عام على حكم طالبان... طرق مُعبَّدة ونساء مُهدَّدة

حالة من التدهور الاقتصادي والإنساني، وتراجع الحقوق والحريات، وعودة التنظيمات المتطرفة

عام على حكم طالبان... طرق مُعبَّدة ونساء مُهدَّدة

ترجمات - السياق

بعد عام على حكم طالبان في أفغانستان، رأت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن شبكة الطرق أصبحت أكثر أمانًا، لكن النساء يواجهن قيودًا صارمة أثناء سفرهن.
وشهدت العاصمة كابل -الاثنين- تظاهرة نسائية حاشدة أمام مقر وزارة التعليم، تزامنًا مع الذكرى الأولى لحكم طالبان، ورددن هتافات "15 أغسطس يوم أسود"، في إشارة إلى تولي الحركة السلطة في الموعد ذاته قبل عام.
ولم ترق هذه الاحتجاجات لمسؤولي الحركة، إذ سرعان ما أطلق مسلحوها النار في الهواء لتفريق التظاهرة بعد دقائق من انطلاقها.
ورفعت المتظاهرات لافتات "خبز، عمل، حرية"، ورددن "العدل العدل، سئمنا الجهل"، بينما رفع بعضهن غطاء الرأس في تحدٍ لقرارات الحركة، التي احتفلت –الاثنين- بمرور عام على استيلائها على السلطة، في وقت تشهد البلاد، التي مزقتها الحروب على مدى عقود، حالة من التدهور الاقتصادي والإنساني، وتراجع الحقوق والحريات، وعودة التنظيمات المتطرفة، بحسب تقارير ومنظمات دولية.

الطرق والأمان
وروت "فايننشال تايمز" عن أفغاني يدعى محمد داود، أنه لم يزر أقاربه منذ نحو خمس سنوات، مشيرة إلى أن الرجل البالغ من العمر 32 عامًا ويعيش في مدينة جلال أباد جنوبي شرق أفغانستان، كان يتجنب الرحلة الطويلة إلى منطقتهم الريفية، خوفًا من تعرضه للمضايقة أو الاختطاف أو القتل على أيدي اللصوص أو مسلحي طالبان على طول الطريق.
ومع ذلك -حسب الصحيفة- فقد زار داود مِرارًا وتكرارًا خلال الأشهر الأخيرة مسقط رأسه، بينما كان من المستحيل أن يفعل ذلك، قائلًا: "كان من المستحيل أن أفعل ذلك، فقد كان الناس خائفين من الاختطاف، بينما الآن يمكنني السفر إلى أي مكان".
وأوضحت الصحيفة، أن نهاية الحرب -التي استمرت 20 عامًا بأفغانستان- في أغسطس الماضي، عندما أطاحت طالبان الحكومة المدعومة من الغرب، أدت إلى انخفاض ملحوظ في العنف على الطرق، لأن الجماعة -التي كانت تُهدد طرق السفر منذ فترة طويلة- أصبحت الآن تمتلك السلطة، والمسؤولة عن أمان هذه الطرق.
وأشارت إلى أنه وسط هذا التغيير، أصبحت سيطرة طالبان على شبكة الطرق من أهم الإجراءات بالنسبة لهم لتعزيز سلطتهم، بدءًا من تأكيد سيطرتهم على التجارة والاقتصاد، إلى تعزيز أيديولوجيتهم الوحشية، من خلال تقييد حرية المرأة في السفر.

شريان الحياة
وعن سبب الاهتمام بشبكة الطرق في أفغانستان من طالبان، نقلت "فايننشال تايمز" عن غرايم سميث، كبير الاستشاريين في مجموعة الأزمات الدولية (آي سي جي)، وصفه لشبكة الطرق في أفغانستان، بأنها "شريان الحياة" بالنسبة للحركة، قائلًا: "طالما كانت هذه الطرق مركزية للسلطة في أفغانستان، فهي شريان الحياة للبلاد، وأساسية لكيفية رؤية الأفغان لحكومتهم".
وأشارت الصحيفة، إلى أنه إضافة إلى منع المراهقات من الذهاب إلى المدرسة وإصدار أوامر للنساء بتغطية وجوههن في الأماكن العامة، بدأت طالبان إصدار أوامر للنساء بالسفر مع مِحرم أو مرافقين من الذكور، وهو ما يعيق حركة كثيرات يبحثن عن ملاذ آمن في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية.
واستشهدت بقصة امرأة -تبلغ من العمر 21 عامًا وتعيش في كابل- كانت تقوم بالعديد من الرحلات خارج المدينة بمفردها أو مع قريباتها، إلا أنها -بعد استيلاء طالبان على السلطة- أصبحت منزعجة بشكل متزايد، بسبب تعرضها للاستجواب من المسلحين عند نقاط التفتيش.
ونقلت الصحيفة عن هذه المرأة -التي رفضت ذكر اسمها لدواعٍ أمنية- قولها: "سألوني أين رجلك؟ فقلت بسخرية: وأين من يملكك؟"، في إشارة إلى أنه يتبع قائدًا بالحركة يتحكم فيه.
وأضافت: "لم يكن الأمن جيدًا، لكن لم يكن لدينا أي خوف بشأن ما يجب أن نرتديه... الآن، أصبح السفر صعبًا، ومن المروع أن تذهب بمفردك إلى أي مكان"، متابعة: "لتجنُّب التدقيق عند السفر بالحافلة أو التاكسي المشترك، ترتدي النساء أحيانًا البرقع وتطلب من أي رجل بجوارها التظاهر بأنه معها".
وتوضح الصحيفة أنه طالما اعتمدت أفغانستان -غير الساحلية- التي تفتقر إلى بدائل مثل السكك الحديدية، على طرقها، لافتة إلى أن مدنًا مثل كابل أو هرات، كانت محطات مهمة على طول طرق التجارة القديمة على طريق الحرير، التي سهلت انتشار السلع والأفكار، من الذهب والتوابل إلى البوذية والإسلام.

