فورين بوليسي: قصص مؤلمة لمدنيين محاصرين في أوكرانيا بسبب الأحكام العرفية

غرد آخر: الحيوانات لها حقوق في أوكرانيا أكثر من حقوق الرجال

فورين بوليسي: قصص مؤلمة لمدنيين محاصرين في أوكرانيا بسبب الأحكام العرفية

ترجمات - السياق

«الحيوانات لها حقوق في أوكرانيا أكثر من حقوق الرجل»، بهذه الكلمات الغاضبة، التي يتفوه بها الأوكرانيون في الآونة الأخيرة، سلَّطت صحيفة فوريس بوليسي الأمريكية الضوء على أزمة حصار المدنيين في أوكرانيا، بسبب الأحكام العرفية.

وأكدت المجلة الأمريكية، في تقرير ترجمته «السياق»، أن على المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية الانتباه إلى الأحكام العرفية الانتقائية على أساس الجنس في كييف.

ففي 5 يوليو الجاري، أصدر جنرالات الجيش الأوكراني إعلانًا يوسع -بشكل كبير- الأحكام العرفية التي تحظر حرية حركة المدنيين الأوكرانيين، داعين المسؤولين عن الخدمة العسكرية إلى البقاء في مناطقهم الأصلية.

إلا أنه باستخدام هاشتا #UkraineLetMenOutكان الأوكرانيون يئنون من عدم قدرة الرجال على مغادرة البلاد مع عائلاتهم، منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي بدأت قبل 5 أشهر.

فبينما غرد أحد الأوكرانيين: «الآن لا يمكننا حتى مغادرة مدننا، من دون إذن مراكز التجنيد العسكرية» غرد آخر: «الحيوانات لها حقوق في أوكرانيا أكثر من حقوق الرجال».

وقال تشارلي كاربنتر، الأستاذ بجامعة ماساتشوستس أمهيرست، مدير مختبر الأمن البشري، وكاتب التقرير في «فورين بوليسي»، إنه بصفته باحثًا في النزاعات، قضى وقتًا بالمساعدة في الجهود الإنسانية وإعداد التقارير من الحدود البولندية الأوكرانية، مشيرًا إلى أنه شاهد الرعب يأخذ طريقه بين المدنيين في أوكرانيا منذ أشهر، حتى قبل الإعلان الأوكراني الأخير.

وأوضح أن شابًا أوكرانيًا مختبئًا في لفيف طلبه منه مشاركة قصته، مشيرًا إلى أن الشاب الذي سماه أندريج انفصل عن والدته وشقيقته وخطيبته، عندما فروا إلى لندن واضطر إلى البقاء في الخلف.

وأضاف الأستاذ بجامعة ما ساتشوستس، نقلًا عن الشاب الأوكراني: «خطيبي وأمي المريضة بحاجة إليّ في الخارج، حتى أتمكن من العمل ومساعدتهما، الآن لا أستطيع حتى مساعدة نفسي، لقد تركت وحدي مع غرباء بلا منزل، ولا أستطيع مغادرة البلاد».

وأشار إلى أنه وأصدقاءه، ليس لديهم خبرة ولا يريدون حمل أسلحة ولا يمكنهم القتال، مؤكدًا أنه يعيش في خوف من أن يرسلوه إلى الحرب بلا تدريب مناسب.

وشدد الشاب الأوكراني -في رسالته- على أنه تم تدريب أصدقائه خمسة أيام وإرسالهم إلى دونيتسك، معبِّـرًا عن قلقه بشأن الرجال في هذا البلد «فكثيرون أسوأ مني».

البعد الإنساني

يقول الأستاذ بجامعة ماساتشوستس، إن شبابًا مثل أندريج يعكسون البعد الإنساني لحرب أوكرانيا، الذي نادرًا ما تغطيه وسائل الإعلام الغربية، مشيرًا إلى أنهم عبارة عن مدنيين انفصلوا عن عائلاتهم على الحدود، ويجلسون بلا عمل ويائسين، إضافة إلى أنهم معرضون للتجنيد الإجباري، رغم عدم تدريبهم على الحرب.

