لم ننم منذ شهر.. أوكرانيون فارون من الحرب يروون قصصًا مأساوية
يؤكّد فاديم بويتشنكو، رئيس بلدية زابوريجيا، أن وضع مَنْ بقي من سكان ماريوبول، المقدّرّ عددهم بنحو 120 ألفا لا يحتمل

السياق
في مركز إيواء بزابوريجيا جنوبي أوكرانيا، يروي سكان الجنوب -الفارون من الهجوم الروسي- مأساتهم وهمومهم، ومن بين هؤلاء طفل رسم هرًا أسود أخضر العينين كاتبًا على الرسم: "إذا ما عثرتم على قطّي ميكا، رجاءً أبلغوا اختصاصي علم النفس".
في مرآب مركز تجاري كبير، تشكل خيمة بيضاء كبيرة، محطة عبور للنازحين من ماريوبول المحاصَر،ة الواقعة على بعد أكثر من مئتي كيلومتر إلى الجنوب الشرقي، ومن الخطّ الساحلي كلّه الذي احتلّه الروس.
يأتون لتناول طعام على طاولات مشتركة، وأخذ الملابس والأدوية وحتّى الألعاب، وانتظار حافلات تنقلهم إلى مناطق أقلّ عرضة للقصف.
وعُلّقت داخل الخيمة، رسوم لأطفال أغلبيتها تتغنى بأوكرانيا وجيشها، بينما علقت على عمود إعلانات لمواقف متاحة للسيارات وصور وأرقام هواتف لأقارب مفقودين.
تركت أنغيلا بيرغ، وهي مفعمة بالنشاط في الخامسة والخمسين من العمر، كلّ ما تملكه في جحيم ماريوبول. ولم يتسنّ لها حتّى أن تصطحب والدتها معها في هذا المسار، نظرًا لتقدّمها في السنّ.
تخبر مراسل وكالة فرانس برس بأن "مسلّحًا برشّاش أجبرنا على التمدّد أرضًا على قطع زجاج مكسور أمام بنايتنا المؤلفة من 12 طابقًا، ثمّ راحوا يقصفون المبنى بالدّبابات، فاندلعت النيران فيه. وكان الرجل يطلق النار على الذين يحاولون الخروج من العمارة".
وتردف السيدة، التي كانت تعمل مديرة في مجال المطاعم والفنادق: "لم يسمحوا لنا بأخذ مقتنياتنا قبل أن تحترق، لا أمتعة ولا مستندات، حتّى الملابس التي أرتديها حصلت عليها من متطوّعين في مركز إيواء".
يرتجف صوتها عند التطرّق إلى والدتها وقريبتها المعاقة، اللتين لم يتسنّ لها اصطحابهما، لتتمكن من إنقاذ بقية أفراد العائلة، ومن بينهم حفيدتها المريضة، التي لم تتخطّ شهرها الرابع، فتقول:"هو أصعب قرار اضطررت لاتخاذه في حياتي، فقد كان عليّ أن أختار بين والدتي وأحفادي".
وتوضح: "الناس الذين في وسعهم المشي وحدهم قادرون على الفرار، لا مكان تلجأ له أمّي وقريبتي، وليس لدينا أيّ معلومات عما حلّ بهما".
أكثر من أزمة إنسانية
يؤكّد فاديم بويتشنكو، رئيس بلدية زابوريجيا، لوكالة فرانس برس، أن وضع مَنْ بقي من سكان ماريوبول، المقدّرّ عددهم بنحو 120 ألفا "لا يحتمل". وتشهد هذه المدينة الساحلية معارك طاحنة منذ أكثر من شهر.
ويوضح: "لم يعد لديهم شيء، لا تدفئة ولا مياه ولا كهرباء. تخطّينا مفهوم الأزمة الإنسانية".
يصف إيفان كوسيان (17 عامًا) الذي وصل مع والدته وأصدقائه إلى زابوريجيا في 22 مارس، بدوره مشاهد فظيعة في مرفأ ماريوبول المحاصَر.
ويخبر الشاب: "في بنايتنا، شبّت النيران في ثلاثة مداخل وحرق أناس أحياء وكان الأمر فظيعًا".
ويضيف وهو يحتسي الشاي، الذي قدّمه له المتطوّعون: "استغرق الأمر ما بين 10 ساعات و12 ساعة للوصول إلى المركز هنا".
وأجلي أكثر من 3800 شخص الثلاثاء، بينهم أكثر من 2200 عبر ممرّ إنساني من ماريوبول ومدينة برديانسك الساحلية جنوبي البلاد، نحو زابوريجيا، بحسب السلطات الأوكرانية.
تجلس ناتاليا بابيتشوك، وهي مدرّسة آتية من بولوغي، على طاولة أخرى، وقد احمرّت عيناها من شدّة البكاء وما زال من الصعب عليها أن تستوعب واقع الحال.
وتقول: "لم ننم منذ قرابة شهر".
وتستطرد وهي تحرّك محبسها بتوتّر: "سألت أحد العسكريين الروس الملقّب بالمنتقم، لأن ابنه قُتل على أيدي أوكرانيين عن مراده. فأجابني إنه الرد المستحق على ما يحدث في دونباس"، وهي منطقة في الشرق الأوكراني، يتواجه فيها الجيش الوطني مع انفصاليين موالين لروسيا منذ عام 2014.
وتردف: "أخذوا منا هواتفنا وحواسيبنا... أخذوا منّا كلّ شيء. ولا أفهم كيف يقولون إننا إخوة".