ابتزاز السكان
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن متشددين إسلاميين جنوبي أفغانستان شكلوا حركة طالبان في تسعينيات القرن الماضي، لانتزاع السيطرة على الطرق من أمراء الحرب، الذين استخدموا نقاط التفتيش لابتزاز السكان وتعنيفهم.
لكن بعد إطاحتهم من السلطة في غزو قادته الولايات المتحدة عام 2001، تبنت طالبان استراتيجيات مماثلة، باستخدام حواجز مؤقتة لفرض ضرائب على الشاحنات ومهاجمة المسؤولين الحكوميين المسافرين أو القوات أو الأجانب، وفقًا للصحيفة.
وأوضحت الصحيفة، أنه بالنسبة للمنظمات الدولية في أفغانستان، غالبًا ما ينطوي السفر أثناء النزاع على التفاوض مع الأطراف المتحاربة لعبور خطوط المعركة بأمان مع الإمدادات مثل الغذاء والدواء.
وتعليقًا على ذلك، نقلت الصحيفة عن فيليب كروب، رئيس الاتصالات في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في أفغانستان، قوله: السفر إلى أي مكان داخل أفغانستان كان محفوفًا بالمخاطر، مشيرًا إلى أنه كان يجب إبلاغ هؤلاء المسلحين بأنهم يحملون مساعدات غذائية، وأنهم ليسوا عسكريين ولا مسلحين ليسمحوا لهم بالمرور.
وحسب الصحيفة، فإنه بين يناير ومايو الماضيين، سجلت الأمم المتحدة انخفاضًا بنسبة 80 في المئة تقريبًا في الاشتباكات المسلحة والانفجارات والحوادث الأمنية الأخرى مقارنةً بالوقت نفسه من العام السابق، وفقًا لتقرير صدر في يونيو تم تقديمه إلى مجلس الأمن التابع للمنظمة.
وبينت أنه بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في يونيو الماضي، تمكن مسؤولو برنامج الأغذية العالمي من السفر ليلاً - وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره- لتسريع إيصال المساعدات إلى المحتاجين.
لكن أجزاءً من البلاد، مثل إقليم بنغشير في الشمال، لا تزال تعاني عدم الاستقرار بسبب تمرد كامن مناهض لطالبان.

مركزية طالبان
وترى "فايننشال تايمز" أن السيطرة على طرق البلاد مركزية أيضًا لمشروع طالبان الاقتصادي، لافتة إلى أنه منذ وصولهم إلى السلطة، شرعوا في تفكيك شبكة واسعة من حواجز الشرطة والجيش، التي تنتشر على الطرق السريعة وتُستخدم لابتزاز التجار والمسافرين.
بينما قدرت دراسة موَّلتها وزارة الخارجية البريطانية -الشهر الماضي- أن نقاط التفتيش هذه جمعت نحو 650 مليون دولار سنويًا في شكل رشاوى.
وأوضحت الصحيفة، أن هذا الأمر ساعد في تخفيف التجارة بالسلع المربحة مثل الفحم، وزيادة الإيرادات الضريبية لحكومة طالبان، التي تعاني ضائقة مالية، كما أنه أزال الفرص للقادة المحليين لتجميع الثروة والسلطة المستقلة من خلال التهريب، ما حد من قدرتهم على تحدي سلطة الحركة المركزية.
ويقول ديفيد مانسفيلد، الباحث ومؤلف الدراسة البريطانية: "بالنسبة للتجار وسائقي الشاحنات، فإن نقاط التفتيش سببت درجة من عدم اليقين، ليس فقط في ما يتعلق بتكلفة الرشاوى، لكن لاحتمال العنف أيضًا"، مضيفًا: "الآن ليست هناك أي عمليات رشاوى أو ابتزاز، وهناك رسالة متسقة مفادها أن الطرق في أفغانستان أكثر أمانًا".
لكن -حسب الصحيفة- تظل هناك عقبة أخرى أمام حركة السفر، بعيدة عن (الرشاوى والابتزاز والخطر الأمني)، تتمثل في هشاشة البنية التحتية، إذ يضطر سائقو الشاحنات والسكان للتنقل عبر (أكوام من الحُفر والطرق غير المعبدة) أثناء سفرهم.
ورغم ذلك، فقد تعهدت طالبان بتحديث شبكات النقل، وقال عصمت الله برهان المتحدث باسم وزارة التعدين: "طُرقنا دُمرت في جميع أنحاء أفغانستان، ومن ثمّ نحن بحاجة شديدة إلى جمع الأموال لإعادة بنائها".
لكن -وفقًا للصحيفة البريطانية- من غير الواضح كيف ستعثر حكومتهم المعترف بها دوليًا على الأموال، إن وجدت، وفي ذلك يقول سميث: "ستكون الطرق أساسية للانتعاش الاقتصادي الضروري للغاية"، مضيفًا: "إنها حقًا مسألة حياة أو موت، إنهم بحاجة إلى إصلاح تلك الطرق لتشغيل تلك الشاحنات واستمرار العمليات التجارية بين المقاطعات".
كانت واشنطن قد جمدت نحو 9.5 مليار دولار من الأصول التي يملكها البنك المركزي الأفغاني، ما عرَّض البلد -الذي يعتمد اقتصاده على المساعدات- للانهيار، حيث لم يُعد باستطاعة الحكومة الأفغانية الجديدة دفع رواتب الموظفين منذ أشهر أو تمويل الواردات.