هل يستمر الانقسام الأوروبي على سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؟
هو ما يُنذر بتحول أوكرانيا إلى قضية سياسية خلافية

ترجمات - السياق
مع تصاعد وتيرة الحرب الأوكرانية واحتدامها، بدأت تلوح في الأفق مظاهر خلاف بين القوى الغربية في أكثر من جانب، وإن بدا هذا الخلاف بسيطًا إلا أنه -على ما يبدو- تتسع دائرته.
مجلة أوراسيا ريفيو -المعنية بالشأن الآسيوي- سلَّطت الضوء على تراجع الوحدة، التي أظهرتها أوروبا في مواجهة روسيا، منذ بدء عمليتها في أوكرانيا، مشيرة إلى الانقسام الكبير المتوقع حدوثه في المجتمعات الأوروبية، بين أولئك الذين يريدون إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، وأولئك الذين يريدون الاستمرار في القتال حتى هزيمة روسيا.
وأشارت إلى أنه في الأسابيع والأشهر التي تلت غزو أوكرانيا، فاجأ الأوروبيون، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -وأنفسهم- بوحدتهم تجاه قرار الغزو، إذ قدموا القوة الدافعة لتحول أوروبا غير المتوقع، وألهموا حكوماتهم لتبني التغيير على نطاق تاريخي، من خلال فتح منازلهم لملايين الأوكرانيين، ومطالبتهم بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على موسكو، وإجبارهم الشركات الغربية على مغادرة روسيا في أسرع وقت ممكن.
وأمام هذا التحول -تضيف المجلة- اكتشف الأوروبيون أنهم قوة أكثر جدية مما كانوا يعتقدون، وهو ما أكده مويسيس نعيم
من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بقوله: "اكتشفت أوروبا أنها قوة عظمى".
وتتساءل المجلة: "مع اقتراب الحرب من شهرها الخامس، هل تستمر الوحدة الأوروبية؟ أم تبدأ الشقوق في الظهور بين دول الاتحاد الأوروبي وداخلها؟".
السلام أم العدالة؟
وبينت "أوراسيا ريفيو" أن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أجرى استطلاع رأي لعموم أوروبا، عبر عشر دول، للعثور على إجابات عن الأسئلة السابقة، مشيرة إلى أن النقاش العام ابتعد عن الأحداث في ساحة المعركة، واتجه نحو أسئلة عن كيفية انتهاء الصراع، إضافة إلى تأثيره في حياة الناس، وبلدانهم، والاتحاد الأوروبي.
وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن الرأي العام الأوروبي يتغير، وأن أصعب الأيام قد تنتظرهم، مع استمرار الحرب الدائرة في أوكرانيا، وعدم رضوخ بوتين للعقوبات.
وكشف الاستطلاع فجوة متنامية، بين المواقف المعلنة للعديد من الحكومات الأوروبية والمزاج العام في بلدانهم، مؤكدة أن الانقسام الكبير الذي يلوح في الأفق، بين أولئك الذين يريدون إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن وأولئك الذين يريدون الاستمرار في القتال حتى هزيمة روسيا.
وفي هذا السياق، أشارت المجلة، إلى أنه رغم ما أظهرته الاستطلاعات من اتفاق المجتمعات الأوروبية على تحميل روسيا مسؤولية الحرب، وضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضدها، فضلًا عن إيمانهم بأهمية دعم أوكرانيا وتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لها، فإن الدول والمجتمعات الأوروبية مُنقسمة على طريقة إنهاء الحرب.
وفي هذا الصدد، أوضحت المجلة، أن الانقسام في أوروبا بالأساس يقع بين معسكرين، هما: مؤيدو السلام الذين يرون الحاجة إلى إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، حتى لو تطلب ذلك تنازل أوكرانيا عن أراضيها لروسيا، ومؤيدو العدالة الذين يرون أن الهدف الأهم معاقبة روسيا، واستعادة الأراضي الأوكرانية، حتى لو أدى ذلك إلى استمرار الصراع، مؤكدةً أن إهمال القادة الأوربيين التعامل مع هذا الانقسام من شأنه تقويض الوحدة الأوروبية، التي ظهرت بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
انقسام
من الناحية النظرية -حسب "أوراسيا ريفيو"- تتفق الحكومات الأوروبية على أن الأمر متروك للأوكرانيين، لتقرير متى يوقفون الحرب والموافقة على شكل السلام، لكن تظهر انقسامات واضحة في الاقتراع، عندما يختار الناخبون بين ما إذا كان ينبغي على أوروبا السعي لإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، حتى لو كان ذلك يعني تقديم أوكرانيا تنازلات، وما إذا كان الهدف الأهم معاقبة روسيا.
واستعرضت المجلة استطلاعات الرأي التي أجراها المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية في 10 دول أوروبية، موضحة أن نحو 35% يؤيدون تحقيق السلام، و22% يؤيدون تحقيق "العدالة"، مشيرة إلى فروق بين المعسكرين في قضايا مثل استجابة أوروبا السياسية والعسكرية للحرب، وانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو عضويتها المحتملة في الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن قضايا الإنفاق الدفاعي الأوروبي.
