كيف تستطيع أوكرانيا كسر حصار روسياعلى البحر الأسود؟

أوكرانيا حققت بالفعل العديد من الانتصارات البحرية، حيث أغرقت سفينة أسطول البحر الأسود الروسي

كيف تستطيع أوكرانيا كسر حصار روسياعلى البحر الأسود؟

ترجمات - السياق

منذ بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا وموسكو تحكم حصارها على الموانئ الأوكرانية، التي تضج بالبواخر المحملة بالحبوب، ما أحدث أزمة عالمية في الغذاء، إثر تضرر دول كبيرة من نقص إمدادات القمح والذرة وغيرهما، إذ إن كييف من أبرز المصدِّرين لها.

إلى ذلك تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن إمكانية كسر أوكرانيا للحصار الروسي على البحر الأسود، مشيرة إلى أن حصار الحبوب الذي تفرضه روسيا كارثة عالمية، إلا أنه يمكن كسره من دون تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وقالت المجلة -في تقرير- إنه منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والحكومات الغربية الأخرى حريصة -بشكل قاطع- على حصر الحرب في حدود أوكرانيا والبحر الأسود المجاور، وألا تفعل أي شيء يمكن تفسيره على أنه مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا.

وأشارت إلى أن هذا الخيار، تضمن اختيار أنواع الأسلحة التي قدمتها الدول الغربية إلى كييف، إذ إنه بدلاً من تجهيز أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة (المدفعية بعيدة المدى والقوة الجوية والدفاع الجوي)، أرسلت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي صواريخ قصيرة المدى ومدفعية وطائرات من دون طيار صغيرة، وهي تقريبًا الأسلحة نفسها التي تستخدمها القوات الروسية.

وبينّت أنه رغم أن القوات المسلحة الأوكرانية أوقفت التقدم المبكر لروسيا، فإن تأخر تقديم الأسلحة الثقيلة المناسبة تسبب في تسريع وتيرة السيطرة الروسية على شرقي وجنوبي أوكرانيا.

سحق البلدات

ورأت "فورين بوليسي" أن الاستراتيجية التي اتبعها الغرب تجاه أوكرانيا -من تأخر دعمها بالأسلحة الثقيلة- حكمت على كييف بدخول (حرب دائمة)، وأوقعها تحت قصف مدفعي روسي لا هوادة فيه -على غرار الحرب العالمية الثانية- يعمل على سحق البلدات والقرى الأوكرانية واحدة تلو الأخرى.

وأضافت أن الدعم الأخير ببعض الأسلحة الأكثر فاعلية -مثل أنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة (هيمارس) وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة (إم إل أر إس)- لم يغير -بشكل جذري- استراتيجية الدعم الغربية أو قدرات أوكرانيا على الجبهة.

حصار الحبوب

الجانب السلبي الآخر الأكثر أهمية لاستراتيجية الغرب في الصراع بأوكرانيا -حسب المجلة الأمريكية- أنها سمحت لروسيا بحصار نحو 25 مليون طن من الحبوب في الصوامع الأوكرانية، ما يخاطر بحدوث كارثة اقتصادية وإنسانية عالمية.

وأشارت المجلة، إلى أن موسم الحصاد الجديد بدأ في أوكرانيا، لافتة إلى أنه مع استمرار عدم شحن الكثير من المحصول القديم، لا يوجد مكان للمزارعين في أوكرانيا لتخزينه.

وذكرت أنه رغم أن كييف نقلت بعض الحبوب برًا واقترحت مرافق تخزين جديدة، فإنه لم يكن أي من الخيارين كافيًا لنقل البضائع إلى الأسواق الدولية على نطاق واسع، وتحرير التخزين للحصاد الجديد، لافتة إلى أنه على العكس من ذلك ، فإن معظم الحبوب الأوكرانية التي تعرض في السوق، هي تلك التي نهبتها روسيا وشحنتها من شبه جزيرة القرم أو عبر بحر آزوف، إلى دول مثل سوريا، على حد وصف الصحيفة.

