في أسواق الطاقة... بوتين يكسب الحرب
تحلب موسكو بقرتها النفطية، وتكسب مئات الملايين من الدولارات كل يوم، لتمويل غزو أوكرانيا وشراء الدعم المحلي للحرب، رغم أنف العقوبات الغربية.

ترجمات - السياق
رأت شبكة بلومبرغ الأمريكية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انتصر في ما سمتها (حرب الطاقة)، أمام الغرب، مشيرة إلى أن أزمة الطاقة في أوروبا ستختبر عزم الحكومات الغربية على كبح اعتمادها الرئيس على النفط والغاز الروسيين.
وقالت الشبكة: من الواضح أن الرئيس الروسي يفوز في أسواق الطاقة، رغم العقوبات الغربية الموقعة عليه، بعد قراره بغزو أوكرانيا في فبراير الماضي، مضيفة: "تحلب موسكو بقرتها النفطية، وتكسب مئات الملايين من الدولارات كل يوم، لتمويل غزو أوكرانيا وشراء الدعم المحلي للحرب، رغم أنف العقوبات الغربية".
وأشارت إلى أنه بمجرد بدء العقوبات الأوروبية على صادرات الخام الروسية، من نوفمبر المقبل، ستواجه حكومات المنطقة بعض الخيارات الصعبة، حيث تبدأ أزمة الطاقة في استفزاز المستهلكين والشركات.
ارتفاع التكاليف
وحسب "بلومبرغ" من المقرر أن ترتفع تكاليف الكهرباء للمنازل والشركات الأوروبية منذ أكتوبر المقبل، حيث تسمح الزيادة في دخل النفط لبوتين، بالتضحية بعائدات الغاز وضغط الإمدادات إلى أوروبا.
ومن المرجح أيضًا أن تقفز الأسعار في المملكة المتحدة بنسبة 75%، بينما حذرت مرافق بالبلدية في ألمانيا بالفعل من أن الأسعار سترتفع بما يزيد على 100%.
وأوضحت الشبكة، أن روسيا نجحت في تسليح إمدادات الطاقة، وهو ما يُعرض الحكومات الغربية لضغوط متزايدة لإنفاق المليارات إما لدعم فواتير الأسر، وإما-كما هو الحال في فرنسا- من خلال السيطرة على شركات الطاقة.
ووفقًا للشبكة الأمريكية، فإن الدليل الأول على فوز روسيا في هذه المواجهة -مواجهة حرب الطاقة- هو الوضع المتعلق بحجم إنتاج النفط في روسيا، ففي الشهر الماضي، ارتفع إنتاج البلاد مرة أخرى إلى مستويات ما قبل الحرب، أي بمتوسط 10.8 مليون برميل يوميًا، بانخفاض هامشي فقط من 11 مليونًا تم ضخها في يناير قبل غزو أوكرانيا مباشرةً.
وأضافت: "يوليو كان الشهر الثالث على التوالي للتعافي في إنتاج النفط بروسيا، حيث ارتفع الإنتاج بشكل كبير من أدنى مستوى سجله هذا العام عند 10 ملايين برميل في أبريل، عندما بدأ المشترون الأوروبيون تجنُّب روسيا، وسارعت موسكو للعثور على مشترين جدد"، لافتة إلى أنه بناءً على تقديرات الصناعة، فقد ارتفع إنتاج النفط الروسي قليلاً حتى الآن هذا الشهر.
وأشارت إلى أنه بعد هذا الصراع الأولي، وجدت روسيا عملاء جددًا لمليون برميل يوميًا أو نحو ذلك، بعد أن توقفت مصافي النفط الأوروبية عن الشراء بسبب العقوبات الذاتية.
وحسب الشبكة، يُباع معظم هذا النفط الخام في آسيا -لاسيما الهند- وأيضًا في تركيا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، فضلًا عن أن بعض الدول الأوروبية مازالت تحصل على بعض النفط الروسي بشكل أو بآخر، حيث لا يزال المشترون يشترون الخام الروسي قبل التطبيق المخطط لعقوبات رسمية أوائل نوفمبر.
أمام ذلك، قالت "بلومبرغ": "كل من راهن على أن إنتاج النفط الروسي سيستمر في الانخفاض أخطأ"، إذ إنه رغم أن مسؤولي الحكومات الأوروبية مازالوا يعلنون عزمهم على التخلي عن النفط الروسي، -حيث يجب أن تمتنع أوروبا عن استيراد النفط من روسيا ابتداءً من نوفمبر- فإنهم يعترفون في الأحاديث الخاصة بأن ذلك يشكل خطرًا على اقتصادهم.
