لماذا الغرب مغرم بسياسة فرض العقوبات رغم فشلها؟

العقوبات أصبحت تؤدي في كل مكان إلى نتائج معاكسة للأهداف التي يريدها الغرب، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يبدو أنهم وقعوا في "غرام" هذه الأداة السهلة نسبيًا، لتنفيذ سياساتهم الخارجية، بحيث تحدث ضغطًا اقتصاديًا على الشعوب، فتثور وتعصي الأنظمة الحاكمة

لماذا الغرب مغرم بسياسة فرض العقوبات رغم فشلها؟

ترجمات - السياق

انتقدت صحيفة الإندبندنت، توجُّه الغرب نحو فرض سياسة العقوبات، على بعض الدول، رغم أنها لم تؤتِ ثمارها طوال السنوات الماضية.

وقال بورزو داراغاي مراسل "الإندبندنت" للشؤون الدولية، في مقاله، إن الأسبوع الماضي شهد إعلان مجلس الأمن الدولي تخفيف العقوبات على أفغانستان، في محاولة للتقليل من وطأة الأزمة الإنسانية، في واحدة من أكثر الدول فقرًا.

وأشار إلى أن قطاعًا كبيرًا من سكان أفغانستان، يعتمد على المعونات الدولية، إذ يوجد نحو 23 مليون أفغاني يعانون نقصًا حادًا في الغذاء، بينما يقف نحو 9 ملايين أفغاني على حافة المجاعة، حسب إحصاءات منظمة الصليب الأحمر الدولي.

 

أمراء الحرب

وأمام اضطرار المجتمع الدولي، إلى تقليل العقوبات لإدخال المساعدات الإنسانية، ذكر يورزو، أن منظمات الإغاثة رحبت بتخفيف العقوبات، خشية تعارضها مع القانون الدولي، من خلال التعامل مع قادة طالبان الجدد.

وقالت منظمات الإغاثة: "من دون استثناء إنساني واضح، ستظل عقوبات الأمم المتحدة عقبة أمام التوسع الإنساني الكبير، الذي يحتاجه الشعب الأفغاني في الوقت الحالي".

وذكر الكاتب أن العقوبات فُرضت لمعاقبة أمراء الحرب والمتشددين، لكن ما حدث هو أن الذي يدفع الثمن هم المدنيون، والشعب الأفغاني، وهو نمط متكرر يشهده العالم، في كل الدول التي تعرَّضت للعقوبات.

ويقول الكاتب، إن العقوبات أصبحت تؤدي في كل مكان إلى نتائج معاكسة للأهداف التي يريدها الغرب، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يبدو أنهم وقعوا في "غرام" هذه الأداة السهلة نسبيًا، لتنفيذ سياساتهم الخارجية، بحيث تحدث ضغطًا اقتصاديًا على الشعوب، فتثور وتعصي الأنظمة الحاكمة.

واستشهد الكاتب بأمثلة عدة كالعقوبات التي فُرضت على إيران، وروسيا، والصين، وفنزويلا وكوريا الشمالية.

 ونقل عن مركز القرن الأمريكي الجديد للدراسات، تأكيده أن سياسة فرض العقوبات من الإدارة الأمريكية تزايدت ونمت عبر السنوات الماضية، وكذلك في أوروبا ومن الأمم المتحدة.

وأرجعت ذلك إلى "سهولة اتخاذ قرار فرض العقوبات، مع غياب المخاطر والخسائر في وسائل أخرى لتنفيذ السياسات الخارجية، قد تهدد بوقوع حروب، فيبدو السياسي الأمريكي قويًا وعنيفًا في مواجهة الصين، أو روسيا، أو إيران لكنه لا يتخذ خطوة تهدد بوقوع حرب مباشرة".

 

فشل واضح

وشدد بورزو داراغاي، على أن "فشل العقوبات أصبح واضحًا بما يكفي لتجنُّب أي جدل بشأن فاعليتها كوسيلة للتغيير السياسي"، مشيرًا إلى "العقوبات الأمريكية ضد كوبا، التي استمرت أكثر من 60 عامًا، من دون أن تنجح في تحقيق شيء، فلم تؤد إلى تحسن أوضاع حقوق الإنسان، ولا تسببت في تغيير النظام الحاكم هناك".

ونقل الكاتب عن روبرت بايب، المختص في شؤون العقوبات الأمريكية، قوله: إنه بين 115 مرة فرضت فيها واشنطن عقوبات اقتصادية خلال القرن الماضي، لم تفلح هذه الوسيلة في تحقيق أهدافها، سوى في خمس حالات فقط.

وأضاف، أن العقوبات على العكس تدفع بالمجتمع المستهدف إلى مزيد من التمسك بموقفه وتحدي المجتمع الدولي، إذ لا تجد الدولة المفروض عليها العقوبات أمامها، سوى العمل بجد لتصبح أكثر قدرة وقابلية، بالاعتماد على نفسها بشكل أكبر.

وذكر بورزو داراغاي، أن استخدام الدول والمنظمات الدولية والإقليمية للعقوبات الدولية تزايد في الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى أن أغلبية هذه العقوبات تأخذ طابعًا "ذكيًا" من جهة، و"أحاديًا" من جهة أخرى، وتدفع العديد من العوامل إلى لجوء الفاعلين الدوليين إلى هذه العقوبات، التي تستهدف الأفراد وبعض القطاعات الفاعلة.

وأشار إلى أنه رغم الجدل بشأن فعالية هذه العقوبات، فإنها تصبح -بشكل متزايد- وسيلة مفضلة لتعبير الدول عن مواقفها بحزم، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تمتلك مزايا نسبية في تطبيق هذه العقوبات، ترجع في معظمها إلى دور الدولار والاقتصاد الأمريكي، في النظام الاقتصادي العالمي.

 

معاقبة روسيا

وعن مدى تأثر روسيا بالعقوبات، التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أوضح بورزو داراغاي، أن موسكو حتى الآن، لم تتراجع عن أي قرار اتخذته، رغم توقيع العقوبات.

وأشار إلى أن العقوبات الأمريكية الأوروبية على موسكو، من الممكن أن يكون الهدف منها، ممارسة الضغوط على روسيا، للانسحاب من شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها بالقوة عام 2014، وهو ما أدى إلى تدهور كبير في علاقاتها بالعالم، خاصة أمريكا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تحذيرها من شن هجوم عسكري ضد أوكرانيا، إذ نقلت مصادر إعلامية، أن الجيش الروسي يحشد عدداً كبيراً من قواته على الحدود مع أوكرانيا، لشن هجوم خاطف، لكنه في ظل الظروف الراهنة حالياً، فإن قيام روسيا بخطوة كهذه، مخاطرة غير محسوبة العواقب، وهي تدرك ذلك وتعلم أن دخولها أوكرانيا، يمكن أن يعزز حالة عدم الاستقرار التي تشهدها تلك المنطقة، خاصة في ظل التغييرات الجيوسياسية، التي يشهدها العالم في أنحاء متفرقة خصوصاً أفغانستان.

ومؤخرًا، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بأن روسيا ستتعرَّض لـ"عقوبات شديدة اقتصادية وغيرها" في حال حصول تصعيد عسكري في أوكرانيا.

وردًا على ذلك، قال الرئيس الروسي، إن القيود والعقوبات التي فُرضت بحجة الأمن الأمريكي، مجرد هراء ومحاولة لتقييد تطور روسيا.