لماذا لن تفرض الهند والصين عقوبات على روسيا؟
بينما يوازن الغرب خيارات السياسة، لجعل العقوبات -أحادية الجانب- مقبولة لدى نيودلهي وبكين، يجب أن يراعي مخاوفهما الحالية وتاريخهما في التعامل مع القرارات الأحادية الغربية

ترجمات-السياق
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير الماضي، ظل الغرب يحاول إقناع الهند والصين بالتخلي عن "حيادهما" في الصراع، ودعم العقوبات ضد موسكو، وسط تجاهل البلدين للطلب الأوروبي، حتى الآن.
وقالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية -في تحليل- إنه في حين أن سياسات الدول الغربية وعلاقاتها مع الهند والصين ليست فردية، كما أن الغرب ليس كتلة واحدة، فإن موقف بكين ونيودلهي يشير إلى الاعتراف العام -في العالم الغربي- بأن الحصول على دعم من القوى الصاعدة، أمر حيوي لفرض عقوبات مؤثرة على روسيا.
حشد الدعم
لإقناع الهند والصين، تبنى القادة الغربيون نهجاً مختلفاً مع كل منهما، إذ إنهم يتعاملون بشدة مع بكين، بينما يتعاطفون مع نيودلهي، رغم أن الهدف نفسه وهو حشد الدعم للعقوبات ضد روسيا.
وقالت المجلة، إن تواصل نيودلهي وبكين المستمر مع موسكو لا يعد مجرد ممارسة معتادة، نظراً لعلاقاتهما التاريخية والمنفعة المتبادلة بينهما وبين روسيا، وهو ما يبرر التجاهل الهندي والصيني للعقوبات الغربية أحادية الجانب (التي تفرضها بعض الدول والكتل بشكل مستقل).
ولمعالجة الشكوك الهندية والصينية بشأن العقوبات، من المهم فهم أسباب عدم قبول نيودلهي وبكين لها، ومن خلال النظر في تاريخ القوتين الصاعدتين، في التعامل مع العقوبات أحادية الجانب، إضافة إلى وجهة نظرهما، التي عبَّرتا عنها في المنتديات الوطنية والدولية، يمكن فك شفرة رفضهما لهذه العقوبات.
عقوبات مستمرة
أشارت المجلة إلى أنه على مر السنين تعرَّضت الهند والصين للعقوبات من قِبل الدول والمؤسسات الغربية، رغم أن أسباب فرض العقوبات كانت مختلفة، حيث إنه بالنسبة لنيودلهي، فإن العديد من العقوبات جاءت بعد تجربتها النووية الأولى عام 1974، ثم فرض العديد من الدول الغربية ومجموعات مراقبة الصادرات عقوبات عليها، ما حد من نقل التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج إلى الدولة النامية.
من ناحية أخرى، تعرضت الصين للعقوبات أو التهديد بالعقوبات عام 1949 بسبب الخلافات الأيديولوجية، ثم تعرضت للعقوبات مرة أخرى في الثمانينيات والتسعينيات، وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دعت انتهاكات حقوق الإنسان والتجارة النووية مع الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، إلى عقوبات غربية على الكيانات الصينية.
وكل مرة تُفرض فيها عقوبات على بكين ونيودلهي، يتم تحديها، إذ أعلن قادة الدولتين -في كثير من الأحيان- أن العقوبات لن تغير سياساتهما.
أدوات إكراه
رغم رفع العقوبات -في نهاية المطاف- فإن العقوبات المستمرة جعلت نيودلهي وبكين مترددتين في الإذعان للعقوبات الغربية الأخيرة على روسيا، كما أن تجربتهما الخاصة أدت إلى تشكيل خطاب الدولة، حيث إنه عادة ما يُنظر للعقوبات على أنها أدوات إكراه، وأن الطرف الخاضع للعقوبات هو الضحية، إذ أثرت التجارب الهندية والصينية -كدول خاضعة للعقوبات- في سياساتهما إلى حد كبير في ما يتعلق بالعقوبات الأحادية الجانب، كما أنها شكلت تفهمهما للإجراءات.
