مقصودًا أم لا، فإن "الإيقاف المؤقت" تدخل جديد في نظام ظل رهينة إدمان التكرار خلال السنوات الماضية.

ونوه إلى أن استراتيجية الإيقاف المؤقت تخدم نهايات متعددة ويمكن قراءتها بطرق مختلفة، إذ رأى نواب المعارضة أن الوقفة تعد اعتداءً على الدستور ومُقدمة لتعليق بعض بنوده، وهو ما أدى إلى مشاركة أغلبية أعضاء البرلمان في اعتصام احتجاجي واستضافة محاضرات كثيفة الحضور في ديوانياتهم عبر الدوائر الانتخابية الخمس.

بينما تم نقل وجهة نظر أخرى للتوقف في خطاب يونيو، إذ منح القيادة فرصة "للتوقف والتفكير وإعادة النظر"، ما أدى إلى صياغة مذهبها الجديد.

كما حاول الوقف كسر التقلبات الدورية التي تسبب الإدمان للنظام السياسي، فعلى النقيض من لجوء الأمير الراحل المتكرر إلى حل البرلمان والتسمية السريعة لرؤساء الوزراء وغيرهم من المسؤولين، فإن التوقف يأتي في الطرف الآخر من الطيف، إذ استخدمت القيادة الصبر كأداة سياسية على أمل أن ينزع فتيل التوترات ويوفر فسحة تنفس لجميع الأطراف لتذكر واستيعاب الأغراض المقصودة للنظام السياسي في الكويت على النحو المنصوص عليه في الدستور.

وبالفعل نجحت الخطة، وتسامحت القيادة الجديدة مع التشكيل البطيء لأربع حكومات تحت رعايتها في أقل من عامين، لكنها لم ترجع بسهولة إلى الحل، حتى لو كان ذلك يعني -في الوقت الحالي- تبني طريقة ثالثة لا تتجاهل ولا تنفذ بسهولة نص الدستور.

أمام ذلك، زعمت تعليقات عدة أن خطاب يونيو أنهى التوترات المرتبطة به، وكشف عن عقيدة جديدة تتميز بمسارين: "وقفة" و "إجراءات قوية".

وأشار المعهد إلى أن إحدى القراءات المحتملة "للإجراءات الصارمة" اللجوء إلى الأحكام العرفية (أو المادة 69 من الدستور)، لافتًا إلى أنه تم إعلان الأحكام العرفية مرتين (عام 1967 سبعة أشهر في خِضم الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، وعام 1991 ثلاثة أشهر بعد التحرير من العراق).

إصلاحات جذرية

وشدد معهد دول الخليج العربي بواشنطن، على ضرورة إعادة ضبط النظام من خلال إصلاحات جذرية جديدة، مشيرًا إلى أن مبدأ "الوقفة" في حد ذاته لا يكفي لتجديد قيم ومبادئ الكويت.

وألمح إلى أن هذه المخاوف، تم الاعتراف بها ضمنًا في خطاب الأمير، فقد صاغ الانتخابات المقبلة على أنها فرصة أخيرة لتجنُّب الوضع الراهن، قبل أن يلجأ النظام إلى "إجراءات قوية".

وحذر المعهد، من أن الدخول في نظام جديد غير مصحوب بإصلاحات شاملة وجذرية، سيعيد الأمور إلى النقطة صفر، مشيرًا إلى أن مطالبة الناس "بالاختيار بحكمة" في الانتخابات المقبلة دعوة لتكرار الوضع، لا لأنهم ليسوا على دراية بالتحديات التي تواجههم، فهم كذلك، خاصة الأغلبية من الشباب، لكن لأن النظام لا يمنحهم الحرية في الاختيار، في ظل القوانين الانتخابية المقيدة، وحريات التعبير المتقلصة، والهويات المتعددة التي تتنافس مع الهوية الوطنية.

ورأى المعهد أن الدعوة إلى الوحدة الوطنية قد تكون صحيحة سياسيًا، لكنها لا معنى لها من دون سياسات حكومية حازمة تدعمها وتدفعها للأمام.

وأوضح أنه لا يمكن القضاء على عقود من سوء الإدارة والسياسات غير الحكيمة في الوقت المناسب لدورة انتخابية في أقل من ستة أسابيع، لافتًا إلى أن هذا هو السبب في أن الخطاب ربما يُمهد الطريق لإعادة ضبط النظام إذا ظهر الصراع مرة أخرى بعد تنصيب الحكومة والبرلمان المقبلين، وهو ما قد يتوج عودة التوترات بعد فترة توقف طويلة خلال العامين الماضيين.

إجراءات حكومية وبرلمانية

وعن الإجراءات التي يجب اتباعها من قِبل الحكومة الجديدة، أشار المعهد إلى أنه يمكن للحكومة الجديدة أن تفعل الكثير خلال مرحلة التوقف لتجنُّب الانتقال إلى "تدابير قوية".

من هذه الإجراءات -حسب المعهد- "يجب أن تدافع الحكومة عن إصلاحات جذرية مثل إلغاء القوانين التي تقيد الحريات، ومتابعة الإصلاح الإداري بإلغاء ديوان الخدمة المدنية وتعديل التوظيف في القطاع العام، وإعادة توجيه آلية توزيع الثروة بتوزيع عادل للإيجارات عن طريق الأسهم وليس الرواتب، واقتلاع القيادة، خصوصًا على مستوى الوكيل والوكيل المساعد، وتكليف الشباب بالملفات الحساسة، والسعي للحصول على عفو عام من الأمير في القضايا ذات الدوافع السياسية، وإعادة العمل بقانون الانتخابات لعام 2006 مع تمهيد الطريق لإصلاح قانون الانتخابات الشامل، الذي ينظم الأحزاب السياسية، وتحرير الأراضي والشروع في البناء السريع، وإلغاء قانون المناقصات ونظام الكفالة".

والأهم من ذلك -وفقًا للمعهد- إعادة صياغة قانون الجنسية لحل قضايا المواطنة المتعلقة بسكان البدون، مشددًا على ضرورة الضغط بقوة على هذه المبادرات السياسية العاجلة في البرلمان وتنفيذها بشفافية من قِبل فريق حكومي متواصل ومتناغم.

أما ما يمكن أن يفعله البرلمان المقبل في غضون ذلك، فهو -حسب المعهد- تجنُّب إضفاء الطابع الشخصي على السياسة، والعمل على برنامج إصلاح واقعي، والاستجابة لنداء الأمير للتعاون مع السلطة التنفيذية.

وأشار المعهد إلى أنه من الممكن أن يُترجم هذا إلى سلوكيات مختلفة، مثل تجنُّب الاستجواب المبكر لرئيس الوزراء الجديد، لافتًا إلى أن البرلمان لا يمكنه فعل ذلك إلا إذا كان هناك شريك آخر يمتلك شخصية رجل الدولة القادر على دفع الكويت إلى عصر جديد.

وفي ختام تحليله أكد المعهد أن "العقيدة الجديدة" للكويت لديها القدرة على الدخول في حقبة جديدة مختلفة، تستطيع أن تقود البلاد نحو تغيير جذري إما إلى الأفضل، وإما إلى مزيد من الاضمحلال، أو ترسيخ الوضع الراهن المسدود، محذرًا من أن المخاطر بالنسبة للكويت كبيرة، ومن ثمّ يجب التكاتف على كل الأصعدة لتخطي هذه المرحلة.