تصاعد الخلافات بين المدنيين والعسكريين.. ماذا يحدث في السودان؟

قال محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة: كل دماء السودانيين غالية، وأن الرسالة التي وجَّهتها الجماهير الآن وضحت، وأن جماهير الثورة يقظة، وسوف تستمر في يقظتها لحماية ثورتها.

تصاعد الخلافات بين المدنيين والعسكريين.. ماذا يحدث في السودان؟

السياق

مطالبات بإنهاء الشراكة مع المكوِّن العسكري، وتشكيل حكم مدني خالص في السودان، وتأكيدات من الجيش أنه لا ينوي الانقلاب، وسينسحب من المشهد السياسي، بعد إجراء الانتخابات المقررة نهاية الفترة الانتقالية، سجال يتجدد بين المدنيين والعسكريين في البلد الإفريقي، الطامح للوثوب نحو خطواته الأولى في إرساء الديمقراطية.

السجال بلغ ذروته، بعد أن قال أعضاء في مجلس السيادة السوداني، إن حراساتهم العسكرية المُكلفة بحمايتهم تم سحبها، بينما دعا تجمع المهنيين السودانيين، الذي لعب دورًا بارزًا في الثورة ضد البشير، إلى إنهاء الشراكة مع المجلس العسكري، وإلغاء الوثيقة الدستورية.

لكن كيف بدأت آخر موجات التصعيد بين المكوِّنين؟ وما التطورات اللاحقة؟ وإلى أين تصل؟ وما تأثير ذلك في الانتقال الديمقراطي في السودان؟ «السياق» تجيب عن تلك الأسئلة في هذا التقريرها.

بداية التصعيد

التصعيد بين الطرفين، بدأ بعد خطاب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أمام قوات الجيش، في منطقة المرخيات شمالي الخرطوم، غداة إحباط المحاولة الانقلابية الفاشلة.

إلا أن الخطاب، الذي كال فيه البرهان الاتهامات للتيار المدني، قائلًا: إن القوى السياسية تتجاهل معاناة الشارع، وتركز جهدها على الإساءة للعسكريين، تزامن مع آخر لنائبه في مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، اتهم هو الآخر السياسيين، محملًا إياهم تكرار محاولات الانقلاب في السودان.

وقال حميدتي: «بشكل واضح وصريح، أرى أن سبب تكرار محاولات الانقلاب، السياسيون الذين منحوا الفرصة لقيام الانقلابات»، مشيرًا إلى أن «السياسيين أهملوا المواطن وخدماته الأساسية، وانشغلوا بالصراع على الكراسي والمناصب، ما سبب حالة من عدم الرضا والتململ لدى المواطنين، الذين اضطر كثيرون منهم إلى الهجرة خارج البلاد، وبيع بعض ممتلكاتهم لمجابهة الحياة».

إلا أن اتهامات المكوِّن العسكري، خُتمت بخطوات عملية، بعد إصدار المؤسسة العسكرية أوامر للقوات التي تؤمن مقر لجنة التفكيك والأصول المستردة، بالانسحاب، أعقبه قرار آخر بسحب الحراسات الشخصية من أعضاء المكوِّن المدني بمجلس السيادة الانتقالي في السودان.

ردود غاضبة

تلك الاتهامات والخطوات العملية، قوبلت بردود فِعل غاضبة من المكوِّن المدني، كان أحدها دعوة لجنة تفكيك نظام البشير السودانيين، للاحتشاد في مقر اللجنة، وهو ما كان مساء الأحد، بعد سحب الحراسات من مقار اللجنة.

وقال وزير مجلس الوزراء خالد يوسف، إنه لا تراجع عن خط استمرارية الثورة، مشيرًا إلى أن تصوير ما يحدث في الساحة، بأنه مواجهة بين الجيش والمدنيين «غير سليم»، إنما المواجهة بين أنصار الثورة وفلول النظام البائد.

محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة، رئيس لجنة التفكيك المناوب، قال في تصريحات نشرتها «سونا»، إن اللجنة باقية كجزء من جهاز الدولة، باعتباره مؤسسة تستند إلى دستورية الوثيقة الدستورية، مشيرًا إلى ضرورة التحلي بالمسؤولية والسِّلمية واليقظة، وعدم الانجرار للمواجهة.

