هل استخدام الأسلحة النووية لا يزال من المحرمات؟
رأت نينا تانينوالد، أن الخوف من اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا عاد بقوة، مشيرة إلى أنه نتيجة للغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا والتهديدات النووية المزعجة التي أطلقها المسؤولون الروس، أصبح العالم أقرب إلى استخدام الأسلحة النووية، بدافع من اليأس أو بالخطأ أو بسوء تقدير.

ترجمات - السياق
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الخامس، وسط مخاوف من تطورها إلى حرب مباشرة بين موسكو والغرب، ممثلًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تساءلت محاضرة العلوم السياسية في الجامعات الأمريكية، نينا تانينوالد عن احتمال دخول العالم في حرب نووية؟
واستهلت تانينوالد تحليلها في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، بالإشارة إلى كاريكاتير نشرته مجلة نيويوركر في مارس 1990، للرسام جاك زيغلر، يُظهر مسؤولاً تنفيذيًا يجلس على مكتبه، بينما يدخل العامل المكتب يحمل قنبلة كبيرة ذات زعانف، ويقول المسؤول التنفيذي: "أحضر القنبلة الهيدروجينية هنا... هل يمكنك أن تضعها في صندوق خارجي؟ فيرد العامل: بالتأكيد أيها الرئيس".
وبينّت الكاتبة أن صورة وضع القنبلة النووية "في الصندوق الخارجي" كانت رمزًا للأمل الذي كان لدى كثيرين في ظهور حقبة جديدة من التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، حيث انحسر حينها الخوف من اندلاع حرب نووية بين القوتين العظميين في العالم، وأعرب كثيرون عن أملهم بأن الأسلحة النووية -رغم أنها ستظل موجودة- لن تكون مركزية في السياسة الدولية، خصوصًا بعد أن أعلن ميخائيل جورباتشوف، الزعيم الأخير للاتحاد السوفييتي، في يونيو 1991 أن "خطر نشوب حرب نووية عالمية اختفى عمليًا".
عودة الخوف
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على هذا الحدث، فإن تانينوالد رأت أن الخوف من اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا عاد بقوة، مشيرة إلى أنه نتيجة للغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا والتهديدات النووية المزعجة التي أطلقها المسؤولون الروس، أصبح العالم أقرب إلى استخدام الأسلحة النووية، بدافع من اليأس أو بالخطأ أو بسوء تقدير..
ورأت الأكاديمية الأمريكية -مؤلفة كتاب المحرَّمات النووية- أن الحرب الروسية الأوكرانية تذكير قاسٍ ببعض الحقائق عن الأسلحة النووية، التي تؤكد أن هناك حدودًا للحماية يوفرها الردع النووي.
وأشارت إلى أن العديد من القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين، وكثيرًا من العامة، توقعوا أو انتابهم خوف -خلال العقود الأولى من انتهاء الحرب العالمية الثانية- من العودة إلى استخدام الأسلحة النووية، لافتة إلى أن القصف النووي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، جعل أهوال القصف الذري مرئية للجميع.
وبينت أنه مع تغلغل فكرة أن الحرب النووية يمكن أن تحدث في أي لحظة داخل المجتمع الأمريكي، فقد بُنيت سراديب ضد الإشعاعات النووية تحت العديد من المباني التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، بما في ذلك المدارس والمطارات وحتى الفنادق الصغيرة (النُزل).
وأمام ذلك، أصبحت التعليمات الخاصة بـ "التستر والغطاء" في حال هجوم نووي (بدلاً من الركض إلى نافذة للنظر إليها) جزءًا من تدريبات الدفاع المدني الأمريكية، التي تم تشجيع كل أمريكي، بما في ذلك أطفال المدارس، على ممارستها.
وذكرت أن هوليود قدمت أفلام خيال علمي مثل (على الشاطئ) تصور فيها كم الرعب الذي سيعيشه العالم جراء نشوب حرب نووية محتملة.
ما لا يمكن تصوره
وعن إمكانية أن يعيش العالم حربًا نووية محتملة، بيّنت تانينوالد أن عددًا من الاستراتيجيين والعسكريين، مثل الأمريكي هيرمان كان -الخبير الاستراتيجي في مركز راند- حاولوا إقناع الناس بضرورة التفكير في ما لا يمكن تصوره، أي بكيفية خوض حرب نووية مع البقاء على قيد الحياة.
وأوضحت أن أحداثًا مثل أزمة الصواريخ الكوبية جعلت تلك المخاوف حقيقية، فعلى مدى 13 يومًا في أكتوبر 1962، كان العالم أقرب ما يكون إلى حرب نووية، بل واعتقد كثيرون في ذلك الوقت أن العالم على وشك أن ينتهي جراء الإشعاعات الذرية الناجمة عن الانفجارات النووية.
وأمام تلك المخاوف، نشطت خلال الفترة نفسها -حسب الكاتبة- قواعد ضبط النفس، وظهر مصطلح حظر الاستخدام الأول للأسلحة النووية، نتيجةً لمصالح استراتيجية ومخاوف أخلاقية، إذ نشطت حركة شعبية عالمية مناهضة للأسلحة النووية، إلى جانب الدول غير النووية والأمم المتحدة، لوصم الأسلحة النووية بأنها أسلحة دمار شامل غير مقبولة.
ورضوخًا لهذه المخاوف، سعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إلى إبرام اتفاقيات للحد من التسلح من أجل المساعدة في استقرار "توازن الرعب"، كما ساهمت قواعد ضبط النفس في إرساء تقاليد بعدم استخدام الأسلحة النووية، وهو إرث امتد قرابة 77 عامًا حتى الآن، ويُعد أهم سمة في العصر النووي، حسب وصف الأكاديمية الأمريكية.
