قانون نوبك... سلاح أمريكا الأخير ضد توجه السعودية نحو الشرق
السعودية ظلت تدفع من أجل توسيع وتعميق التعاون بين الدول العربية بشكل عام، وعلى وجه التحديد من خلال مجلس التعاون الخليجي، لكن يبدو أنها تنجرف أكثر نحو مجال نفوذ الصين منذ عام 2016 على الأقل.

ترجمات - السياق
رأى الكاتب الأمريكي سايمون واتكينز أن تمرير لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي، مشروع قانون عدم السماح بوجود (احتكاريين) لإنتاج وتصدير النفط المعروف بـ "نوبك" أي "لا لأوبك"، الذي يسمح برفع دعاوى قضائية ضد منظمة أوبك، على أساس سلوك مكافحة الاحتكار والتلاعب في السوق، العلامة الأكثر وضوحاً -حتى الآن- على نفاد صبر واشنطن مع المملكة العربية السعودية ومع منظمة تصدير البترول التي تقودها المملكة، بسبب ما تصفه واشنطن بأنه "عدم اكتراث" بالتعامل مع أسعار النفط المرتفعة، واستمرار تعاملاتهم مع روسيا العضو الرئيس في "أوبك بلس"، وتوجههم المستمر نحو محور القوة بين الصين وروسيا.
وأشار الكاتب، في تحليل لموقع "Oil Price"، إلى أنه يبدو أن واشنطن رأت أن الوقت قد يكون مناسباً لرفع رهاناتها على حلفائها السابقين واستخدام سيف داموكليس (أي التهديد بالخطر) الخاص بقانون نوبك، إذا لزم الأمر.
رهان السعودية
يبدو أن الرهان ضخم بالنسبة للسعودية، وأوبك، وروسيا، العضو الرئيس في (أوبك بلس)، كما أن قانون نوبك، لديه تفويض واسع يسمح له بإعلان أنه من غير القانوني وضع سقف لإنتاج النفط أو تحديد الأسعار، وفقًا للكاتب.
وأشار إلى أن إنشاء منظمة أوبك عام 1960، في الأساس، لتنسيق وتوحيد السياسات البترولية لجميع الدول الأعضاء، ولتحديد أسعار النفط بشكل فعال، ولكن بالنظر إلى أن أعضاء المنظمة يمثلون نحو 40% من إنتاج النفط الخام في العالم، وقرابة 60% من إجمالي النفط المتداول دولياً هو من صادراتهم النفطية وما يزيد قليلاً على 80% من احتياطات النفط العالمية، فإن تأثيرها في سوق النفط العالمي كان في شكل (احتكاري).
وفي حال سَنِّ قانون نوبك، فإنه سيمنع بشكل كبير الإجراءات أو التصريحات الصادرة عن أوبك على وجه التحديد، وأعضائها الرئيسين، وزعيمها الفعلي المملكة العربية السعودية، وهو ما سيشمل أي تخفيضات أو زيادات منسقة في إنتاج النفط، وأي بيانات تتعلق بالمكان الذي تتوقع فيه المنظمة أو أي من أعضائها الرئيسين، بما في ذلك المملكة، مستويات الإنتاج أو أسعار النفط في المستقبل.
كما أنه سيزيل -على الفور- الحصانة السيادية التي كانت تتمتع بها المنظمة في المحاكم الأمريكية كمنظمة وللدول الأعضاء فيها، وهو ما سيترك المملكة عرضة لمقاضاتها بموجب قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي الحالي، حيث تقدر التزاماتها الإجمالية بنحو تريليون دولار أمريكي من الاستثمارات في الولايات المتحدة وحدها، وفقًا للكاتب.
شركة أرامكو
وقال الكاتب الأمريكي سايمون واتكينز، إنه بالنسبة للسعودية، فإن ذلك قد يعني أيضاً أن القيمة الفعلية لعملاق النفط والغاز الخاص بها، شركة أرامكو، في تحديد، بالنظر إلى أنها الأداة الرئيسة المستخدمة لإدارة تدفقات النفط للزعيم الفعلي الرائد في العالم ومحتكر النفط بحكم الأمر الواقع.
ورغم أن "أرامكو" السعودية لا تشارك -بشكل مباشر- في صنع السياسات، فإن تشريعات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يمكن أن تشير إلى الشركة كمتواطئة في تحديد الأسعار من خلال تعديل إنتاجها للمساعدة في إدارة أسعار النفط، ومن خلال إدلاء مسؤوليها بتصريحات عن مستويات الإنتاج المستقبلية للشركة وتوقعات أسعارها، بحسب الكاتب.
