تاريخ الصراع بين أبناء القذافي... هل يعود سيف الإسلام إلى حُكم ليبيا؟
كيف أدى التنافس بين الأشقاء في قلب عائلة القذافي، إلى تقسيم النظام الليبي في سنواته الأخيرة، وما زال حتى يومنا هذا له دور، في فرص سيف الإسلام القذافي، في التأثير على ليبيا بعد الثورة؟

ترجمات - السياق
طوال سنوات حُكمه الطويلة، نجح الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، في تجاوز تحديات خلافته، إذ أنه ظل طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يوازن بين طموحات أبنائه في القيادة، الذين ظلوا في حالة تنافس دائم للظفر بالخلافة، لكن في الفترة الأخيرة لحُكمه، يمكن القول إن نجله المعتصم الذي اغتيل معه، كان الوريث الأكثر ترجيحًا.
واليوم، قبيل الانتخابات الليبية المقررة في ديسمبر المقبل، تتزاحم النخب الليبية، عبر جميع ألوان الطيف السياسي، على أمل استغلال أو التحايل أو إحباط المنافسة، التي سبق أن حددتها الأمم المتحدة، وسط حالة من عدم اليقين لأي منهم، بشأن الفوز بالسباق الانتخابي، بحسب جليل حرشاوي المحلل المتخصص في الشؤون الليبية.
وأضاف حرشاوي، في مقال بمجلة نيولاينز المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط: "يبدو أن أبناء الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الباقين على قيد الحياة، لديهم موهبة في زيادة الارتباك، من خلال احتلال عناوين الصحف، كما لو كان لتذكير الدولة الواقعة شمالي إفريقيا المحاصرة، بأن النظام السابق، الذي أطيح قبل 10 سنوات، لم ينته".
ففي 5 سبتمبر الجاري، أطلقت الحكومة في طرابلس سراح الساعدي، أحد أبناء القذافي، الذي طار خارج البلاد، بعد سبع سنوات ونصف السنة، قضاها في سجن طرابلس، وقبل ذلك بأسابيع، نشرت مجلة نيويورك تايمز الأمريكية، أول صورة منذ سنوات، لأخ الساعدي الأكبر والأكثر أهمية، سيف الإسلام.
ومنذ عام 2017، غالبًا ما أعطت الصحافة الدولية انطباعًا، بأن سيف الإسلام قد يحظى بمتابعة واسعة في ليبيا ما بعد الثورة، فبعد فترة من الأسر في الزنتان، جنوبي غرب العاصمة، كان يستعد لعودة رفيعة المستوى، يتوقَّع أنصاره أن تغيِّـر المشهد السياسي للبلاد.
جذب الجمهور
وأوضح الكاتب، أن ظهور سيف الإسلام في المشهد الليبي، قد "يضع الجميع في اتفاق"، في إشارة إلى أطياف العملية السياسية، في هذا البلد العربي.
"عندما يظهر الشاب البالغ من العمر 49 عامًا على المسرح السياسي، فإن (الخضر) -الليبيون الذين يعتقدون أن حُكم القذافي ما كان له أن يُسقط عام 2011- سوف يحشدون أخيرًا ويندمجون في حركة موحدة، ستصبح بعد ذلك عامل جذب لجمهور أوسع" بحسب تصريح أحد المؤيدين له، لصحيفة لو فيجارو الفرنسية.
واستبعد حرشاوي، التوفيق بين مثل هذه التنبؤات والماضي غير البعيد، موضحًا أن الزعيم الليبي الراحل لم يوضح بشكل جدي خططه للخلافة، ولو أنه فعل ذلك، فليس من المؤكد أن سيف سيكون في المرتبة الأولى.
