فورين بوليسي: الصين هي التحدي الأكبر للغرب... والمعركة المقبلة بينهما في إفريقيا
قرروا تخصيص 600 مليار دولار لتمويل تطوير البنية التحتية في إفريقيا وأجزاء أخرى مما يسمى العالم النامي

الصين هي التحدي الأكبر للغرب والمعركة القادمة بينهم في إفريقيا
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن أكبر استفادة خرجت بها قمة الناتو، التي عُقدت الأسبوع الماضي في مدريد، نظرة التجمع العسكري الغربي صراحةً إلى الصين باعتبارها "تحديًا" لتحالف تأسس لمواجهة قوة عظمى لعصر آخر (الاتحاد السوفييتي)، مشيرة إلى أنه أمام هذا التحدي على أعضاء الحلف، خصوصًا الولايات المتحدة، الاهتمام أكثر بإفريقيا التي تولي بها بكين اهتمامًا خاصًا.
وأشارت إلى أنه قبل أيام، أعلن أعضاء مجموعة السبع -خلال اجتماعهم في ألمانيا- أن الولايات المتحدة وشركاءها الأوروبيين قرروا تخصيص 600 مليار دولار لتمويل تطوير البنية التحتية في إفريقيا وأجزاء أخرى مما يسمى العالم النامي.
وأوضحت أن القرار الجديد -رغم عدم الاهتمام به إعلاميًا هذا الأسبوع بالشكل اللائق- فإنه اتُخذ بسبب القلق من توسيع الصين لنفوذها، وحاجة الغرب الملحة لمواجهة (مبادرة الحزام والطريق) الصينية في القارة السمراء، التي قيل إن بكين تحشد لها تريليونات الدولارات.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال هذه القمة التي عُقدت في ألمانيا: "هذه المبادرة ستظهر الفائدة الملموسة للشراكة مع الديمقراطيات"، مضيفًا: "هذه ليست مساعدة ولا صدقة، وإنما فرصة لنا لمشاركة رؤيتنا الإيجابية للمستقبل".
وشدد على أن الهدف هو أن تعمل الولايات المتحدة على توفير 200 مليار دولار، بينما توفر بقية دول مجموعة السبع 400 مليار دولار أخرى بحلول عام 2027.
الموقف الأوروبي
وبينت "فورين بوليسي" أنه مع التحدي السياسي المتمثل في التمسك بموقف موحد تجاه روسيا -بقدر ما هو شجاع- سيرى الكثيرون فكرة طرح اتفاق أمني غربي مشترك ذات مغزى، لمواجهة قوة الصين المتزايدة ونفوذها، في أي وقت قريب، خيالية.
وأشارت إلى أنه مقارنة بروسيا المجاورة، تبدو الصين بعيدة جدًا عن الأوروبيين، وأن ظهورها كشريك تجاري رائد ومصدر كبير للاستثمار يجعل الأوروبيين حذرين من استعدائها.
وأوضحت المجلة، أنه بصرف النظر عن تقديم بكين الدعم المعنوي والاقتصادي لروسيا، إلا أنه طالما أنها لا تهدد أوروبا بشكل مباشر، وليس هناك سبب كافٍ لتوقع حدوث ذلك، فلن تكون هناك رغبة كبيرة في أوروبا للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، لتوقيع اتفاقية دفاع مشترك ضدها.
ورأت أن الأمر الأكثر استحقاقًا للتشكيك، هو الحاجة إلى إشراك الدول الغربية الغنية، كلاعبين رئيسين في تمويل البنية التحتية، وتوفير السلع الدولية الأخرى لمواجهة الصين، لافتة إلى أن "سجل هذه الدول الأخير مليء بالوعود الفارغة".
واستشهدت المجلة، بعدد من الاتفاقات التي لم تر النور، أحدثها ما أطلق عليها "إعادة بناء عالم أفضل" التي كانت من بايدن نفسه قبل عام تقريبًا، متسائلة: "من يستطيع أن يتذكرها اليوم ولماذا؟"، لافتة إلى أنها وضعت في الأدراج كغيرها من المبادرات، التي نادت بضرورة توحد الغرب ضد الصين.
في المقابل -حسب المجلة- بينما تواصل الصين توسيع وتكييف مشروعها (الحزام والطريق)، فإن الاتفاقات الأمنية الغربية تذهب طي النسيان، مثل اتفاق (شبكة النقطة الزرقاء)، وهي مبادرة وقعت عام 2019 من قِبل الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، ومبادرة طريق الحرير الجديد، وهو المخطط الذي روَّجت له الولايات المتحدة عام 2011، وقُدِّم قبل نحو عامين من توقيع الرئيس شي جين بينغ لمشروع (الحزام والطريق) الصيني.
ونقلت المجلة عن كوري شاك، مديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أمريكان إنتربرايز، تعليقها على أحدث خطة لمجموعة السبع، قائلة: "الاهتمام بإفريقيا سيكسب الغرب العديد من الأهداف، حتى لو كانت المبادرة لتشجيع التنمية فقط بعيدًا عن مواجهة الصين"، مضيفًة: "لقد حان الوقت لأن تفعل الولايات المتحدة أكثر من مجرد التظاهر بالاهتمام بالتنمية العالمية".
