آمال روسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر تتبخر... فهل انتصرت أمريكا؟

المسؤول الأمريكي رجَّح عدم إبرام صفقة بورتسودان في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أن روسيا من المحتمل أن تبحث عن خيارات أخرى إذا لم ينجح مشروع بورتسودان

آمال روسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر تتبخر... فهل انتصرت أمريكا؟

ترجمات - السياق 

بعد قرابة عام ونصف العام، من صول أول سفينة حربية روسية إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، تمهيدًا لإنشاء أول قاعدة بحرية لموسكو في إفريقيا، جاءت الرياح بما لا تشتهي روسيا.

فآمال موسكو تراجعت بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر، الذي يعد أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم، وفقًا لمسؤولين استخباراتيين أمريكيين تحدثا إلى «فورين بوليسي» بشرط عدم كشف هويتهما.

وبحسب «فورين بوليسي»، فإن المسؤولين الأمريكيين كانوا يراقبون الصفقة بين موسكو والخرطوم، التي أعلن عنها لأول مرة أواخر عام 2020، والتي -حال إبرامها- تمنح روسيا موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر، حيث يمر نحو 30% من حركة الحاويات في العالم لكل منهما.

وستكون القاعدة البحرية –إذا ما مضت الصفقة قدمًا- الأولى لروسيا في إفريقيا، التي يخشى المسؤولون الأمريكيون أن تستخدمها موسكو لإبراز قوتها في مناطق أبعد في المحيط الهندي.

ديناميكيات معقدة

إلا أنه يبدو أن طموحات روسيا البحرية في البحر الأحمر تتعارض مع الديناميكيات الداخلية المعقدة في القيادة العسكرية السودانية، التي تتولى زمام الأمور في البلاد، فرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، سعى إلى تجنُّب تنفير الغرب وحلفائه الرئيسين في المنطقة، بحسب «فورين بوليسي».

وقال مسؤول استخباراتي أمريكي في تصريحات للصحيفة: "إنهم مترددون جدًا (الجيش السوداني) في منحهم الوصول إلى هذا الميناء. إنهم يواصلون تكتيكات التأخير".

المسؤول الأمريكي رجَّح عدم إبرام صفقة بورتسودان في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أن روسيا من المحتمل أن تبحث عن خيارات أخرى إذا لم ينجح مشروع بورتسودان.

وبحسب «فورين بوليسي»، فإن روسيا حققت نجاحات كبيرة في إفريقيا في السنوات الأخيرة، كجزء من طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتوسيع نفوذ بلاده العالمي «رغم قوتها الناعمة المتضائلة واقتصادها الضعيف».

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن موسكو -مع صب مواردها العسكرية في الحرب الأوكرانية- وسعت انتشارها في المناطق غير المستقرة وأماكن الصراع في إفريقيا، بما في ذلك مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، مستفيدة من مبيعات الأسلحة.

نفوذ روسي

وقال جوزيف سيجل، مدير الأبحاث في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الخميس: «يمكن القول إن روسيا اكتسبت نفوذًا في إفريقيا، على مدى السنوات الماضية، أكثر من أي جهة خارجية».

وتذبذبت المناقشات بشأن القاعدة البحرية الروسية في السودان، ما دفع بعض المحللين إلى التساؤل عما إذا كانت هذه القاعدة غير معروضة بالفعل.

وقال سيجل لمجلة فورين بوليسي: «أعتقد أن الجيش السوداني يريد مغازلة الروس، لكنه في الوقت نفسه، يدرك أن الروس لا يجلبون الكثير، وأن أي أموال، وأي رأس مال استثماري، يجب أن يأتي من المانحين الغربيين مرة أخرى في الطائرة».

من جانبه، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن «المضي قدمًا في هذه الاتفاقية البحرية، أو أحد أشكال التعاون الأمني ​​مع روسيا، من شأنه زيادة عزلة النظام  السوداني وتقويض الاستقرار في القرن الإفريقي ومنطقة البحر الأحمر الأوسع».