وسط هذا الخلل السياسي، ازدهرت الكراهية بين سيف وشقيقه الأصغر معتصم، إذ استخدم الزعيم الراحل التنافس المتبادل بين أبنائه، لكسب الوقت والبقاء وحيدًا في السلطة، إلا أن ذلك أدى إلى شقاق بين أنصار النظام الأكثر أهمية، الذين لم يتمكنوا من الاتفاق على كيفية الحُكم، أو مَنْ يجب أن يحكم ليبيا، ومن ثم فإن أي تشخيص واقعي لفرص سيف الإسلام عام 2021 يتطلب إعادة النظر في التصدعات التي سبقت انتفاضة 2011، وأهمها الصراع العميق في قلب عائلة القذافي، بحسب الكاتب.
هيمنة الأبناء
وأشار الكاتب إلى أنه، عندما بلغ أطفال القذافي السبعة سن الرشد في تسعينيات القرن الماضي، دخلوا دائرة مختارة من النُّخب التي تتمتع بالهيمنة على المؤسسات الاقتصادية الليبية، إذ أشرف (محمد- مواليد 1970) -الطفل الوحيد للقذافي من زوجته الأولى فتحية- على قطاع الاتصالات في ليبيا، وابتعد عن السياسة.
بينما كانت أخت محمد غير الشقيقة وخمسة أبناء غير أشقاء، وكلهم من أبناء صفية، زوجة القذافي الثانية، أقل تواضعًا، فبعضهم، مثل معتصم وهانيبال، مُنحوا وظائف عسكرية رائدة، إضافة إلى امتيازات تجارية.
الأمر نفسه ينطبق على الساعدي (1973) بعد أن أنهى اختبار المنشطات الإيجابي في إيطاليا مسيرته المهنية كلاعب كرة قدم عام 2003، لكن بخلاف أشقائه، كان هناك سيف الإسلام (1972)، أول طفل لصفية، الذي كان أيضًا المفضَّل لدى والدته، فنان بدوام جزئي حاصل على شهادة في الهندسة الحضرية، إذ لم يُطلب من سيف الاهتمام بالشؤون الأمنية، لكنه تولى مسؤوليات إنسانية، منتصف العشرينات من عمره، لكن سرعان ما كان هو ومعتصم يتنافسان على المخططات المالية، وهو تنافس أصبح في ما بعد سياسيًا صريحًا.
تسعينيات الإرهاب
في أبريل 1999، رأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أن ليبيا تخلت عن الإرهاب، وبدأت تطبيع العلاقات من خلال السماح برفع مؤقت لعقوبات مجلس الأمن الدولي، التي فُرضت بعد تفجير لوكربي عام 1988، وحينها اضطر القذافي إلى تسليم رئيس الوزراء المشتبه به في القضية عبدالباسط المقراحي، أمام محكمة اسكتلندية في هولندا، بحسب الكاتب.
وأضاف في ذلك العام، ساعد القذافي، نجله سيف في تعزيز مؤسسته الإنسانية، من خلال إنشاء وتمويل مجموعة من الجمعيات الخيرية التابعة لها، لكن بالنسبة للعالم، بدا أنه يقدِّم ضمنيًا الشاب على أنه خليفته المحتمل، ليس بالضرورة من منطلق الاقتناع، ولكن لأنه رأى أن سيف هو الأفضل، مع الحساسيات الغربية.
وأوضح الكاتب، أن القذافي أراد أكثر من مجرد رفع دائم للعقوبات، فقد سعى إلى إعادة دمج ليبيا في المجتمع الدولي، بما في ذلك الاستثمار الغربي، الذي تشتد الحاجة إليه، في قطاع الطاقة المتدهور والبنية التحتية المتداعية، ومع ذلك، فإن إعادة الدمج هذه، تتطلب أكثر من المحادثات الثنائية عن تعويضات الإرهاب، والمخاوف الأمنية الأخرى التي تعدها واشنطن أولوية.
القوة الأمنية
ووفقًا للكاتب، فقد أنشأ القذافي مجموعة من "الكتائب" شديدة الولاء، كانت تتبعه مباشرة، إذ صُمِّمت هذه الكتائب لتوازي القوات المسلحة النظامية، التي لم يجهزها القذافي وعمد إلى تهميشها، بسبب محاولات الانقلاب السابقة التي قادها الجيش.
