بإحياء سياسات حقبة ماو... قفزة شي العظيمة إلى الوراء
وسط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الصين، فإن ما يقرب من خُمس أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة عاطلون عن العمل، مع ملايين تلاحقهم البطالة.

ترجمات - السياق
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، يهرب من الأزمات التي تلاحقه، وآخرها (أزمة الوظائف)، بمحاولة إحياء حقبة ماوتسي تونغ مؤسس جمهورية الصين الشعبية.
وتشير استطلاعات الوظائف الخاصة بالصين، إلى فقدان الوظائف في جميع أنحاء الاقتصاد، وفي التكنولوجيا على وجه الخصوص، بينما يتوقع محللون أن يزداد فقدان الوظائف سوءًا ، لأن تراجع قطاع التكنولوجيا يحدث في الوقت نفسه الذي تحدث فيه أزمة العقارات والقطاعات ذات الصلة، التي تمثل قرابة 30% من الناتج المحلي الإجمالي للصين.
وتباطأ النشاط الاقتصادي بشكل حاد خلال أبريل الماضي، بعد أن أدى توسيع عمليات الإغلاق للتصدي لفيروس كورونا إلى خسائر فادحة في الاستهلاك والإنتاج الصناعي والتوظيف، ما زاد المخاوف من انكماش الاقتصاد في الربع الثاني.
وتعثر الاقتصاد الصيني في الأشهر الأخيرة بسبب الإغلاق والقيود المفروضة على السفر في جميع أنحاء البلاد، وحقق الناتج المحلي الإجمالي للصين نموًا بنسبة 0.4% فقط عن الفترة نفسها من العام الماضي وأقل بكثير من 4.8% في الربع الأول من العام الحالي، إضافة إلى تعثر مبيعات العقارات ووصول معدل البطالة لمستوى قياسي.
مصنع العالم
وتمثل الصين -التي يطلق عليها غالبًا مصنع العالم- قرابة 30 بالمئة من ناتج التصنيع العالمي، ومع ذلك، هناك سلعة واحدة لا تستطيع الصين إنتاجها بالسرعة الكافية، هي (وظائف للملايين من خريجي الجامعات الجدد)، حسب تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية.
وتقول المجلة، أنه وسط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الصين، فإن ما يقرب من خُمس أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة عاطلون عن العمل، مع ملايين تلاحقهم البطالة.
وقد وجدت إحدى الدراسات الاستقصائية أنه بين 11 مليون طالب صيني تخرجوا في الجامعات هذا الصيف، حصل أقل من 15 في المئة على عروض عمل مضمونة بحلول منتصف أبريل.
وحتى في الوقت الذي يشهد فيه العديد من العاملين في الولايات المتحدة وأوروبا ارتفاعًا في رواتبهم، يمكن لخريجي الصين هذا العام أن يتوقعوا أن يتقاضوا أجورًا أقل بنسبة 12 في المئة من دفعة عام 2021، إذ سيحصل كثيرون منهم على رواتب أقل من سائقي الشاحنات، إذا كانوا محظوظين بما يكفي للعثور على وظيفة.
وحسب المجلة، تخاطر الصين بالسقوط من منحدر التوظيف، مشيرة إلى أن قادة الصين يعرفون ذلك -حتى لو كانت وصفاتهم السياسية المقترحة، مثل إرسال طلاب حضريين للعمل في الريف، عادت إلى حقبة ماضية- في إشارة إلى حقبة ماو المؤسس.
وتكمن مشكلة الحزب الشيوعي الصيني (CCP) في أن حقيبة الحيل -مثل كورونا- التي كان يعتمد عليها العام الماضي، لن يستطيع استغلالها مجددًا، بصرف النظر عن سرعة تراجع الزعيم الصيني شي جين بينغ عن السياسات التي تسببت في الانهيار المالي لبلاده.
