هنري كيسنجر: نعيش الآن عصرًا جديدًا
أي زعيم صيني سيفكر جديًا في كيفية تجنب الوقوع في الموقف الذي وضع فيه بوتين نفسه، ومحاولة تجنب رد عالمي قوي، في حال حدوث أزمة في العلاقات بين بكين والعواصم الغربية

ترجمات – السياق
قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، إن الوضع الجيوسياسي العالمي سيشهد تغيرات، بعد انتهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأضاف: "نحن نعيش الآن عصرًا جديدًا".
وقال كيسنجر، في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وعلاقات أمريكا والصين، إن الظروف قد تجبر القيادة الأمريكية على اتخاذ إجراءات تهدف إلى تغيير الأنظمة في الدول الاستبدادية العدوانية، لكن على واشنطن تجنُّب تداعيات ذلك.
الصين
بداية المقابلة، سأله إدوارد لوس، مراسل "فاينانشيال تايمز" في الولايات المتحدة، عن مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية، في ظل الخلاف الجديد بين واشنطن وموسكو، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، ليرد كيسنجر: "في الوقت الذي بدأت الولايات المتحدة تنفتح على الصين، كانت روسيا العدو الرئيس، وفي الوقت نفسه كانت العلاقة بالصين في أسوأ حالاتها"، مشيرًا إلى أن رؤية الولايات المتحدة حيال الصين -آنذاك- كانت تتمثل بأنه لا يمكن معاملة عدوين لها بالطريقة نفسها.
ورأى أن ما حفَّز على التقارب الأمريكي مع الصين، التوتر الذي حدث بينها وبين روسيا آنذاك، مشيرًا إلى أن رئيس الاتحاد السوفييتي السابق ليونيد بريجنيف لم يستطع أن يتصور أن الصين والولايات المتحدة يمكن أن يجتمعا، إلا أن ماو تسي تونغ مؤسس الجمهورية الصينية -رغم عداءه الأيديولوجي للغرب- كان مستعدًا لبدء المحادثات.
ولدى سؤاله عما إن كان من مصلحة الولايات المتحدة الجيوسياسية التفريق بين الصين وروسيا، قال كيسنجر إن الوضع الجيوسياسي العالمي سيشهد تغيرات بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا، ومن الطبيعي ألا تكون مصالح روسيا والصين متطابقة في كل القضايا.
وأضاف أن الولايات المتحدة ليس في مقدرتها إيجاد العوامل التي تفرق بين الصين وروسيا حاليًا، إلا أنه شدد على أن العوامل والظروف سيكون لها دورها الطبيعي مستقبلًا.
وأوضح أنه بعد انتهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سيكون على موسكو إعادة تقييم علاقاتها بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مشيرًا إلى أنه ليس من الحكمة اتخاذ موقف معادٍ يقرب الطرفين، أي روسيا والصين تجاه أوروبا.
ورأى كيسنجر (الملقب بأبو الدبلوماسية الأمريكية) أنه بمجرد أن تتبنى الولايات المتحدة هذا المبدأ في علاقتها بأوروبا، فإن التاريخ سيوفر الفرص التي تمكن الولايات المتحدة من التقدم.
وأضاف: "هذا لا يعني أن أيًا منهما -روسيا أو الصين- سيصبح صديقًا حميمًا للغرب، وإنما يعني فقط أنه في قضايا معينة عند ظهورها، نترك الخيار مفتوحًا لامتلاك نهج مختلف"، مشددًا على أنه خلال الفترة المقبلة، يجب ألا نجمع روسيا والصين معًا كعنصر متكامل.
الديمقراطية مقابل الاستبداد
وتعليقًا على مبدأ إدارة الرئيس جو بايدن، التي تصوغ التحدي الجيوسياسي الكبير الذي تواجهه، على أنه الديمقراطية مقابل الاستبداد، قال كيسنجر، مستشار الأمن القومي الأمريكي (1969-1675): "علينا أن ندرك أولًا أن هناك اختلافات في الأيديولوجيا والتفسير بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات، ومن ثمّ يجب أن نستخدم هذا الفهم في تحليلنا لأهمية القضايا والمشكلات التي تنشأ، وألا نجعلها نقطة مواجهة رئيسة، ما لم نكن على استعداد لجعل تغيير النظام الهدف الرئيس لسياستنا".