وأضاف: "هنا أيضًا، استخدم القذافي أبناءه، ففي عام 2000، كُلِّف معتصم، وهو طالب طب سابق، بقيادة وحدة أمراء أنشئت حديثًا، هي كتيبة الدبابات 77، ومقرها بالقرب من باب العزيزية، مجمع والده المترامي الأطراف الذي يشبه القصر.
ووسع معتصم وحدته إلى مناطق أخرى، وجعل رجاله يجرون تدريبات بالذخيرة الحية، وهي ممارسة غير معتادة لمثل هذه الوحدة خصوصًا في بدايتها، لكن ترسانة الكتيبة 77 سريعة النمو، بالتزامن مع عادة المعتصم بإخفاء المناورات الحربية لوحدته عن الشرطة العسكرية، أثارت شكوك كبار الشخصيات في المؤسسة الأمنية.
عام 2001 أبلغ رئيس المخابرات العسكرية الليبية آنذاك خليفة أحنيش، القذافي بأن نجله المعتصم قد يخطط لانقلاب، وأخذ القذافي الأمر على محمل الجد، وأمر بنزع سلاح الفرقة 77 للتفتيش، لكن المعتصم -الذي لم يكن وسط رجاله- أمرهم عن بُعد بالرفض، وبعد مواجهة متوترة، استولت وحدات القذافي على معسكرات 77 بالقوة.
وساطة مصرية
وحسب الكاتب، اضطرت حكومة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، إلى التدخل كوسيط بين المعتصم ووالده، لكن مع احتدام التوترات، ظل الشاب الليبي، الذي جُرِّد من كتيبته، في شِبه منفى في القاهرة، ولم يُسمح له إلا بالاحتفاظ برتبته العسكرية الرسمية.
وأشار الكاتب، إلى أن القذافي عـيَّـن ابنه الأصغر خميس مسؤولاً عن كتيبة جديدة، هي اللواء 32 المعزز، والمتمركز في نقاط استراتيجية حول العاصمة، بما في ذلك بلدة ترهونة القريبة، ومن ثم أثبت خميس أنه كفؤ عسكريًا ومنضبط ومخلص لوالده، وحافظ على علاقات جيدة بجميع إخوته، وبذلك أصبح لواؤه 32 في ما بعد القوة البارزة في البلاد.
وأضاف الكاتب: بعد فترة وجيزة من إبرام الولايات المتحدة صفقة مع طرابلس في ديسمبر 2003، وسّع القذافي مؤسسة سيف الإسلام الخيرية، إذ ساعده في إطلاق مشروع إصلاح شامل يسمى (ليبيا الغد)، كان يهدف إلى تعزيز تحديث البلاد، في عيون الجماهير المحلية والدولية، وقد تميَّـز المكوِّن الاقتصادي لهذا المشروع، بمشاريع بناء بعشرات المليارات من الدولارات، نُفِّذت في الغالب من قبل التكتلات التركية والصينية.
لاحقًا نجح القذافي في إقناع المعتصم بالعودة إلى البلاد، لأنه لا يريد أن تبدو عائلته منقسمة، لكن وسط ذلك طلب العديد من المقرَّبين للنظام -بشكل سري- إلحاق المعتصم بمؤسسة شقيقه سيف الإسلام الإصلاحية، التي حظيت بدعم عدد قليل من السياسيين الليبراليين.
وقال الكاتب: إن القذافي كان يسعى للظهور على مسافة متساوية بين الأخوين، وفي هذا الإطار سمح للمعتصم بإحياء كتيبته 77، وزاد صفوفها واكتسب أسلحة خلسة، بما في ذلك الغربية الصنع.
لكن سرعان ما أمر القذافي، نجله المعتصم بإعدام مرؤوسيه وإغلاق قاعدته في معسكر 77، وأبقى الزعيم الراحل على المعتصم في طرابلس، إذ أصبح ركيزة حيوية لتوازن النظام الهش، فقد حصل على دعم من قيادات اللجنة الثورية.