وأشار إلى أن «كل دماء السودانيين غالية، وأن الرسالة التي وجَّهتها الجماهير الآن وضحت، وأن جماهير الثورة يقظة، وسوف تستمر في يقظتها لحماية ثورتها».

من جانبه، قال وجدي صالح، عضو لجنة التفكيك، إن اللجنة مستمرة في عملها، وعازمة على تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، لفسح الطريق أمام انتخابات حرة نزيهة، في أعقاب الفترة الانتقالية التي تبقى منها عامان.

الانتقال الديمقراطي

عضو المجلس المركزي القيادي لقوى إعلان الحرية والتغيير، عباس مدني، قال: مازال أمام القوى المدنية عمل طويل، لعودة المجموعات التي غادرت قوى إعلان الحرية والتغيير بما فيها الحزب الشيوعي، لمجابهة التحديات التي تواجه مرحلة الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وأضاف: «السودان الآن يواجه أزمة عصيبة، من مجموعات الانقلابيين، التي تحاول أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وتريد أن تعود بالسودان إلى غياهب العهد الشمولي، لكن الشعب السوداني له بالمرصاد، من خلال وقوفه خلف مسار الانتقال المدني الديمقراطي».

وأعرب مدني عن أمله بأن يكون المجلس بحجم وتطلعات الشعب السوداني، الذي قال إنه واجه الكثير من العتاب، مبينًا أنه عتاب مبرر ومفهوم، لأداء القوى السياسية والتنفيذية في الفترة الماضية.

تصعيد جماهيري

قرارات قيادة الجيش، الخاصة بسحب قواته المخصصة للجنة التفكيك، أدت إلى تصعيد في الشارع، خاصة بعد مطالبة محمد الفكي السودانيين، بأن يهبوا للدفاع عن الانتقال.

يأتي ذلك بينما تستعد لجان المقاومة في الأحياء، لموجة احتجاجات جديدة، وترتيب ما قيل إنها «مليونية» تسعى لجان المقاومة لتنظيمها في 30 سبتمبر الجاري.

نزع فتيل الأزمة

في محاولة أخيرة لنزع فتيل تصاعد الأزمة، ظهر رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، كوسيط بين المدنيين والعسكريين، قائلًا، في خطاب: إن الصراع الذي يدور حاليًا، ليس صراعًا بين عسكريين ومدنيين، بل هو صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين.

وطالب حمدوك، قوى الثورة بالوحدة كونها الضمان لتحصين الانتقال من المهددات التي تعترض طريقه، داعيًا كل الأطراف للالتزام بالوثيقة الدستورية التزاماً صارماً، والابتعاد عن المواقف الأحادية، وأن تتحمَّل مسؤوليتها كاملة وبروح وطنية عالية، تُقدِّم مصلحة السودان وشعبه على ما عداها.

وقال رئيس الحكومة السودانية: إن لجنة تفكيك التمكين من مكتسبات الثورة، والدفاع عنها والمحافظة عليها واجب، مشيرًا إلى أنه لا تراجع عن تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، لأن تفكيك الإنقاذ استحقاق دستوري، يدعم التحول المدني الديمقراطي، وهو هدف لا تنازل عنه.

وأكد أن مبادرة «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال -الطريق إلى الأمام» هي الطريق لتوسيع قاعدة القوى الداعمة للانتقال الديمقراطي، مرحبًا بجميع ردود الأفعال، التي صدرت مؤخراً من جميع الأطراف عليها.

رسالة من الجيش

وفي محاولة لطمأنة المكوِّن المدني، جدد الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، حرصه على وحدة السودان وتوافق القوى السياسية، مشدداً على أنها الطريق الأوحد لإنقاذ البلاد من واقعها الحالي.

وقال خلال لقائه قوات الجيش: نريد قوات مسلحة محترفة ومهنية بعيدة عن الاستقطاب السياسي، مؤكداً أن القوات المسلحة واجبها الحفاظ على وحدة التراب.

وبينما نفى ما أشيع عن نية القوات المسلحة القيام بانقلاب، أكد أنهم حريصون على استكمال مسيرة الانتقال، وصولاً للتحول الديمقراطي وبناء دولة الحرية والسلام والعدالة.