وأشارت المجلة، إلى أنه لا يمكن أن تكون المخاطر في أزمة الوظائف التي تلوح في الأفق أكبر بالنسبة لشي -الذي يتطلع إلى تمديد منصبه كسكرتير عام للحزب الشيوعي الصيني في مؤتمر الحزب العشرين هذا الخريف- لافتة إلى أن هذه الأزمة تذكير صارخ بأن النظام الصيني -الذي يتبع المركزية في الحكم- لا يزال غير قادر- بشكل مؤسف- على استغلال المواهب لديه وتوظيفها والاحتفاظ بها، حتى مع مضاعفة الصين للابتكار التكنولوجي في محاولة للتغلب على الولايات المتحدة.
انهيار التوظيف
ومثل العديد من البلدان الأخرى، واجهت الصين فترات متباينة بين الازدهار والانهيار في التوظيف، إذ إنه لعقود، أظهر قادة الحزب الشيوعي الصيني قدرة رائعة على التنبؤ بتهديدات البطالة قبل فترة طويلة من ظهورها.
لكن، ظهرت مؤخرًا مخاطر سوء التوظيف، نتيجة بعض السياسات الاقتصادية الخاطئة للحزب الشيوعي الصيني، مثل حملته على مهنة التدريس التي تقدر بمليارات الدولارات في الصين.
بينما نشأت أزمات أخرى من أحداث خارجة عن سيطرة بكين، مثل الأزمة المالية الغربية 2008-2009 والانخفاض الناتج في الطلب العالمي على الصادرات الصينية.
ونظرًا لإدراكه للتهديد الكبير الذي يتعرض له استقرار النظام بسبب البطالة الجماعية في المدن، سعى الحزب الشيوعي الصيني إلى مواجهة هذه التحديات، وغالبًا ما أبرم صفقات كبيرة مع الشعب الصيني لتجنُّب كوارث سياسية.
على سبيل المثال، "بعد مذبحة تيانانمن عام 1989، لجأ الحزب الشيوعي الصيني لتهدئة شبابه المضطرب من خلال الوعد بفرص عمل لا حدود لها وسط ما أصبح أكبر توسع اقتصادي في التاريخ حينها".
ورغم ذلك، فإن المجلة الأمريكية أوضحت أن إجراءات الحزب الشيوعي لم تؤدِ في النهاية إلى شبكة أمان قوية من البطالة، بل إلى نظام تعليم عالي ميسور التكلفة، لدرجة أن ديون الطلاب غير موجودة تقريبًا في الصين.
وأشارت إلى أنه من عام 2020، دفع الطلاب في أفضل 10 جامعات في الصين قرابة 800 دولار أمريكي كرسوم دراسية سنوية مقارنة بنحو 50000 دولار أمريكي في جامعات الولايات المتحدة الرائدة.
وبينت أنه بعد مرور عقد على صدمة تيانانمين -حيث كانت الصين تواجه سوق عمل ضيقًا وتستعد للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية- ذهب الحزب الشيوعي الصيني إلى أبعد من ذلك، حيث قنن برنامج توسيع الالتحاق بالجامعة طويل الأجل المصمم لتحفيز الاقتصاد الصيني، فكانت النتيجة "قفزة بنسبة 47 بالمئة في القبول الجامعي خلال السنة الأولى للبرنامج".
وحسب المجلة، فإن أزمة العمل مختلفة، إذ إن ماو لجأ إلى تطبيق سياسة التحول إلى الأسفل (أو hsia-fang)، بالقوة، التي تهدف إلى تخفيف البطالة في المناطق الحضرية من خلال نقل عشرات الملايين من الشباب بالقوة من المدن الصينية المزدحمة إلى الريف.
واعتمدت استراتيجية ماو هذه، على أن "الملايين من خريجي المدارس الثانوية الحضرية سيصلون كل عام إلى سن الرشد في أكبر مدن الصين، لكن الوظائف موجودة فقط لنصفهم"، فضلًا عن رغبته في فصل الشباب الصينيين عن عائلاتهم، لربطهم جزئيًا بالحزب، وإبعادهم عن المركزية في أي معارضة قد تكون في الطريق.
فشل ماو
وفي وقت لاحق -حسب "فورين بوليسي"- وصف الحزب الشيوعي الصيني سياسات ماو المتعثرة بأنها "كارثة"، وهو توبيخ تاريخي نادر.