وأشار الكاتب، إلى أن ما ربط هذه الشخصيات بالمعتصم، هو كراهيتهم للإسلام السياسي، إذ كانوا يخشون أن تعيد "إصلاحات" سيف الإسلام إحياء الشبكات الإسلامية، التي تقف وراء خطة تمرد فاشلة وطموحة شمالي شرق ليبيا منتصف التسعينيات، تم تفكيكها فقط من خلال القمع الشديد.
العداء بين الشقيقين
بمرور الوقت، أصبح العداء بين سيف والمعتصم، الأزمة الرئيسة التي تواجه نظام القذافي، إذ كان تعطش المعتصم إلى الاستبداد القاسي متسقًا مع نفسه، لكن لا يمكن قول الشيء نفسه، عن دعوة سيف الإسلام لنمط أكثر ليونة من الحُكم.
فمن خلال جعل هذا الخطاب طريقه للوصول إلى السُّلطة، بدا سيف الإسلام غافلًا عن الطبيعة المتناقضة لمكانته فهو (الابن الليبرالي لطاغية غير راغب في التخلي عن السُّلطة)، والأسوأ من ذلك أن إحباط الشعب الليبي من كيفية إدارة البلاد، يعني أنه إذا ابتعد النظام عن الاستبداد، كما وصف سيف نفسه، لن يكون هناك ما يضمن أنه هو أو أي فرد من عائلة القذافي، يمكنه البقاء في المشهد السياسي الليبي.
يقول الكاتب: إن نداءات سيف المتكررة، للدستور والديمقراطية والتناوب في الحُكم، بدأت مزعجة، ما أدى إلى تأميم القذافي قناة سيف الفضائية، لكنه لم يأخذ منه مشروع (ليبيا الغد)، إذ يبدو أن القذافي الكبير كان يدرك أن سيف يمثِّل الأمل لشباب البلاد.
مع رفع العقوبات واتجاه أسعار النفط إلى الصعود، تحسَّنت الظروف المعيشية في ليبيا، لكن سيف وقع في زخمه الخاص، ربما لأنه كان يتحدَّث الإنجليزية جيدًا ودرس في أوروبا، وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، فقد استمتع باهتمام وسائل الإعلام الغربية، التي غالبًا ما صوَّرته على أنه الوريث الظاهر، لكن في أروقة السُّلطة في طرابلس، كانت القصة مختلفة، إذ لم يعيِّن القذافي سيف خلفًا له، ولم يخوِّله سُلطة للعمل كممثل رسمي للحكومة، ومع ذلك، فقد عيَّن المعتصم مستشار الأمن القومي.
واصل سيف -رغم إعلانه تقاعده من السياسة عام 2008- بعض أنشطته تحت عيني والده، إذ أصبحت (ليبيا الغد) خاضعة للنفوذ المتنامي لتركيا وقطر، وكلاهما تربطهما علاقات طويلة الأمد بالإسلامي الليبي البارز والمنشق على الصلابي، المقيم في الدوحة.
وأشار الكاتب، إلى أنه عام 2008، عمل الصلابي مع سيف لإقناع طرابلس بإطلاق سراح 90 عضوًا في تنظيم جهادي متشدد -الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة- من سجن أبو سليم، لكن هذه الخطوة لإعادة تأهيل الإسلاميين المتشددين، أغضبت المعتصم وأنصاره المحافظين.
وتابع: تمكن سيف حينها، من مواصلة اتصالاته بالإسلاميين، بفضل دعم عبدالله السنوسي، رئيس المخابرات العسكرية الليبية آنذاك، إذ اشتهر السنوسي، الذي كان أيضًا صِهر القذافي وساعده الأيمن، بقسوته ضد المعارضين، لكن بحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يَعُدّْ السنوسي الإسلاميين الليبيين تهديدًا وجوديًا، إذ كان يعتقد أن هؤلاء الأعداء، أصبحوا أخيرًا تحت السيطرة.
الدور القطري
وقال الكاتب عن الدور القطري في ليبيا: تحت تأثير قطر، ضاعف سيف المفاوضات التي أسفرت عن إطلاق سراح مئات من أعضاء الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة عام 2010، بمن فيهم الزعيم عبدالحكيم بلحاج.