بدأت المحادثات بين بوتين والرئيس السوداني السابق عمر البشير على وجود بحري روسي محتمل في السودان عام 2017، لكن بعد إطاحة الأخير عام 2019، جُمدت الصفقة في الوقت الذي سعت فيه حكومة انتقالية إلى إنهاء العلاقات الدولية في البلاد.

نص الاتفاقية

وبحسب «فورين بوليسي»، فإنه بدا أن موسكو توقع وتنشر من جانب واحد، نسخة من اتفاقية إنشاء القواعد، تبلغ مدتها 25 عامًا، في محاولة واضحة لإجبار السودان على ذلك.

ودعت نسخة من الاتفاقية، إلى السماح لموسكو بالاحتفاظ بما يصل إلى أربع سفن حربية على ساحل البحر الأحمر السوداني. في المقابل، كانت روسيا ستزود السودان بمعدات عسكرية ومساعدات حكومية.

لكن قائد الجيش السوداني الفريق محمد عثمان الحسين، قال في يونيو 2021 إن الصفقة قيد المراجعة، مشيرًا إلى أن المجلس التشريعي "الهيئة المسؤولة عن الموافقة على هذه الإجراءات في الحكومة الانتقالية" لم يتم تشكيلها.

انتصار صغير

وقالت «فورين بوليسي»، إن الانتكاسة الروسية تمثل انتصارًا صغيرًا محتملًا للولايات المتحدة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحد من تأثير أكبر منافسيها الجيوسياسيين في إفريقيا، حيث تسعى روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما، من خلال تعميق التعاون الأمني ​​مع الحكومات الإفريقية، رغم أن الأخيرة تخشى تصويرها كبيادق في منافسة جيوسياسية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

وقال تشيدي بلايدن، المسؤول البارز في وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون الإفريقية، أمام لجنة بمجلس الشيوخ خلال جلسة استماع الثلاثاء: «يدرك خصومنا جيدًا الإمكانات الاستراتيجية لإفريقيا ويكرِّسون الموارد والوقت لتعزيز شراكاتهم في القارة، وكجزء من مشاركتها، تقدم روسيا والصين بشكل روتيني مواد تدريبية ودفاعية للدول الإفريقية».

وقال كاميرون هدسون، الخبير في العلاقات الأمريكية الإفريقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إن استراتيجية روسيا في السودان تتمثل في تطوير العلاقات مع الجانبين.

ورغم محاولة روسيا، فإن الأخيرة قلقة أيضًا من التورط في صفقة موانئ رئيسة، حيث لا تزال الأزمة السياسية بالسودان في حالة تغير مستمر، كما قال الخبراء.

وقال هدسون، الذي عمل في وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية: «من الواضح أن هناك أزمة سياسية بالبلاد في الوقت الحالي»، مشيرًا إلى أن «الرمال السياسية تتغير كثيرًا في السودان، لدرجة أن هذا النوع من الترتيب، حتى لو أعلن إتمامه، سيكون مثارًا للتساؤل».

ازدحام المنطقة

فتحت الصين أول قاعدة بحرية خارجية لها في جيبوتي عند مدخل البحر الأحمر، في البلد الذي يُعد موطنًا للقاعدة الأمريكية الدائمة الوحيدة في إفريقيا.

ولأن مسؤولي المخابرات الأمريكية يعتقدون أن آمال روسيا بإنشاء قاعدة في بورتسودان قد تكون بعيدة عن الأنظار، فقد قالوا إن موسكو من المرجح أن تبحث عن خيارات أخرى على طول ساحل البحر الأحمر.

على سبيل المثال، عام 2018، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف محادثات مع نظيره الإريتري عثمان صالح، لإنشاء مركز لوجستي على الساحل الإريتري، ظاهريًا للزراعة والتجارة، لكنه يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تعاون عسكري أوثق.

وقال مسؤول استخباراتي أمريكي رفيع: «هذا على الأرجح ليس شيئًا يجب القيام به غدًا. هذا وصول استراتيجي طويل المدى، شيء يحاولون الوصول إليه، لذلك قد يكون هناك نهج الانتظار والترقب».