بينما رفض خُمس آخر -الناخبون المتأرجحون- (20 في المئة) الاختيار بين السلام و العدالة، لكنهم ما زالوا يدعمون -إلى حد كبير- إجراءات الاتحاد الأوروبي، ردًا على حرب روسيا في أوكرانيا.
ويختلف التمثيل من معسكرات السلام والعدالة بشكل كبير بين الدول الأعضاء والأجيال والأحزاب السياسية، إذ إن إحدى النتائج الملحوظة أنه في حين أن معسكر السلام في البلدان العشرة مقسم بالتساوي بين الرجال والنساء، إلا أن هناك هيمنة واضحة للرجال في معسكر العدالة، بنسبة 62 في المئة إلى 38 في المئة من النساء.
وفي ما يتعلق بالسياسة الحزبية، يمكن الافتراض أن ناخبي اليمين ينتمون -على الأرجح- إلى معسكر "العدالة" أكثر من ناخبي اليسار، لكن -حسب المجلة الآسيوية- هذه القاعدة نادرًا ما تكون كاملة.
وبينما يلقي الجميع باللوم على روسيا في الصراع، فإن عددًا أقل في معسكر السلام يفعل ذلك (64 في المئة، مقارنة بـ 86 في المئة) في معسكر العدالة، الذين يشيرون إلى موسكو.
أصدقاء روسيا
وبينت "أوراسيا ريفيو" أنه في حين أن بعض الناخبين المؤيدين لروسيا (أو المناهضين لأمريكا) قد يكونون جزءًا من معسكر السلام، فإن ذلك لا يجعل بالضرورة من معسكر السلام تجمعًا صديقًا لروسيا.
وأشارت إلى أنه بينما يتفق معسكرا السلام والعدالة على أن روسيا وأوكرانيا ستتأثران بنتائج هذه الحرب، يعتقد معسكر العدالة أن روسيا -قبل كل شيء- ستتأثر "أسوأ بكثير"، بينما يتوقع أعضاء معسكر السلام أن أوكرانيا ستعاني أكثر، لذلك قد يرغب البعض بمعسكر السلام في إنهاء الحرب، لأنهم يرون أنها تسبب معاناة للأوكرانيين.
أمام هذه التحديات والانقسامات، أشارت المجلة إلى دعم قوي في الدول الأوروبية، لقطع العلاقات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية مع روسيا، مشيرة إلى أن الأوروبيين يرون أن هذه الحرب ستتسبب في الكثير من الخسائر لروسيا وأوكرانيا وأوروبا، على عكس الصين والولايات المتحدة الأمريكية، اللتين لن تتأثرا بهذه الحرب، موضحة أن أكثر ما يهم الأوروبيين هو تأثير الصراع في تكلفة المعيشة، واحتمال استخدام روسيا للسلاح النووي.
وفي ما يخص انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، يدعم كل من معسكر العدالة والناخبين المتأرجحين بهوامش واسعة (71-15 في المئة و75-8 في المئة على التوالي)، بينما ينقسم معسكر السلام، حيث يدعم 37 في المئة و 40 في المائة ضد.
وفي ما يتعلق بإرسال قوات إضافية إلى أعضاء "الناتو" الشرقيين، فإن معسكر العدالة والناخبين المتأرجحين يؤيدون بقوة (75-14 في المئة و 75-8 في المئة على التوالي)، بينما ينقسم معسكر السلام (41 في المئة يؤيدون، بينما 40 في المئة يعارضون).
إلى ذلك، توصل أعضاء معسكرات السلام والعدالة إلى استنتاجات مختلفة جذريًا في ما إذا كان على بلادهم زيادة الإنفاق الدفاعي، إذ إن الأغلبية في معسكر العدالة (53 في المئة) تدعم زيادة الإنفاق العسكري، حتى لو كان ذلك يعني إجراء تخفيضات بالتمويل في مجالات مثل الصحة والتعليم ومنع الجريمة.
في الوقت نفسه، قال 29% فقط إن بلادهم يجب ألا تزيد الإنفاق على الدفاع، رغم الحرب، لأن ذلك قد يتطلب تخفيضات في مجالات أخرى.
أما في معسكر السلام، فانعكست النسب تقريبًا (29% مع، مقابل 51% ضد).
بينما ينقسم الناخبون المتأرجحون تقريبًا في هذه القضية، مع تفضيل طفيف للامتناع عن الإنفاق أكثر على الدفاع (بنسبة 35 في المئة إلى 30 في المئة).
وختامًا، أشارت المجلة الآسيوية، إلى أن استطلاعات الرأي تكشف عدم اتفاق بين الأوروبيين على الدور الذي يجب أن يلعبه الاتحاد الأوروبي في الحرب، وهو ما يُنذر بتحول أوكرانيا إلى قضية سياسية خلافية، تتباعد إثرها المواقف السياسية بين الدول الأوروبية، ما قد يُفضي إلى إضعاف التكتل، وتراجع دوره على الساحة العالمية.