سعر النفط
المؤشر الثاني الذي أسهم في فوز بوتين بحرب الطاقة -حسب "بلومبرغ"- هو سعر النفط الروسي في السوق العالمية، مشيرة إلى أن روسيا اضطرت -في البداية- إلى بيع النفط بخصومات ضخمة، لكن في الأسابيع الأخيرة استعادت موسكو إمكانية رفع الأسعار بالاستفادة من العرض المحدود في السوق.
وأضافت: "على الأقل، يبدو أن العقوبات في مجال الطاقة لا تعمل في الوقت الراهن".
ويعد خام إسبو الروسي -وهو فئة من النفط الروسي يباع في الشرق الأقصى- مثالًا جيدًا على الاتجاه الجديد، إذ إنه عند أدنى مستوى له في وقت سابق هذا العام، بيع بخصم بأكثر من 20 دولارًا للبرميل أمام معيار النفط الإقليمي لآسيا إلا أنه في الآونة الأخيرة، تم تداول خام إسبو على قدم المساواة بسعر النفط الإقليمي لآسيا نفسه.
بينما -حسب الشبكة الأمريكية- لا يستفيد خام الأورال -وهو مصدر النفط الروسي الرئيس إلى أوروبا- بقدر استفادة إسبو، حيث كان مشتروه الرئيسيون تقليديًا دولًا مثل ألمانيا بدلاً من الهند، لكنه يتعافى أيضًا في السعر، حيث تم بيعه مؤخرًا بسعر أرخص من 20 إلى 25 دولارًا للبرميل من معيار برنت، بعد تداوله بخصم 35 دولارًا تقريبًا أوائل أبريل الماضي.
وأشارت إلى أنه مع تداول خام برنت بالقرب من 100 دولار للبرميل، ومع قدرة روسيا على تقديم تخفيضات أقل، فإنه سيكون هناك الكثير من الأموال القادمة إلى الكرملين، خصوصًا في الوقت الحالي، قبل تنفيذ عقوبات الطاقة رسميًا في نوفمبر المقبل.
النجاح السياسي
المؤشر الأخير الذي أسهم في فوز بوتين بحرب الطاقة -حسب "بلومبرغ"- هو مقياس سياسي له علاقة بطبيعة السوق.
ووفقًا للشبكة "بالعودة إلى مارس وأبريل الماضيين، كان السياسيون الغربيون متفائلين كثيرًا في توقعاتهم بأن منظمة أوبك، ستتخلى عن التحالف مع روسيا، لكن حدث العكس، إذ إنه بعد وقت قصير من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرياض، طار نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى هناك، وبعد أيام قليلة أعلنت أوبك بلس زيادة طفيفة فقط في إنتاج النفط، وهو ما أبقى الضغط على أسواق الطاقة العالمية فعالًا".
وأشارت إلى أن انتصار روسيا في سوق النفط، يعني أن بوتين يمكنه التخلي عن الإيرادات، عن طريق تقييد مبيعات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، والضغط على برلين وباريس ولندن، التي تستعد لزيادة هائلة في أسعار الطاقة بالتجزئة والنقص المحتمل، الذي قد يؤدي إلى مصاعب خلال الشتاء المقبل.
وبينت أن موسكو تجني الكثير من الأموال من بيع النفط، بحيث يمكنها أن تقيد إمدادات الخام إلى دول أوروبا الشرقية أيضًا، كما فعلت هذا الأسبوع.
أيضًا -حسب الشبكة- يهدد مزيج من الطقس البارد وارتفاع الطلب على الكهرباء وارتفاع الأسعار -في وقت لاحق من هذا العام- بتقويض الدعم الغربي لأوكرانيا، وهو ما قد يضطر السياسيين الأوروبيين، الذين كانوا متحمسين، لدعم كييف بالتراجع قليلًا، لإنقاذ فرصهم في الفوز بين ناخبيهم.
وأوضحت أنه عندما تدخل العقوبات الأوروبية على صادرات النفط الروسية حيز التنفيذ في نوفمبر، ستواجه الحكومات في تلك المنطقة خيارًا صعبًا، لأن أزمة الطاقة ستبدأ التأثير في المستهلكين والشركات الصناعية.