ووفقًا للبنك الدولي، فإن الحصار البحري الروسي يُعد سببًا رئيسًا لتوقع أن يعاني نحو 40 مليون شخص في العالم انعدام الأمن الغذائي هذا العام، مقارنة بالذروة السابقة عام 2020.

ارتفاع الأسعار والتضخم

وبالفعل -حسب المجلة الأمريكية- تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والخبز، إلى جانب تضخم أسعار الوقود، في اضطرابات مدنية بجميع أنحاء العالم النامي، مشيرة إلى أنه رغم إدراك إدارة بايدن لهذه المخاطر، فإن واشنطن وشركاءها في "الناتو" غير مستعدين لاتخاذ خطوة ملموسة واحدة من شأنها تحرير الصادرات الأوكرانية، ومنع وقوع كارثة في العالم النامي، وحماية أوروبا من التداعيات الهائلة المحتملة.

هل تستطيع أوكرانيا؟

وبينت "فورين بوليسي" أن أوكرانيا حققت بالفعل العديد من الانتصارات البحرية، حيث أغرقت سفينة أسطول البحر الأسود الروسي "موسكفا" إضافة إلى العديد من السفن البرمائية، مشيرة إلى أنها حققت ذلك من خلال استغلال صور الأقمار الاصطناعية التجارية وشبكات ستارلينك وطائرات بيرقدار تي بي2 التركية وصواريخ نبتون وغروم المنتجة في أوكرانيا.

جزيرة الأفعى

وأشارت إلى أنه خلال الأسبوع الماضي، استخدمت القوات الأوكرانية المدفعية التي قدَّمها الغرب، لدفع الروس بعيدًا عن جزيرة الأفعى، حيث يمكن لأوكرانيا وضع صواريخ نبتون أو صواريخ هاربون المضادة للسفن التي قدَّمتها الدنمارك، لتهديد أسطول البحر الأسود وحماية الجزيرة من الوقوع مرة أخرى في أيدي الروس.

ولكن -تضيف المجلة- حتى مع وجود جزيرة الأفعى كنقطة انطلاق، فإن الصواريخ الأوكرانية يمكن أن تغطي الثلث الأول فقط من رحلة السفينة الحاملة للحبوب، التي تبلغ 300 ميل من أوديسا إلى مضيق البوسفور، إذ تحتاج أوكرانيا إلى أسلحة ذات مدى أطول، لحماية سفن الشحن من أسطول البحر الأسود، البالغ عددها عشرين فرقاطة وطرادات وغواصات من طراز كيلو.

حرب مباشرة بين الغرب وروسيا

وأمام هذه المعضلة، اقترحت بعض الأصوات البارزة، مثل رئيس "الناتو" السابق أندرس فوغ راسموسن، حل هذه المشكلة عن طريق مرافقة السفن التجارية الأوكرانية مع السفن الحربية الأمريكية أو التابعة لـ "الناتو"، ومع ذلك، رفضت إدارة بايدن هذا الخيار للسبب نفسه الذي جعلها ترفض فرض منطقة حظر طيران فوق كييف، وهو الخوف من اندلاع حرب مباشرة مع روسيا.

السبب الثاني، الذي يجعل هذا الخيار محظورًا -حسب المجلة الأمريكية- أن المواجهة المباشرة بين "الناتو" وروسيا إذا بدأها الغرب ستشكل ضغطًا شديدًا على وحدة الحلف، لأن التصعيد يمثل خطًا أحمر أكبر في العديد من العواصم الأوروبية، بما في ذلك برلين.

ثالثًا: من غير المحتمل أن تسمح تركيا -التي تسيطر على مضيق البوسفور، المدخل الوحيد إلى البحر الأسود- للسفن الحربية الغربية بالمرور، حيث أغلقت أنقرة المضيق في فبراير الماضي، أمام السفن العسكرية غير المتمركزة بشكل دائم في البحر الأسود، بما في ذلك التعزيزات البحرية الروسية من بحر البلطيق أو أساطيل أخرى.

