ما استراتيجية الغرب الجديدة في أوكرانيا؟
تنفيذ هذه الاستراتيجية يتطلب وساطة وليس من خلال عقد مؤتمرات أو مفاوضات متعددة الأطراف وجهاً لوجه.

ترجمات - السياق
رأت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أنه في حال استمرار المسار الحالي للحرب الروسية في أوكرانيا، فإن الأسلحة والذخائر والبنية التحتية، التي قدَّمها حلفاء "الناتو" والتي تقدر بمليارات الدولارات لكييف، وكذلك الكمية الأكبر من الدروع والصواريخ والأفراد المتاحين لروسيا في حربها، من المرجح أن يدفعوا العالم نحو طريق مسدود طويل الأمد، ولحرب استنزاف، من دون أن تتوصل موسكو لخضوع أوكرانيا لها، لكن من غير المرجح أن يستمر هذا المسار.
وأضافت المجلة، في تحليل لمدير مكتب الديمقراطية والحكم التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في الفترة بين عامي 2002 و2007، جيرالد هيمان، أن روسيا تخسر قوتها البشرية في هذه الحرب بمعدل يفوق قدرتها على جلب جنود جدد، إذ تفقد عدداً كبيراً من ضباطها بمن في ذلك كبار الضباط أو حتى الجنرالات، ويبدو أنها لا تتبنى استراتيجية متماسكة وواضحة، إذ خسرت محاولتها الأولى لتوجيه ضربة واحدة للاستيلاء على كييف والسيطرة على الدولة، كما أنها تفقد أسلحتها بشكل أسرع مما يمكنها تحمُّله.
وتابعت: "أما أوكرانيا فقد كانت لديها قوات أقل عدداً بكثير، وعدد أقل من الدبابات، وبلا صواريخ ولا أصول جوية تقريباً، لكن سرعان ما تم تعويضها من الحلفاء في "الناتو" عن بعض التفاوت في المعدات بينها وبين موسكو، لكنهم لم يتمكنوا من تعويض القوى العاملة، فقد قدموا الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات والمركبات المدرعة والمروحيات وأنظمة الصواريخ المضادة للمدفعية والطائرات من دون طيار والذخيرة والصواريخ طويلة المدى، لكن أوكرانيا لا تزال غير قادرة على الوصول إلى ما هو أبعد من الحدود الروسية، ويبدو الآن أن حلفاء "الناتو" على وشك عكس سياستهم السابقة، حيث سيقدمون المقاتلات النفاثة، وقد اعتمدت أوكرانيا على قواتها، وأثبتت أنها تتصرف ببطولة كبيرة، إذ أدهشت حلفاءها، وصدمت روسيا، وربما فاجأت نفسها، لكن لا يمكن لأي من الجانبين الاستمرار بهذا الشكل".
وذكرت المجلة أن روسيا تخضع لعقوبات معوقة أدت بالفعل لخفض إجمالي الناتج المحلي السنوي عام 2022 بنسبة 2.7%، كما يتصاعد معدل التضخم ويتراوح بين 15% و17%، فضلاً عن ارتفاع معدلات الوفيات في قواتها المسلحة، ومن المرجح أن تؤدي الحرب إلى التأثير في المشهد السياسي بموسكو، لأنها لا تحظي بشعبية كبيرة، كما أن تكاليفها العسكرية والاقتصادية هائلة، وهو ما قد يؤدي لتخفيف قبضة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على السلطة.
وأضافت: "ومع ذلك، فإن الروس سيواجهون مشكلات كبيرة في أوكرانيا، بصرف النظر عن توقيت توقفهم عن الهجوم، إذ يجب ألا يتوقعوا أن السيطرة على المناطق الأوكرانية ستكون سهلة للغاية، حيث سيتم النظر إليهم من قِبل الأغلبية العظمى من السكان المتبقين على أنهم محتلون".
وقد أثارت البطولة التي أظهرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إعجاب الحلفاء في "الناتو"، إذ كان موقفه الجريء، وحشده للشعب الأوكراني، وتشكيله لأمة موحدة من مجتمع ممزق، أمراً رائعاً، لكن لا يمكن أن يستمر ذلك أيضاً، إذ ستتلاشى كل هذه الأشياء لأن الحرب لا تؤثر في الأوكرانيين فحسب ولكن في حلفائهم أيضاً، فقد كان زيلينسكي واضحاً حينما قال إن أوكرانيا ستحتاج 5 مليارات دولار شهرياً من شركائها، وهو تقدير أولي من المتوقع أن يتضاعف في المستقبل، ولذا فإن التزام الحلفاء بدفع هذه المبالغ إلى أجل غير مسمى أمر غير محتمل، حسب المجلة.
ورأت "ناشيونال إنترست" أن حلفاء "الناتو" وزيلينسكي بحاجة إلى تطوير استراتيجية قابلة للتطبيق على المدى الطويل، وخطة ذات أهداف واقعية، وضمانات مالية وعسكرية، وبدلاً من النداءات المتقطعة والعاطفية، يجب أن يتبنى زيلينسكي تلك الاستراتيجية، وأهدافها التي يجب أن تكون محدودة بما في ذلك التنازل المحتمل، على الأقل مؤقتاً، عن بعض الأراضي الأوكرانية.
ووفقاً للمجلة، فإن تنفيذ هذه الاستراتيجية يتطلب وساطة وليس من خلال عقد مؤتمرات أو مفاوضات متعددة الأطراف وجهاً لوجه، وهناك العديد من الوسطاء المحتملين، فقد توسط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالفعل في صفقة الحبوب التي ترعاها الأمم المتحدة، لأنه يحظى بعلاقات جيدة ببوتين كما أن أنقرة عضو في "الناتو"، وقد يكون الوسيط الأكثر جدية وفعالية هو الصين، حتى لو كان الأمر سيثير غضب عواصم الحلف، فقد تجد بكين أن من مصلحتها التوسط في تسوية بأوكرانيا، وبالنظر لأنها كانت متحفظة بشكل ملحوظ في دعم التوغل الروسي في كييف، فإنها لم تقدم -حتى الآن- أسلحة ولا دعماً مالياً مباشراً لموسكو رغم نداءات بوتين العلنية، وقد تكون الهند قادرة أيضاً على التوسط في هذه التسوية، نظراً لمخاوفها الخاصة بشأن السيادة، وعلاقتها التجارية المستمرة بروسيا.
ونهاية التحليل، قالت المجلة إن التحدي الدبلوماسي لا يتمثل في إيجاد وسيط مناسب، بل يتمثل في ما إذا كانت الأطراف المتحاربة منفتحة على الوساطة الحقيقية، وهو ما قالت إنها مسألة إرادة سياسية في موسكو وكييف، وتابعت: "يجب أن يبدأ حلفاء الناتو بنشاط، وإن لم يكن علناً، في الضغط من أجل التوصل لهذه التسوية التي تعترف موسكو فيها بسيادة أوكرانيا بينما تعترف الأخيرة، مؤقتاً على الأقل، بأنها فقدت السيطرة الفعلية إن لم تكن بحكم القانون على أجزاء من شرقي وجنوبي البلاد، وبخلاف ذلك فإننا سنشهد حرب استنزاف مستمرة وطويلة ومرهقة، مع كل التكاليف البشرية المصاحبة لها، إذ سنشهد هلاك القوات في الجانبين، والنتائج غير المؤكدة، والاقتصادات المتدهورة، والنازحين، والمشاهد المؤلمة للدمار الشخصي والعائلي في روسيا وأوكرانيا على حد سواء".