«كل ذلك بسبب الأحكام العرفية الانتقائية بين الجنسين، التي أقرتها الحكومة الأوكرانية بداية الحرب، فلم يُسمح للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا بمغادرة البلاد إلا باستثناءات محددة للغاية»، بحسب كاتب المقال في «فورين بوليسي»، الذي أشار إلى أنه حتى الذكور المقيمون في البلدان الأخرى، مثل الطلاب الأجانب بالوطن في عطلة الشتاء عندما بدأت الحرب، كانوا محاصرين خلف الخطوط الأمامية.

وكتب أحدهم في رسالة مباشرة على «تويتر»: «عدت إلى المنزل بضعة أيام وأصبحت رهينة للعدوان الروسي»، بينما يشتكي آخرون من عدم قدرتهم على العمل، مع نفاد المدخرات والطعام، ويخشى البعض الموت بقصف أو مذبحة إذا بقوا في المدن الشرقية.

غير مؤهلين

فبينما لا يرغب بعض الرجال في الانضمام إلى الجيش الأوكراني، يقول كثيرون إن أكثر ما يجدونه محبطًا أنهم لم يتم تجنيدهم أو تدريبهم على القتال، وهم محتجزون فقط في البلاد غير قادرين على العمل لإعالة أسرهم، أو العثور على عمل في الخارج.

وقال أحد الرجال في رسالة إلى كاتب المقال في «فورين بوليسي»: «الرجال في أوكرانيا الآن سجناء... أكثر من ذلك، فقد كثيرون منهم وظائفهم بسبب الحرب، ولا تسمح لهم الحكومة بالذهاب إلى وظيفة في الخارج».

وأظهر استطلاع عشوائي جديد لأكثر من 3100 مستخدم إنترنت أوكراني بالغ، أجراه مختبر الأمن البشري، دعمًا واسعًا لتغيير القانون، بينما يعتقد أقل من نِصف الأوكرانيين أنه يجب إجبار الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا على البقاء في البلاد.

وتساءل أحد الذين شملهم استطلاع الرأي: «ما الهدف من وجود رجل عاطل عن العمل يجلس في المنزل؟ ومن الذي لم يحمل رشاشًا في يديه؟ أنا أؤيد إطلاق سراح الرجال، شخصيًا سأكون أكثر فائدة في الخارج، من مجرد الجلوس على الأريكة، بينما قال آخر: «إذا كان بإمكان الرجال المغادرة والعمل في بلد آخر ودفع المال للبلد، فمن المرجح أن ننتصر في هذه الحرب».

لكن آخرين يقولون إن حقوق الإنسان الأساسية تشمل حرية التنقل والمساواة بين الجنسين المدنيين، بينما يقول أحد المشاركين في استطلاع مختبر الأمن البشري: «نحن نعيش في عالم حديث، يجب أن يتمتع الرجال والنساء بحقوق متساوية، والحق في الاختيار».

وبحسب كاتب المقال، يحق للدول تجنيد مواطنيها وقت الحرب، لكن حتى يتم دمجهم في الجيش، يظل هؤلاء الرجال مدنيين متأثرين بالحرب، ويحق لهم الحصول على الحماية والدعم مثل المدنيين الآخرين في الحرب.

حرية التنقل

ومع ذلك، لم تهتم منظمات حماية المدنيين بقضية حرية تنقل المدنيين، مع التركيز (كما يظهر بحث المنظمات غير الحكومية الإنسانية في كثير من الأحيان) على النساء والأطفال كضحايا حرب، ما ترك مدنيين يشعرون بضيق نفسي.

لكن منع المدنيين من الفرار مع عائلاتهم يعقد حماية النساء والأطفال أيضًا، فعندما تفر النساء والأطفال بمفردهم، فإن فصلهم عن أقاربهم الذكور يجعلهم عرضة للاتجار ويزيد ضغوطهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية.