ووفقاً للمجلة، فإنه لم يتم التعبير عن موقف الهند والصين، من العقوبات أحادية الجانب بشكل فردي فحسب، ولكن أيضاً معاً في المنتديات متعددة الأطراف، إذ تبنت نيودلهي وبكين، بجانب موسكو، خطاباً تدريجياً ضد هذه العقوبات في منتديات مثل مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) والاجتماعات الوزارية الثلاثية السنوية بين روسيا والهند والصين، خاصة منذ عام 2013 فصاعداً، حينما بدأت الدول الغربية استخدام العقوبات أحادية الجانب بكثرة على دول البريكس نفسها، وحينها شعرت المجموعة بالحاجة إلى تطوير وتوضيح موقفها من العقوبات، وأصدرت تصريحات تدين التدخلات العسكرية الأحادية والعقوبات الاقتصادية.
وفي العقد الماضي، أدت العقوبات المفروضة على الحلفاء المقربين أو الشركاء التجاريين لدول البريكس، مثل إيران وكوريا الشمالية، إلى توجيه اللوم أيضاً إلى الغرب، واتفقت "البريكس" إلى حد كبير على أنها "غير ملزمة بالعقوبات أحادية الجانب"، مشددة على أن هذه الإجراءات ليس لها تأثير إيجابي، لكنها يمكن أن تسبب نقصاً في الإمدادات.
خطاب مناهض
جادلت نيودلهي وبكين بأن العقوبات الأحادية تتعارض مع القانون الدولي، حيث أكدت البيانات المشتركة لدول البريكس أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لديه "السلطة الوحيدة لفرض العقوبات"، بينما جادلت دول البريكس، بشكل فردي، بأنها "ليست ملزمة باتباع أي قوانين أو قواعد محلية لأي دولة معينة".
وفي الآونة الأخيرة، احتل هذا الموضوع مكانة بارزة بالنسبة للهند والصين، حيث جرت معاقبة الكيانات الصينية، بموجب قانون الولايات المتحدة لمواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، بينما كانت الهند تخشى مواجهة المصير نفسه، لاستيرادها معدات دفاعية من روسيا، وفي الاجتماعات السنوية لوزراء خارجية روسيا والهند والصين، جرى دفع الفكرة نفسها، فمن خلال البيانات المشتركة، شدد ممثلو الدول الثلاث على أن هذه الإجراءات تقلل من "فعالية وشرعية" نظام عقوبات مجلس الأمن الدولي وتضر بالتجارة الدولية، حسبما أفادت المجلة.
وذكرت "ناشيونال إنترست" أن هذا الخطاب المناهض للعقوبات الأحادية، استمر وتطور على مدى العقد الماضي، كما يبدو من المرجح للغاية أن تبقى المناقشات بشأن العقوبات وتأثيرها في دول البريكس، على رأس جدول الأعمال في اجتماعات قمة البريكس، واجتماعات وزراء خارجية روسيا والهند والصين السنوية المقبلة.
حليف قديم
ذكرت مجلة "ناشيونال إنترست" أنه بينما يحشد الغرب الدعم لفرض عقوبات على روسيا، يجب أن يحسن التصرف، إذ لا تزال الهند والصين تتعاملان مع تداعيات الوباء، وقد تصاعدت حاجاتهما الاقتصادية من الطاقة في العامين الماضيين، ولذا فإنه لن يتفق الاثنان على تقييد تواصلهما مع الحليف القديم، روسيا.
وتاريخياً، ظلت العقوبات تخدم مجموعة من الأغراض، من دعم المعايير الدولية وتقييد تطوير الأسلحة النووية من قِبل الدول غير النووية إلى دفع الدول إلى طاولة المفاوضات، والآن يُنظر إلى العقوبات المفروضة على روسيا، على أنها وسيلة لوقف العنف في أوكرانيا، والمساعدة في التوصل إلى حل للصراع.
وقالت "ناشيونال إنترست" إنه لا يوجد رفض لدى نيودلهي ولا بكين لهذه الأهداف، لكن من المهم فهم وجهة نظرهم وتقديم عروض واعية قابلة للتطبيق، ومتوافقة مع مصالح القوتين الصاعدتين، وتابعت: "بينما يوازن الغرب خيارات السياسة المختلفة لجعل العقوبات أحادية الجانب مقبولة بشكل أكبر لدى الهند والصين، يجب أن يراعي مخاوفهما الحالية وتاريخهما في التعامل مع هذه القرارات الأحادية الغربية".