من سحق الاقتصاد الروسي إلى ارتفاع تاريخي للروبل... كيف فشلت العقوبات على موسكو؟

العقوبات التي تسارعت الدول الغربية في فرضها ضد روسيا، لتحويل الروبل إلى أنقاض، انقلبت إلى الضد، بعد أن سجلت العملة الروسية أعلى مستويات لها في سبع سنوات مقابل الدولار، لتجد أوروبا عاجزة عن إثناء موسكو عن التراجع عن حملتها العسكرية التي شنتها قبل أربعة أشهر على أوكرانيا

من سحق الاقتصاد الروسي إلى ارتفاع تاريخي للروبل... كيف فشلت العقوبات على موسكو؟

ترجمات - السياق

من عقوبات تهدف إلى «سحق الاقتصاد الروسي» إلى أرقام قياسية سجلها، تطوران كشفا عن «فشل» جذري مُنيت به الخطوات الغربية ضد روسيا، التي كان هدفها «إيلام» موسكو، إلا أن الضربة أوجعت القائمين عليها بشكل غير متوقع.

فالعقوبات التي تسارعت الدول الغربية في فرضها ضد روسيا، لتحويل الروبل إلى أنقاض، انقلبت إلى الضد، بعد أن سجلت العملة الروسية أعلى مستويات لها في سبع سنوات مقابل الدولار، لتجد أوروبا عاجزة عن إثناء موسكو عن التراجع عن حملتها العسكرية التي شنتها قبل أربعة أشهر على أوكرانيا.

ورأت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يواجهون خيبة أمل وألم، بسبب العقوبات ضد روسيا، خاصة أنهم لم يتوقعوا الضغوط الاقتصادية التي يتعرضون لها.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه بينما يحقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مكاسب في حربه ضد أوكرانيا، تكافح واشنطن وحلفاؤها مع ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، مشيرة إلى أنه بعد أربعة أشهر من الحرب في أوكرانيا، فإن البُلدان المتحالفة ضد روسيا تواجه آلامًا اقتصادية متزايدة، رغم تأثير العقوبات وحظر الطاقة على الحملة العسكرية للرئيس بوتين أو وضعه السياسي في الداخل.

 

أضرار تراكمية

إلا أن ما آلت إليه الأمور، برره مسؤولون أمريكيون، بقولهم إن الاقتصاد الروسي يتكبد مع ذلك أضرارًا تتفاقم بمرور الوقت، خصوصًا أن القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا إلى روسيا تعيق نمو صناعاتها من الفضاء إلى الحوسبة، بحسب «نيويورك تايمز».

يأتي ذلك، بينما توقع متحدث باسم البيت الأبيض، أن يناقش قادة مجموعة الدول الصناعية السبع، الذين سيجتمعون في مدريد الأحد، خططًا جديدة لزيادة تضييق الخناق على الاقتصاد الروسي.

تطورات تأتي بعدما أصبح مصير الحرب مجهولًا، فبينما تقول الحكومة الأوكرانية إن ما يصل إلى 200 من جنودها يُقتلون يوميًا، مع سيطرة روسيا على أراضٍ شرقي أوكرانيا، فإن بوتين لا يزال يتمتع بسلطة شبه دكتاتورية، ومن غير المرجح أن يدخل محادثات سلام جادة طالما يحقق أهدافه على الأرض، بحسب «نيويورك تايمز».

من جانبها، قالت نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، إلينا ريباكوفا، عبر «تويتر»، إن النظام المالي الروسي عاد إلى العمل كالمعتاد بعد أسابيع من التدفقات المصرفية الشديدة، مضيفة أن مقولة أولئك الذين اعتقدوا أن قطع روسيا عن التمويل لأسابيع قليلة على بداية الحرب ستوقف الحرب، أثبتت «سذاجتها».

 

الضغوط الاقتصادية

ورغم أن قلة من المسؤولين في إدارة بايدن أو نظرائهم في أوروبا، توقعوا أن تؤدي العقوبات على روسيا إلى وقف الحرب على الفور، فإنهم لم يتوقعوا -في المقابل- حجم تلك الضغوط الاقتصادية التي يواجهونها، بحسب «نيويورك تايمز».

وقالت الصيحفة الأمريكية: رغم التأكيدات الأولية بأن العقوبات لن تمس صادرات الطاقة الروسية، فقد حظرت الولايات المتحدة -منذ ذلك الحين- استيراد النفط الروسي، بينما أعلنت دول الاتحاد الأوروبي خططًا لخفض وارداتها من النفط الروسي بنسبة 90% هذا العام.

إجراءات أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة وأوروبا، ودفعت بمتوسط سعر البنزين العادي إلى الارتفاع 5 دولارات للغالون في بعض الولايات، بحسب «نيويورك تايمز».