لماذا التهديد بقانون نوبك؟
أشار واتكينز إلى أن "وصول الموقف إلى الاستخدام النهائي لتهديد قانون نوبك، نتيجة لثلاثة عوامل، الأول كان كسر مضمون اتفاقية عام 1945 التي أبرمت بين الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت والعاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود في سفينة البحرية الأمريكية (كوينسي) بقناة السويس، إذ كانت الصفقة التي اتفقا عليها، التي سارت بسلاسة نسبياً سنوات، هي أن تتلقى الولايات المتحدة جميع إمدادات النفط التي تحتاجها طالما كان لدى السعودية النفط، وفي المقابل ستضمن الولايات المتحدة أمن المملكة، ورغم تعرض الاتفاقية لعثرة في الطريق مع حظر النفط عامي 1973 و1974، فإن التحدي الحقيقي لهذه الاتفاقية جاء في حرب أسعار النفط 2014-2016 التي أطلقتها المملكة بهدف رئيس هو تدمير أو على الأقل تعطيل قطاع النفط الصخري الأمريكي، فمنذ الأيام الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، استخدم التهديد بتمرير مشروع قانون نوبك لإقناع السعوديين بالالتزام بـ"نطاق أسعار ترامب الخاص بالنفط"، الذي كان يتمثل في حد أدنى من 35-40 دولاراً أمريكياً لبرميل برنت (السعر الذي يمكن أن يحقق معظم منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة ربحاً فوقه) وسقف يبلغ 75-80 دولاراً أمريكياً للبرميل (الذي كان من المحتمل أن تكون له آثار اقتصادية سلبية في الولايات المتحدة حال تجاوزه).
ووفقاً للكاتب، فإن السبب الثاني هو عدم المرونة من السعوديين و"أوبك" للمساعدة في خفض أسعار النفط في الوقت الحالي، لدرجة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكذلك ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان رفضا حتى الرد على مكالمة هاتفية عاجلة عن الموضوع من الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وبالنسبة للاقتصاد الأمريكي، فإن السوابق التاريخية تشير إلى أن كل تغيير بـ 10 دولارات أمريكية للبرميل في سعر النفط الخام، ينتج عنه تغيير بنسبة 25-30% في سعر جالون البنزين، أما من الناحية السياسية، فهناك حقيقة تاريخية تشير إلى أنه منذ الحرب العالمية الأولى، فإنه كان يُعاد انتخاب رئيس الولايات المتحدة 11 مرة من أصل 11 في حال لم يكن الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، والآن باتت واشنطن على بُعد عامين فقط من الانتخابات، وسيواجه بايدن، أو أياً كان المرشح الديمقراطي، انتخابات رئاسية أخرى عام 2024، كما ستكون هناك انتخابات التجديد النصفي الحاسمة في نوفمبر 2022، التي قد يخسر فيها الديمقراطيون أغلبيتهم في مجلس النواب نتيجة للأمر.
تجاهل السعودية
أما السبب الثالث الذي أثار غضب الولايات المتحدة المتزايد من تجاهل السعودية و"أوبك" للاتفاقيات السابقة، والتأكيدات التي جرى تقديمها مع الولايات المتحدة، أنهم كانوا يقتربون -طوال الوقت- من محور القوة بين الصين وروسيا، حسب الكاتب.
وذكر الكاتب أن السعودية ظلت تدفع من أجل توسيع وتعميق التعاون بين الدول العربية بشكل عام، وعلى وجه التحديد من خلال مجلس التعاون الخليجي، لكن يبدو أنها تنجرف أكثر نحو مجال نفوذ الصين منذ عام 2016 على الأقل، وهو ما اتضح جلياً في الفترة الأخيرة من خلال سلسلة الاجتماعات التي عُقدت مؤخراً في بكين بين كبار المسؤولين من الحكومة الصينية ووزراء خارجية من السعودية والكويت وعمان والبحرين، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، وقد كانت الموضوعات الرئيسة للمحادثات في هذه الاجتماعات إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ومن أجل "تعاون استراتيجي أعمق في منطقة تظهر فيها الهيمنة الأمريكية علامات التراجع"، وفقاً لما نقله الكاتب عن تقارير إخبارية محلية.
ونهاية التحليل، قال واتكينز إن مشروع قانون نوبك اقترب من مرحلة سَنِّه، إذ إنه في حال كانت إدارة بايدن لا تعتقد أن المملكة العربية السعودية وأوبك سيصبحان أكثر تعاوناً في المستقبل، فإنه سيتم توقيعه من قِبل الرئيس الأمريكي، ليصبح قانوناً سارياً في الولايات المتحدة.