السودان... ما وراء دعوة البرهان للحوار وانسحاب الجيش؟
قالت أسماء الحسيني، في تصريحات للسياق، إن المأزق الحالي الذي يضع السودان كله، حاضره ومستقبله على المحك، يحتم على الجميع العمل للخروج منه، أو الدخول في نفق مظلم، مشيرة إلى أنه على كل القوى التفاعل.

السياق
مهمة صعبة للغاية ومأزق وجدت القوى السياسية في السودان نفسها فيه، بعد إعلان القوات المسلحة انسحابها من العملية السياسية، تاركة المجال لتلك القوى، لتشكيل حكومة مدنية تقود البلد الإفريقي إلى انفراجة.
تلك المهمة ازدادت صعوبتها، بعد أن وضع الجيش السوداني الكرة في مرمى القوى السياسية، ما يجعلها أمام اختبار لا هوادة فيه، مآله التوافق أو التنحي جانبًا وعدم إثارة القلاقل، وترك المجال أمام من يستطيع قيادة البلاد إلى بر الأمان.
ففي خطاب رسمي، دعا الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، القوى المدنية لإجراء حوار في ما بينها، لتشكيل حكومة مدنية، ينسحب إثرها الجيش من العملية السياسية.
إلا أن هذه الدعوة أثارت العديد من التساؤلات عن أسبابها وقدرة القوى المدنية على التوافق في ما بينها لتشكيل حكومة كفاءات، تنقذ البلاد من الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية.
مأزق للجميع
إلى ذلك، قالت أسماء الحسيني مديرة تحرير صحيفة الأهرام المصرية، المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية، إن الوضع المأزوم في السودان، مأزق للقوى السياسية والعسكريين.
وأوضحت- في تصريحات لمنصة «السياق»- أن المأزق الحالي الذي يضع السودان كله، حاضره ومستقبله على المحك، يحتم على الجميع العمل للخروج منه، أو الدخول في نفق مظلم، مشيرة إلى أنه على كل القوى التفاعل.
وذكرت أن دعوة البرهان، ألقت الكرة في ملعب القوى المدنية، التي بينها: قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وتجمع المهنيين وأحزاب أخرى، شكلت ما تسمى «قوى الثورة» وقوى أخرى متحالفة مع العسكريين الحاليين أو كانت متحالفة مع النظام السابق.
وأكدت أن عدم تحديد دعوة البرهان طبيعة القوى المدنية، يجعل الآلية الثلاثية -التي تشرف على الوساطة- في مهمة صعبة للغاية، لأنها ستكون أمام العديد من القوى، وفي ظل مطالب متباينة، ما يعقد الوضع.
المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية، قالت إنه إذا عمدت ما تسمى قوى الثورة إلى رفض عرض الفريق البرهان واختارت التصعيد، ستكون الأمور التي هي مفتوحة على كل الاحتمالات «في غاية التوتر»، مشيرة إلى أن هناك قطاعات واسعة من الشعب السوداني تصر على حكومة مدنية ديمقراطية تقود البلاد في الفترة الانتقالية، وتمهد لانتخابات حرة ونزيهة، ما يجعل الصراع على أشده.
سيناريوهات كارثية
وتوقعت أسماء حدوث سيناريوهات وصفتها بـ«الكارثية» إذا لم يتم تدارك الوضع الحالي الذي أصبح على حافة الهاوية، مشيرة إلى أن هناك مخاوف من الانزلاق إلى الفوضى.
إلا أنها قالت إن أكثر ما يعيق التوصل إلى حل، أزمة الثقة العميقة بين هذه القوى المدنية والعسكريين، وبين الشارع الذي يخرج للتظاهر بشكل شبه يومي والقوى المدنية التي تصر على تحقيق أهدافها شيئا فشيئًا.
وأشارت إلى أن البعض يرى خطاب البرهان، تنازلًا تحت وطأة الحراك الشعبي، إلا أن قوى مدنية تعده تحولا تكتيكيًا أو مناورة أو مراوغة جديدة، لتكريس الأوضاع لصالح العسكريين.
ولم تغفل أسماء الحسيني وجود ضغوط خارجية من أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول «الترويكا»، التي قالت إنها «تحاصر» السودان منذ قرارات الفريق البرهان في 25 أكتوبر الماضي، وتطالبه بتشكيل حكومة مدنية.
تحول تكتيكي
هاني الأعصر المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات (مؤسسة مستقلة مصرية)، وافق أسماء الحسيني في تصريحاتها، مؤكدًا أن دعوة البرهان محاولة لامتصاص غضب القوى المدنية واحتواء الموقف، خاصة بعد التصعيد وارتفاع ضحايا الأحداث الأخيرة، مشيرًا إلى أنها محاولة من الجيش لاحتواء الاحتقان وتخفيف حدة الصراع.
وتوقع المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات، صعوبة إعادة الثقة بين القوى السياسية والجيش، خاصة أن القوى المدنية تزعم أن إطلاق المكون العسكري هذه المبادرة، جاء تحت ضغوط.
وأشار إلى أنه من الصعوبة بمكان أن يشهد السودان تحولات راديكالية في مسار العملية السياسية، فالنخب السياسية قوية ولها وزن في الشارع السياسي، وليست مجرد شكل كحالة غيرها من الدول العربية، لذا فمن الصعب انتهاء دور القوى السياسية السودانية لمجرد رغبة المكون العسكري في ذلك.
تباين المواقف المدنية
من جهة أخرى، قال الدكتور محمد عبدالكريم أحمد، منسق أبحاث وحدة إفريقيا في معهد الدراسات المستقبلية ببيروت في تصريحات لـ«السياق» إن هناك قبولًا بدعوة البرهان من حزبي الأمة والاتحادي، مشيرًا إلى أن هناك أحزابًا أخرى قبلت دعوته ودعت إلى البناء عليها.
وعن موقف الحرية والتغيير، قال عبدالكريم إنه مرتبط بحسابات أخرى معقدة، بعضها يتعلق بمواقف قوى خارجية ليس لها مصلحة في استقلال السودان أو وجود جيش قوي بها، متوقعًا أن تغير موقفها خلال الفترة المقبلة.
وشدد منسق أبحاث وحدة إفريقيا في معهد الدراسات المستقبلية ببيروت، على أن القوى المدنية في السودان لها دور كبير من قبل الاستقلال، إلا أن بعض القوى المدنية -مثل الحرية والتغيير- لن يكون لها دور في المرحلة المقبلة، حال استمرارها في التمسك بموقفها الذي وصفه بـ«الغريب».
وأشار إلى أن مطالبتها بإخراج الجيش من الحكومة تمامًا وتهميشه، أمر صعب جدًا في حالة السودان، مؤكدًا أنه ليس من مصلحة الدولة ولا مصلحة القوى المدنية أن يتم ذلك.
عبدالكريم قال إن خطاب البرهان وضع القوى أمام مسؤولياتها، وجعلها مطالبة بتكوين حكومة كفاءات وطنية، مؤكدًا أن بعضها بدأت بالفعل البناء على خطاب البرهان والدفع نحو الحل.
وتوقع إمكانية حدوث تسوية سياسية بالخريطة التي وضعها البرهان، التي قال إنها مناسبة جدًا للمرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أن السودان ليس أمامه بديل، والسوادني لن ينساق وراء دعوات تهميش الجيش.