هل هناك حل؟

أوضحت "فورين بوليسي" أن هناك طريقة أخرى أكثر حذرًا، للمضي قدمًا نحو تحرير الحبوب الأوكرانية، مشيرة إلى أنه بدلاً من تحدي الأسطول الروسي في البحر الأسود بمقاتلي "الناتو"، يجب على إدارة بايدن تزويد أوكرانيا بأي معدات عسكرية ستأخذها لحماية ممرات الشحن الخاصة بها، خاصة الطائرات من دون طيار.

وأشارت إلى أنه بعد تزويد كييف بنظام هيمارس و إم إل آر إس، لم يغير نقل الطائرات من دون طيار بشكل كبير نهج الولايات المتحدة في تقديم المساعدة الأمنية، بعيدًا عن أي احتكاك مباشر بموسكو، لافتة إلى ملحوظة مهمة، أن النقل الأخير لأسلحة أكثر فاعلية إلى أوكرانيا من قِبل الولايات المتحدة وفرنسا ودول غربية أخرى، لم يدفع روسيا إلى تصعيد الصراع ضد "الناتو".

وبينت، أنه يمكن للطائرات الأربع من دون طيار (جنرال أتوميكس MQ-1C غراي إيغل) التي أعلنت عنها إدارة بايدن، كجزء من أحدث حزمة مساعدات بـ 40 مليار دولار لأوكرانيا، أن تكسر الحصار الروسي، مشددة على أنه يمكن لهذه الطائرات ذات الأجنحة الثابتة - قرابة ضعف حجم طائرة بيرقدار ومسلحة بصواريخ هيلفاير القوية أو القنابل الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي- أن تطير 25 ساعة بسرعة 160 عقدة، ما يمنحها المدى والفتك الكاملين، لتطهير ممرات العبور في ميناء أوديسا ومضيق البوسفور من السفن الحربية الروسية.

لكن -تضيف المجلة- ما قد يكون مصدر قلق آخر وهو النطاق الكبير لطائرات غراي إيغلز، مشيرة إلى أنه كان هناك إجماع غير رسمي بين الحلفاء الغربيين، على عدم إعطاء أوكرانيا أسلحة يمكن أن تضرب الداخل الروسي، ما يعكس رغبة "الناتو" في احتواء الحرب، لافتة إلى أنه إذا التزمت واشنطن بهذا الإجماع، يتعين على أوكرانيا الموافقة على عدم استخدام (غراي إيجلز) لمهاجمة الأراضي الروسية.

ورأت أن "غراي إيجلز" ستسمح لأوكرانيا بحماية شحناتها بالطريقة نفسها التي تحمي بها (إم كيو-1 بريداتور) اللوجستيات والقوافل الأخرى في العراق وأفغانستان.

الغواصات الروسية

في ما يخص مواجهة تهديد الغواصات الروسية، أشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه يمكن لعوامات من طائرات (بوينغ بيه-8 بوسيدون) التي تعمل من رومانيا، تمرير معلومات الاستهداف إلى الأوكرانيين، وهو ما سيكون امتدادًا لتبادل المعلومات الاستخباراتي المستمر لحلف شمال الأطلسي.

كما يمكن -حسب المجلة- أن تهاجم "غراي إيجلز" الغواصات بقنابل موجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، وهي أقوى وأكثر دقة من شحنات العمق، وهي تقنية نابعة من الحرب العالمية الثانية، لافتة إلى أنه حتى لو لم تُغرق هذه القنابل الغواصات الروسية، من المحتمل أن تلحق الضرر بها وتتسبب في مغادرتها للمنطقة، ما يسمح لقافلة الحبوب بالمرور بأمان إلى وِجهتها المحتملة.