ومع ذلك -تضيف المجلة- فإن هذا العار لم يمنع شي من إحياء عناصر قوة ماو، إذ إنه قبل سنوات، أعلن برامج جديدة لتشجيع الطلاب الحضريين الشباب على السفر إلى المناطق الريفية خلال إجازاتهم الصيفية للتطوع بخدماتهم.
وسرعان ما اتبعت برامج مماثلة لطلاب الجامعات، وبلغت ذروتها في إصدار مرسوم ينص على إعانات بدء التشغيل مرة واحدة، مع توفير قروض مدعومة من الحكومة، وحوافز ضريبية أخرى لخريجي الجامعات لبدء أعمالهم في الريف الصيني.
وفي صدى آخر لحقبة ماو -حسب المجلة- تأخر شي أيضًا في إدراك حجم أزمة العمالة الحالية في الصين، إذ إنه لسنوات كان يأمل أن تؤدي دفعة التوسع الحضري المنسقة، والإنفاق المدعوم بالديون على المزيد من البنية التحتية، والإصلاحات الهيكلية الضئيلة إلى إحياء النمو الضعيف في الصين.
لكن الآن -تضيف المجلة- بعد أن أمضت عقودًا في بناء نظام التعليم العالي استجابةً للضرورة السياسية بدلاً من طلب السوق، تواجه الصين، على حد تعبير منافس شي السياسي ورئيس الوزراء الصيني المنتهية ولايته، لي كه تشيانغ، سوق وظائف "مُعقدة وخطيرة".
وبينت المجلة، أن ما يزيد حجم الأزمة، وانهيار محتمل لخطط شي في مواجهة البطالة، سياسات الإغلاق الصفرية التي اعتمدها الرئيس الصيني مؤخرًا، لمواجهة انتشار كورونا.
تفاقم الأزمة
وأرجعت "فورين بوليسي" تفاقم أزمة الوظائف في عهد شي، بسبب حملته الصارمة على عمالقة التكنولوجيا الصينيين، التي أدت إلى تسريح جماعي للعمال في الصناعة نفسها التي أعلن شي أنها ستقود المرحلة التالية من تنمية الصين.
أمام ذلك، لم يجد الباحثون عن عمل ملاذًا في قطاع الإسكان المضطرب في الصين، الذي يتخلص في حد ذاته من العمال، لأن تكتلات البناء في الصين تتعامل مع أعباء الديون المتصاعدة والطلب غير الموجود على عروض السندات المحفوفة بالمخاطر.
وتقول المجلة: "بالفعل، هناك مؤشرات متزايدة على أن سكان الصين وصلوا إلى نقطة الانهيار"، مشيرة إلى أنه في يوليو الماضي، تم الإبلاغ عن احتجاجات عنيفة خارج العديد من البنوك الصينية بعد تجميد الحسابات بلا تفسير.
وفي الشهر نفسه، قاطعت العائلات في 24 من أصل 31 مقاطعة صينية مدفوعات الرهن العقاري لمشاريع الشقق غير المكتملة.
بينما تظهر استطلاعات أن قرابة 10 آلاف صيني ثري، تقدر ثروتهم بنحو 48 مليار دولار، يتطلعون إلى نقل أموالهم خارج الصين.
ورأت المجلة الأمريكية، أن الحزب الشيوعي الصيني استجاب بفتور لهذه الأزمات المتلاحقة، وأجرى بعض الإصلاحات الإضافية، لكن لاشك أن هناك "المزيد من الاضطرابات المقبلة"، ومن ثمّ فإن الثقة الضعيفة التي كانت قائمة بين الحزب الشيوعي والشعب الصيني ستستمر في التآكل.
في غضون ذلك، قد يواجه "شي" قريبًا الحدود العملية لمحاولاته تمجيد إرث ماو، وبينما ينسب الحزب الشيوعي الصيني، الفضل إلى تجربة شي في مساعدة جيله على تشكيل العمود الفقري لـ"الصين الجديدة"، من غير المرجح أن يهدئ شباب اليوم وهم يواجهون قفزة كبيرة ووشيكة إلى الوراء.