وتتخذ العائلات خيارات مؤلمة في هذه المواقف، فأواخر مارس الماضي، وصلت شابة تُدعى فالنتينا، إلى الحدود الأوكرانية وهي حامل في شهرها التاسع، سيرًا على قدميها، وحيدة برفقة واحدة فقط، بحسب كاتب المقال.

وأضاف: كانت واحدة بين العديد من اللاجئين، الذين انضموا إلى شاحنة مجموعتي أثناء وجودي في المنطقة، حيث كنت أنقل الركاب من الحدود إلى محطة القطار في وارسو.

ولم تترك فالنتينا وراءها زوجها فقط، لكن أيضًا ابنها البالغ من العمر 4 سنوات، الذي تركته في رعاية زوجها لأنها «لم تكن تعتقد أنها تستطيع السفر في الشهر التاسع من الحمل ورعاية طفلها أيضًا، من دون زوجها»، كما تقول.

وشقت فالنتينا طريقها إلى أمستردام لتلد في مكان آمن، بينما اختبأ زوجها وابنها في جبال أوكرانيا الغربية لتجنُّب مخاطر القصف أو التجنيد الإجباري.

وعندما يُجبر الرجال على البقاء، غالبًا ما تبقى العائلات أيضًا، وهو ما أشار إليه أحد الآباء معلقًا على التماس إلى الحكومة الأوكرانية قائلًا إنه يريد تغيير القانون «لأن لديّ زوجة في الشهر السابع من الحمل غير قادرة على تحمل الأشياء التي تحدث في أوكرانيا، ولا يمكنها مغادرتها وحدها».

المخاطرة بالموت

يقول كاتب التقرير، إن البقاء يعني المخاطرة بالموت بالحرمان أو القصف، مثل ضحايا الضربة الصاروخية الروسية الأخيرة على مركز تجاري مزدحم في مدينة كريمنشوك الأوكرانية، الذي أدى إلى وفاة العديد من المدنيين.

ورغم ذلك، فإن المدنيين معرضون للخطر في مناطق النزاع في حد ذاتها، وليس فقط في علاقاتهم بالنساء والأطفال، كما وثق عالم السياسة آدم جونز، قائلًا إنه غالبًا ما يكون المدنيون أول من يُعدم من «العدو» على أساس الاعتقاد بأنهم مقاتلون.

وقال كاتب التقرير، إن تجنيد وتدريب وتجهيز ونشر الرجال والنساء كجنود شيء، أما اعتبارهم مدنيين عزلًا في حرب إطلاق نار على أساس الجنس فيعد أمرًا آخر.

كان الإعلان الأخير الذي فرض مزيدًا من القيود على حركة الرجال في مدنهم الأصلية، قد أدى إلى تفاقم هذا الخطر بشكل كبير، بحسب كاتب التقرير الذي أشار إلى تراجع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسرعة عن إعلان 5 يوليو الجاري، إلا أن حظر السفر الدولي لا يزال ساريًا ويعده العديد من المواطنين انتهاكًا لحق الإنسان في حرية التنقل والقواعد المناهضة للتمييز بين الجنسين.

مخاطر مضاعفة

وأشارت مجموعات حقوق الإنسان أيضًا إلى أن المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًا معرضون -بشكل خاص- لخطر في منطقة الحرب، ويواجهون مخاطر خاصة إذا تم تجنيدهم، بينما تعمل بعض المنظمات لمساعدة الأفراد في الفرار، مع التركيز على الفئات الضعيفة، وإيلاء اهتمام خاص للأوكرانيين المثليين.

لكن عندما يتعلق الأمر بالأحكام العرفية، فإن المثليين الذين تحدثوا لكاتب التقرير، أشاروا -بشكل لا لبس فيه- إلى أن التمييز الذي يواجهونه ليس لأنهم مثليون، لكن ببساطة لأنهم رجال.

وقال لي رجل مثلي، طلب عدم ذكر اسمه، إنه حاول مغادرة البلاد مع زوجته، قائلًا: «عندما وصلنا إلى الحدود، أعادتنا حارسة إلى الوراء»، لكن «إعادته ليس لأنه مثلي، بل لأنه ذكر».

