وول ستريت: مدارس فرنسا.. حلبة صراع جديدة بين المسلمين والعلمانيين
والد البارودي حرَّم على طفله، أكل لحم الخنزير وفق الشريعة الإسلامية، إلا أن سُلطات بيزييه، وهي بلدة تقع على قمة تل جنوبي فرنسا، خفَّضت في يناير وجبات الطعام في المدارس العامة، وقصرتها على لحم الخنزير، الذي بات وحيدًا في القائمة الموجَّهة للطلبة.

ترجمات - السياق
المدارس العامة، في جميع أنحاء فرنسا، أصبحت الخطوط الأمامية للصراع، بين السكان المسلمين وأنصار العلمانية، هكذا سلَّطت «وول ستريت جورنال»، الضوء على أزمة التغذية المدرسية، كأحد فصول هذا الصراع.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إنه بينما يقول السكان المسلمون، إن السُّلطات تستهدفهم وتحد من حريتهم، بالتوسُّع في تفسيرها للعلمانية، يقول مسؤولون فرنسيون، إنهم يكافحون التحول الثقافي المستمر منذ عقود
معضلة
وسلَّطت الصحيفة، الضوء على أزمة الطفل المسلم رياض البارودي، البالغ من العمر عشر سنوات، مشيرة إلى أنه يواجه «معضلة»، عندما يحين وقت الجلوس لتناول الغداء، في كافيتريا مدرسته الابتدائية.
وأوضحت أنه، مع أن والد البارودي حرَّم على طفله، أكل لحم الخنزير وفق الشريعة الإسلامية، إلا أن سُلطات بيزييه، وهي بلدة تقع على قمة تل جنوبي فرنسا، خفَّضت في يناير وجبات الطعام في المدارس العامة، وقصرتها على لحم الخنزير، الذي بات وحيدًا في القائمة الموجَّهة للطلبة.
رشيد البارودي والد رياض، قال عن خُطوة السُّلطات المحلية، إنها «استفزاز».
واجهة الصراع
وقالت «وول ستريت جورنال»، إن المدارس العامة، في جميع أنحاء فرنسا، باتت الخطوط الأمامية للصراع، بين شرائح من الجالية المسلمة «الكبيرة» في فرنسا وأنصار العلمانية، كما أنها حلبة للصراع في الفصل الصارم، بين الدين والدولة.
وتقول عائلات مسلمة عدة للصحيفة الأمريكية، إن السُّلطات توسِّع تفسيرها للعلمانية، وتطبِّقه على كل شيء، بدءًا مما يتم تقديمه في المطاعم.
التحول الثقافي
بينما يقول معلمون وإداريون ومسؤولون فرنسيون، إنهم يقاومون التحول الثقافي المستمر منذ عقود، والذي تعرُّضت فيه المدارس لضغوط، لاستيعاب المعتقدات الدينية للعديد من المسلمين الفرنسيين بطرق شتى، مؤكدين أن الضغط يقوِّض جمهورية مبنية على مبدأ العلمانية، وقيم المساواة، والحرية والأخوة.
وقال المعلِّمون، الذين تحدَّثت إليهم الصحيفة الأمريكية، إن الطلاب المسلمين يرفضون حضور دروس عِلم الأحياء أو التاريخ أو الموسيقى، بسبب معتقداتهم الدينية، مشيرين إلى أن الآباء المسلمين، يمنعون بناتهم من المشاركة في دروس السباحة أو الذهاب في رحلات ميدانية.
تحديات جمة
من جانبها، قالت فتيحة عجاج بوجلات، وهي معلِّمة في مدرسة ثانوية، تبلغ من العمر 41 عامًا في مدينة تولوز الجنوبية، إن «الكليات العامة تتعرَّض للاعتداء»، مشيرة إلى أنها لم تواجه تحديات لمعتقداتها غير العلمانية، كما يواجه طلاب المدارس اليوم.
وفي يونيو الماضي، قدَّمت وزارة التعليم خُططًا لإطلاق برنامج تدريب علماني جديد للأكاديميين، على مدى السنوات الأربع التالية، بعد أن أبلغت الوزارة بتلقي معلِّمين -عبر الإنترنت- هتافات تندِّد بالعلمانية، عندما كان الإغلاق شاملًا في جميع أنحاء البلاد بسبب كورونا.
حوادث مؤسفة
ويقول بعض الآباء والأمهات، إن السُّلطات تخلط بين عادات الشباب -كالحوادث المؤسفة في الملعب أو تمرُّد المراهقين- والتطرف غير العلماني.
وقالت حياة عاشوري، والدة أحد الأطفال المسلمين، إنها تم استدعاؤها من مدير مدرسة ابنها، بعد أن سمع العُمّال الصبي يقول لزملائه في رياض الأطفال في الكافيتريا إنه «إسلامي».
وذكرت السيدة عاشوري، أن المديرة طالبتها بتوخي مزيد من الحذر بشأن العبارات التي تستخدمها أمام ابنها، مشيرة إلى أنها اكتشفت أن الشباب، كانوا يتحدَّثون عن هدايا، يأملون الحصول عليها لعيد الميلاد.
وقالت إن ابنها استخدم عبارة «إسلامي»، بينما أوضح لزملائه أن أسرته احتفلت بعيد الميلاد، بصرف النظر عن أنها مسلمة.
«أمي، هل قلت عبارة سيئة؟»، يقول الطفل لوالدته السيدة عاشوري.
وكانت المحكمة الإدارية العليا في فرنسا، قالت في ديسمبر، إن العلمانية لا تمنع الكليات من تقديم وجبات مع لحم الخنزير، لاستيعاب المعتقدات الخاصة غير العلمانية، ومع ذلك فإن الكليات ليست ملزمة باتخاذ أي إجراء.
مسألة جدلية
الصراع بين الثقافات والديانات في المدارس العامة، ليس جديدًا على فرنسا، فطالما كانت مكانة الدين ومكان ارتداء الرموز الدينية، في الأماكن العامة، مسألة جدلية في فرنسا، فهي –بحسب وول ستريت جورنال- دولة العلمانية الصارخة، وموطن أكبر أقلية مسلمة في أوروبا.
وخلال العقدين الماضيين، حاول المسؤولون -في كثير من الأحيان- تقييد الوجود العام للإسلام، في ظِل تفسير صارم بشكل متزايد للعلمانية الفرنسية، في الوقت الذي كان يسعى السكان المسلمون فيه، إلى الحصول على دور أكبر في فرنسا.
خُطوات فرنسية
وحظرت فرنسا عام 2004 ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية، ما أثار سنوات من الجدل بشأن معاملة فرنسا لأقليتها المسلمة، وعام 2010، حظرت النقاب في الأماكن العامة، كالشوارع والمتنزهات والمواصلات العامة والمباني الإدارية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عزَّز الضغوط على الفعاليات المسلمة، بعد اعتداءين إرهابيين، استهدف الأول المدرس سامويل باتي، منتصف أكتوبر، في المنطقة الباريسية، تلاه اعتداء ثان في كنيسة بنيس بعد أسبوعين.
وأقر البرلمان الفرنسي في 16 فبراير2021، قانونًا يهدف إلى مكافحة التطرف الإسلاموي، في بلد شهد اعتداءات إرهابية عدة منذ عام 2015.
ويكافح القانون الكراهية على الإنترنت، والتربية في الكنف العائلي، ويشدِّد الرقابة على الجمعيات، ويعزِّز شفافية أداء دور العبادة ومصادر تمويلها، ويحظر شهادات العذرية وتعدُّد الزوجات والزواج القسري.