تغير المفاهيم
وبينت تانينوالد، أن المفاهيم تغيرت، إذ إن معظم اتفاقيات الحد من هذه الأسلحة تم تمزيقها، وعادت الدول النووية للدخول في سباق تسلح باهظ التكلفة، حتى أن العالم يعيش حاليًا فترة من التجاوزات النووية بدلًا من ضبط النفس.
وتضيف الكاتبة، أن هذه التغيرات تقودنا إلى اللحظة الراهنة، حيث يقفز سؤال كبير فجأة إلى أذهان الجميع: هل يشارك القادة الروس الجميع المحرمات نفسها من هذه الأسلحة؟ وهل يلجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استخدام سلاح نووي في حربه ضد أوكرانيا؟
وتجيب أستاذة العلوم السياسية عن هذه الأسئلة: إن بوتين يريد بالتأكيد أن يعتقد العالم، خصوصًا الولايات المتحدة، أنه قد يفعل ذلك، مشيرة إلى أنه في اليوم الذي أعلن فيه بدء عمليته العسكرية في أوكرانيا، حذر من أن أي دولة تحاول التدخل في الحرب ستواجه "عواقب لم تشهدها في تاريخها"، وهو ما عدَّه كثيرون تهديدًا نوويًا مستترًا.
إلا أن الأكاديمية الأمريكية، رأت أنه قد يكون المقصود من تلك التهديدات، ردع حلف الناتو أكثر من كونه تلويحًا باستخدام الأسلحة النووية فعلًا، ذلك أن روسيا لم ترفع مستوى التأهب لقواتها النووية حتى الآن.
وأشارت إلى أنه رغم أن المسؤولين الروس يدركون جيدًا أن أي استخدام للأسلحة النووية ستكون له عواقب وخيمة على روسيا وبوتين نفسه، فإن خطر استخدام الزعيم الروسي لسلاح نووي ليس منعدمًا، فكلما طال أمد الحرب زادت تلك المخاطر.
واستشهدت الكاتبة بتصريح لأناتولي أنتونوف، سفير روسيا لدى الولايات المتحدة، أوائل مايو الماضي: "بلدنا هو الذي اقترح في السنوات الأخيرة بإصرار على زملائه الأمريكيين تأكيد أنه لا يمكن أن يكون هناك رابحون في حرب نووية، وبذلك ينبغي ألا تحدث".
رد الغرب
أما بخصوص رد الغرب على احتمال لجوء روسيا لاستخدام السلاح النووي، فبينّت تانينوالد أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لم يردا بالمثل على تصريحات المسؤولين الروس، التي تحمل في طياتها تهديدات نووية، لافتة إلى أن كل ما قامت به واشنطن و"الناتو" هو إرسال كميات ضخمة من الأسلحة التقليدية إلى أوكرانيا، وتوعدا بملاحقة المتورطين بارتكاب جرائم في الحرب الروسية.
وأشارت إلى أنه رغم الدعوات من هنا وهناك داخل الولايات المتحدة، لإقامة "منطقة حظر جوي" فوق أوكرانيا أو بعض أجزائها، فإن إدارة بايدن قاومت ذلك بحكمة، لافتة إلى أن إقامة هذه المنطقة من الناحية العملية تعني إسقاط طائرات روسية، ما قد ينذر بإشعال حرب عالمية ثالثة.
ومع ذلك -تضيف الكاتبة- فإنه مع استمرار الحرب، قد تكون الولايات المتحدة تخطو نحو حرب موسعة، وأكثر خطورة، وهي لا تشعر، مشيرة إلى أن ضعف أداء الجيش الروسي أغرى صقور وزارة الدفاع الأمريكية بتغيير الأهداف، من مجرد المساعدة في منع هزيمة أوكرانيا، إلى إضعاف روسيا.
إلا أن الأكاديمية الأمريكية، رأت أن استخدام الحرب الروسية الأوكرانية، لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، لعبة خطرة، محذرة من أنها قد تكون بداية (لحرب نووية محتملة).
ولتوضيح المخاطر النووية، نوهت الأستاذة الجامعية إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية تذكر ليس فقط بفوائد الردع النووي، ولكن أيضًا بالمخاطر والقيود الكبيرة للردع النووي.
وأشارت إلى أنه من المحتمل أن يكون الردع قد منع روسيا من توسيع الحرب لتشمل دول الناتو مثل بولندا ورومانيا، لافتة إلى أنه بينما منعت الترسانة النووية الروسية، الناتو من التدخل بشكل مباشر، إلا أنها فشلت أيضًا في مساعدة روسيا بالاستيلاء على أراضٍ مهمة في أوكرانيا أو السيطرة عليها أو إجبار كييف على الاستسلام.
وشددت الكاتبة على أن الأهم من ذلك أن الحرب تذكر بأن العالم (ليس لديه أي فكرة حاليًا) عما قد تؤول إليه الأوضاع في حال استخدام سلاح نووي.
وأمام هذه المخاطر قالت تانينوالد المحاضرة في العلوم السياسية بجامعة براون ومؤلفة كتاب "المحرمات النووية": "لا نعرف بالطبع ما يدور في رأس بوتين، لكن القلق هو أنه إذا استمرت الحرب بشكل سيئ بالنسبة لروسيا، فقد يلجأ إلى استخدام سلاح نووي تكتيكي - مثل إطلاق قنبلة منخفضة القوة مصممة للاستخدام في ساحة المعركة- بدافع الإحباط، وهو ما يزيد خطر المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا (نوويًا).