وقال تشارلي كاربنتر، الأستاذ بجامعة ماساتشوستس أمهيرست، مدير مختبر الأمن البشري، وكاتب التقرير في «فورين بوليسي»، إن الآخرين إما أنهم لا يستطيعون تحمُّل تكاليف التهريب، وإما أنهم ليسوا محظوظين بما يكفي لإدراج أرقامهم في قائمة إجلاء المنظمات غير الحكومية، أو يفضلون ببساطة البقاء والنضال من أجل التغيير بدلاً من خرق القانون.

ويقول: أخبرني أندريج بأنه يفضل البقاء والعمل من أجل تغيير الأشياء، حتى يتمكن الآخرون أيضًا من الهروب، بينما تقول فالنتينا، إنها لن تفكر في التسلل إلى زوجها أرتيم خارج البلاد، لأنها لن نتمكن من العودة.

وبالنسبة للعائلات مثل عائلاتهم، كان التركيز على إيجاد طريقة قانونية للالتفاف على الأحكام العرفية، من خلال العديد من الإعفاءات والثغرات، مثل الإعاقة والتعليم والمهنة.

ويبدو أن العديد من هذه القواعد تعسفية، إذ يمكن للآباء الذين لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر الخروج، لكن على الآباء الذين لديهم طفلان فقط البقاء في الخلف.

وأضاف الأستاذ بجامعة ماساتشوستس أن «كل شيء يتطلب وثائق يصعب الحصول عليها للعائلات، التي ربما اضطرت إلى الفرار من منازلها في غضون مهلة قصيرة»، مشيرًا إلى أن الإعفاءات الطبية تتطلب أوراقًا من الأطباء، لكنهم منشغلون بترميم ضحايا الصدمات.

وثائق مزيفة

في هذا السياق، نشأت صناعة منزلية صغيرة في تقديم وثائق مزيفة، الأمر الذي أثار فقط الشكوك وعقد الأمور للعائلات التي تبحث عن طرق حقيقية من خلال القواعد الحالية.

ويجادل النشطاء داخل أوكرانيا بأن حق المدنيين في الفرار يجب ألا يتوقف على ما إذا كان لديهم أطفال أو نساء يجب حمايتهم على الإطلاق.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، تشكلت حركة للطعن في هذا القانون، لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، وتم تشكيل العديد من حملات تقديم الالتماسات، جمعت إحداها ما يقرب من 60 ألف توقيع تحث زيلينسكي على «السماح للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 عامًا ممن ليس لديهم خبرة عسكرية بمغادرة أوكرانيا».

ويقول كاتب التقرير: من المسلم به أنه من الصعب سياسيًا على المنظمات غير الحكومية أن تنتقد بلدًا على أسس حقوق الإنسان، التي تناضل حكومتها من أجل حق شعبها في الحياة، خاصةً أن الدول الأخرى على الهامش، لكن هناك سببًا آخر يجعل من الصعب على منظمات حقوق الإنسان حل هذه المشكلة، فالتمييز ضد المدنيين، الذين يحاولون الفرار مع عائلاتهم من بعض النواحي، يقع في ثغرات القانون الدولي الحالي نظرًا لكيفية تجزئة الالتزامات التعاهدية.

على سبيل المثال، يُحظر التمييز الجنسي ضد المدنيين في وقت الحرب، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، التي تسمح أيضًا للمدنيين بالحق في الفرار من منطقة الحرب، لكن الأهم من ذلك أن اتفاقيات جنيف تُلزم الحكومات تقليديًا بطريقة تعاملها مع «العدو».

لهذا السبب، عندما سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم وبدأت تجنيد الأوكرانيين للقتال في الجيش الروسي، عدَّت "هيومن رايتس ووتش" ذلك خرقًا للقانون الدولي.

لكن المدنيين في أوكرانيا يواجهون قانونًا وضعته بلادهم، ما يجعل تحرك "هيومن رايتس ووتش"، على سبيل المثال، محدودًا.