وعن تأثير الحرب الروسية في مستقبل بايدن والأزمة في أوروبا، قالت الصحيفة الأمريكية، إن بايدن يستعد لانتخابات منتصف المدة في خريف هذا العام، سيستفيد فيها الجمهوريون من ارتفاع تكاليف المعيشة على الأرجح، بينما ستواجه أوروبا -نهاية الصيف الحالي- انخفاضًا في درجات الحرارة، وسط تحذيرات متزايدة من أن موسكو تخنق إمدادات الغاز الطبيعي.

 

آثار سلبية

عقوبات كانت لها آثار اقتصادية سلبية في أوروبا ودول غربية، إلا أنها سمحت -في المقابل- للصين، التي تُعد أكبر منافس استراتيجي للولايات المتحدة، بشراء كميات هائلة من النفط بأسعار مخفضة للغاية، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إن موسكو تسعى إلى عملاء راغبين في تعويض الإيرادات المفقودة.

وقالت الصحيفة، إن مسؤولي بايدن هددوا -في البداية- بفرض عقوبات اقتصادية ضخمة، كوسيلة لردع بوتين عن العملية العسكرية، إلا أنه بعد فشل ذلك، بدا منطقهم وتصورهم غير واضح.

وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، في تصريحات صحفية مساء الجمعة، قال فيها: الولايات المتحدة ترفع التكاليف على روسيا لإنهاء الحرب بشكل أسرع، من خلال عقوبات غير مسبوقة وضوابط على الصادرات.

وبينما قالت «نيويورك تايمز» إن المسؤولين الأمريكيين لم يعرضوا رفع العقوبات مقابل تنازلات روسية في ساحة المعركة، قالت رئيسة مركز تحليل السياسة الأوروبية، ألينا بولياكوفا: «من المؤكد أن العقوبات لا تردع القوات الروسية عن العملية العسكرية التي تنفذها، لقد أخطأت أغلبية الحكومات -على نطاق واسع- في تقدير وجهات نظر أو نظرة النخبة الروسية للعالم وما يهتم به بوتن».

من جانبه، قال الخبير الروسي، نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أندرو فايس، إن جزءًا من المشكلة أن اقتصادات الدول الغربية أكثر انكشافًا مما توقعته حكوماتها.

 

أمر واقع... صادم

ورغم تلك العقوبات فإن المسؤولين الأمريكيين بينهم داليب سينغ، نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض للشؤون الاقتصادية، تنصلوا من أي خطط لاستهداف صادرات النفط والغاز الروسية، قائلًا: "لقد تعمدنا توجيه آلام عقوباتنا نحو الاقتصاد الروسي، وليس اقتصادنا (...) لم يتم تصميم أي من إجراءاتنا لتعطيل تدفق الطاقة إلى الأسواق العالمية".

إلا أن الدول الغربية وحلفاء الناتو اصطدموا بالأمر الواقع، بعد أن بدأت الحرب بالفعل، بحسب فايس الذي قال: القادة الغربيون دُفعوا للقيام بأشياء لم يخططوا لها في الأصل أو يريدون القيام بها، منها فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي.

تلك الأشياء التي لم يخططوا لها، أدت إلى ارتفاع التضخم بشكل أسرع مما توقعه مسؤولو البيت الأبيض، إلى الحد الذي دفع بايدن إلى إلقاء اللوم على الحرب في ارتفاع الأسعار، رغم أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، أخبر لجنة في مجلس الشيوخ مؤخرًا بأن التضخم كان مرتفعًا قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، بحسب «نيويورك تايمز».

في المقابل، حذر المسؤولون الأمريكيون من الاستهانة بالصدمة الاقتصادية التي عانتها روسيا، بينما قال بلينكين في برلين: العديد من الاقتصاديين يتوقعون انكماش الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة تتراوح بين 10 و 15% هذا العام.

وأضاف: «موسكو منعت الانهيار الاقتصادي -حتى الآن- من خلال اتخاذ إجراءات استثنائية لدعم عُملتها، لكن هذه التكتيكات لا يمكن تحمُّلها حيث يبدأ تأثير العقوبات الغربية والقيود التجارية».

وأشار بلينكين إلى أن ضوابط التصدير تعني أن لدى روسيا القليل من الأشياء التي يمكنها شراؤها من عائدات النفط، لافتًا إلى أن مخزونات مثل آي فون ستنفد قريبًا، ما يترك الروس محرومين بشكل متزايد من بعض السلع المهمة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، قوله: تأثير العقوبات واضح على الأرض في موسكو، فقد أغلقت المتاجر الفاخرة حول ريد سكوير، بما في ذلك المتاجر التي تبيع الفراء وحقائب غوتشي ولامبورغيني.

وأضاف المسؤول الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته، أن التضخم مرتفع، بينما الناس قلقون بشأن وظائفهم، مشيرًا إلى أن العديد من الأثرياء الروس غادروا إلى تركيا، وبلدان عربية.