وأشارت المجلة إلى أنه تم توضيح أسباب عدم قدرة واشنطن على مواجهة الصين في إفريقيا في بيان بايدن، مشيرة إلى أن الأمر قد يكون مرتبطًا بفهم خاطئ بين الغرب وبقية العالم، خاصة ما يسمى الجنوب العالمي.
كان بايدن قال: "أريد أن أكون واضحًا... هذه ليست معونة ولا عملًا خيريًا، إنه استثمار سيحقق عوائد للجميع"، مشيرًا إلى أن ذلك سيسمح للبلدان "برؤية الفوائد الملموسة للشراكة مع الدول الديمقراطية".
وقال بايدن إن مئات المليارات من الدولارات الإضافية يمكن أن تأتي من بنوك التنمية متعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية وصناديق الثروة السيادية وغيرها.
تمييز عنصري
ورأت "فورين بوليسي" أن أحد أهم أسباب ابتعاد واشنطن عن إفريقيا، النظرة العنصرية، التي ينظر بها عدد من المسؤولين -منذ عهد الرئيس رونالد ريغان- إلى الأفارقة حتى الآن، حيث أظهرت واشنطن دومًا دورها العسكري بعيدًا عن دورها الأهم وهو الاستثمار الاقتصادي.
وشددت على أن هذه النظرة كان لها تأثير مؤلم في قوة الولايات المتحدة ونفوذها على الصعيد العالمي، لدرجة أن عددًا لا يحصى من الدول تنظر الآن إلى الصين -التي تعد أكثر بُعدًا وأقل ثراءً من الولايات المتحدة- على أنها الشريك الأكثر ثقة اقتصاديًا.
وأشارت إلى أنه منذ عقود حتى الآن، كان الغرب المزدهر يحصل على السلع الأساسية والموارد الطبيعية من الدول الفقيرة في العالم، بينما يفرض امتيازه من خلال عوائق أمام التجارة والهجرة.
وبينت المجلة أن هذه العلاقات غير المتكافئة لها جذور أقدم في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي على مدى قرون، حيث عمد الغرب إلى استغلال الأيدي العاملة من المستعبدين مجانًا.
إلى جانب ذلك -حسب المجلة الأمريكية- فإنه أواخر عصر العبودية، أنشأ الغرب شركات مثل شركة الهند الشرقية الشهيرة في بريطانيا، التي تفرغ البضائع الصناعية، مثل المنسوجات، في الأجزاء الأفقر من العالم، بينما تحرم المستعمرين الحق في تصدير منتجاتهم إلى الأسواق الغربية.
وكشفت أن هذه التفاوتات الهائلة في الثروة العالمية تتجذر في هذه الحقائق التي أثبتت مقاومتها الشديدة للتغيير وتخفيها أيديولوجية غربية، تتظاهر بأن نجاحات الأغنياء نتيجة خالصة للتضحية الطويلة والفضيلة والإبداع مع تشجيع الخوف والاستياء ممن هم أقل حظًا.
التعلُّم من الصين
ودعت "فورين بوليسي" الغرب للتعلُّم من التحرك الصيني نحو إفريقيا، وعدد من البلدان النامية، قبل فوات الأوان.
وأشارت إلى أنه منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما -إن لم يكن من قبل- كان القادة والدبلوماسيون الأمريكيون يحذرون الحكومات في العالم النامي، من المساعدات الاقتصادية التي تقدمها بكين، متذرعين بالديون المفترضة وغيرها من الأفخاخ التي ستأتي من قبول الشروط التي تقدمها الصين في بناء شبكاتها الاقتصادية العالمية.
وبينت، أنه رغم هذه التحذيرات، فإن العالم النامي لديه بديل للغرب أكثر من أي وقت مضى، لافتة إلى أن الصين استطاعت التوغل أكثر في إفريقيا، خلال العقود الثلاثة الماضية، من بوابة (السلع العامة) التي لا غنى عنها في هذه الدول.
ولفتت إلى أن الصين أدركت مبكرًا أن مستقبل الاقتصاد الدولي يكمن -إلى حد كبير- في الجنوب العالمي، خصوصًا أن هذا هو المكان الذي سيحدث فيه النمو العالمي في المستقبل، وسيحدث فيه تغيير هائل في التركيبة السكانية العالمية، وهو المكان الذي سيأتي منه الشركاء التجاريون والعمالة الموهوبة والحيوية وعملاء المستقبل، مشددة على أن بكين تدرك جيدًا أن هذه فرصة كبيرة لها يجب استغلالها لوضع قدميها في هذه البلدان.
وتؤكد المجلة الأمريكية أن المصلحة الذاتية -وليس الإيثار- هي التي تدفع بكين إلى الاهتمام أكثر بإفريقيا والدول النامية، ومن ثّم فإنه على الرأسماليين، الذين يؤمنون بحِكمة وفضيلة السوق، أن يفهموا هذا الأمر جيدًا، ويدفعوا لاهتمام أكثر بهذه الدول، ولو من باب (المصلحة الذاتية) كما فعلت بكين.