وأضاف: "نظرًا لتطور التكنولوجيا والقوة التدميرية الهائلة للأسلحة الموجودة الآن، يمكن أن تفرض عدوانية الدول الأخرى علينا الرغبة في تغيير هذه الأنظمة، لكن علينا تجنُّب المواقف حين نهيئ هذه الظروف من خلال سلوكنا".
وبسؤاله عن رؤيته لتوابع تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باللجوء إلى الأسلحة النووية، قال كيسنجر، الذي أدار ببراعة الحرب الباردة بين القوتين النوويتين العظميين: "كل من الجانبين يكدس أنواعًا جديدة من الأسلحة المدمرة والمتطورة تقنيًا بشكل متزايد، يمكن أن يؤدي استخدامها إلى كارثة لم يكن من الممكن تصورها".
وأوضح أن المجتمع الدولي يتجنَّب مناقشة (ما يمكن أن يحدث إذا جرى استخدام الأسلحة النووية)، مشددًا على أن هذا التجاهل لن يستمر طويلًا، إذ ستأتي حقبة جديدة، سيصبح هذا الأمر الذي جرى تجاهله -حتى الآن- حتمًا أحد مواضيع الأجندة الدبلوماسية والعسكرية الجديدة، مؤكدًا أن ذلك سيكون حينها تحديًا كبيرًا.
الخط الأحمر
وعن رؤيته لحدود بوتين بشأن استخدام الأسلحة النووية، قال كيسنجر: "التقيت بوتين كطالب للشؤون الدولية مرة واحدة في السنة ربما لمدة 15 عامًا لإجراء مناقشات استراتيجية أكاديمية بحتة، وظننت أن معتقداته الأساسية كانت نوعًا من الإيمان الصوفي في التاريخ الروسي، وأنه شعر بالإهانة ليس فقط لسقوط الاتحاد السوفييتي، وإنما أيضًا لمحاولات توسع حلف الناتو، ليأكل الدول التي كانت يومًا جزءًا من هذا الاتحاد، لكن مع ذلك لم أكن لأتوقع هجومًا بحجم الاستيلاء على دولة معترف بها".
وأضاف: "أعتقد أن بوتين أخطأ في تقدير الموقف الذي واجهه دوليًا، ومن الواضح أنه أخطأ في تقدير قدرات روسيا في الحفاظ على هذا المشروع الكبير"، داعيًا الغرب إلى ضرورة التفكير في المدة التي قد يستغرقها بوتين للوصول إلى المرحلة النووية، وكيفية استخدامها.
ولم يحدد كيسنجر، ما إذا كان من الممكن الوصول إلى (النقطة النووية) -في حالة لجوء بوتين إليها- متسائلًا: "هلسيتصاعد الموقف مع استخدام أسلحة لم تُستخدم منذ 70 عامًا، أم أنه سيقبل نتائج انتصار أوكرانيا من دون تبرير استخدام الأسلحة التي يمكن أن تنهي الحرب بنتيجة مختلفة؟، مضيفًا: "الغرب بحاجة إلى التفكير في كيفية الرد على قرار بوتين المحتمل باستخدام أسلحة نووية، لأن ذلك لا يمكن قبوله بأي حال".
ولدى سؤاله عن الدروس التي تستخلصها الصين من الموقف الروسي، قال كيسنجر: "أظن أن أي زعيم صيني سيفكر جديًا في كيفية تجنُّب الوقوع في الموقف الذي وضع فيه بوتين نفسه، ومحاولة تجنُّب رد عالمي قوي، في حال حدوث أزمة في العلاقات بين بكين والعواصم الغربية".