وأشار إلى أن نشاط الدوحة الدبلوماسي والسخاء من الناحية المالية، رسما هالة من النجاح حول سيف، لكن الشاب اللطيف الكلام "بخلاف القذافي الأب"، كما أطلقت عليه صحيفة نيويورك تايمز، لم تكن لديه خطة واضحة، إذ واصل إطلاق سراح العشرات من أعضاء الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، حتى بعد اندلاع التمرد المسلح الأول في مدينة البيضاء الشرقية 15 فبراير 2011.
ثورة 2011
وبالانتقال إلى اللحظات الأولى لثورة 2011، أوضح الكاتب، أن التناقض بين المعتصم وسيف، أسهم في رد النظام المفكك على ثورة 2011، إذ وصل الأمر إلى ذروته مساء 20 فبراير 2011، قبل أن يلقي سيف خطابًا طال انتظاره للأمة على شاشة التلفزيون، مشيرًا إلى أنه كان بإمكان هذا الخطاب -الذي ألقي منتصف الليل- أن يضع ليبيا على طريق المصالحة، إلا أن المعتصم، بدعم من والده، دفع سيف إلى أن يكون غير مرن ومتحديًا ومقاتلًا، فكانت النتيجة أن امتثل سيف.
وأضاف: بعد بضع ملاحظات تصالحية، تحول حديثه اللين، إلى تصاعد التهديدات، إذ تعهد "بالقتال حتى آخر رجل وامرأة ورصاصة"، وهنا كأنه يخبر الليبيين والدول الأجنبية، بأن جميع أعمال الإصلاح التي أجراها في العقد الماضي كانت باطلة، إذ كان سيف قد تحالف بشكل لا رجعة فيه، مع نظرة المعتصم في الحُكم.
وعند سقوط طرابلس في أغسطس 2011، ذهب القذافي والمعتصم إلى مدينة سرت الساحلية، على بُعد 280 ميلاً إلى الشرق، بينما اختبأ سيف، بمفرده مع عدد قليل من الحراس الشخصيين، في بني وليد، وهو معقل موالٍ آخر يقع في الداخل، بالقرب من العاصمة.
وفي اليوم نفسه، الذي فرت فيه صفية ومحمد وهنيبعل وشقيقتهم عائشة (1976) إلى الجزائر، قتلت غارة جوية لحلف شمال الأطلسي خميس في ترهونة، حيث كان لا يزال يقاتل المتمردين.
ونهاية الصيف، بعد وقت قصير من دخول السعدي إلى النيجر، تقاطع سيف والمعتصم للمرة الأخيرة في بني وليد، حيث جاء المعتصم للقاء زعماء المدينة، ولاحظ الحضور غير المرغوب فيه لأخيه الأكبر، وألقى باللوم عليه في تمكين الليبيين والأجانب من تدمير النظام، وفقًا للكاتب.
وفي الشهر التالي، قتل المتمردون المدعومون من "الناتو" المعتصم ووالده، أثناء محاولتهما الخروج من مدينة سرت المحاصرة، لكن قبل ذلك، تمكن سيف من مغادرة بني وليد إلى الصحراء الليبية، بينما قبض عليه متمردو الزنتان، بالقرب من أوباري في نوفمبر 2011.
تحديات الخلافة
وأشار جليل حرشاوي، إلى أن القذافي أفلت من تحديات خلافة القيادة حتى النهاية، إذ أنه طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان يوازن فقط بين طموحات أبنائه، وغالبًا ما كان يلعب أحدهما ضد الآخر، لكن في المراحل الأخيرة للنظام، يمكن القول إن الراحل المعتصم كان الوريث الأكثر ترجيحًا.
ويقول: "الآن، بعد 10 سنوات من ثورة 2011، تقول الحِكمة التقليدية: إن الإحباط الشعبي من فوضى ليبيا ما بعد 2011 سيكون كافياً لإلهام موجة من الدعم لسيف، نجل القذافي الباقي على قيد الحياة، مشيراً إلى أن ذلك يعني أن حنين الليبيين إلى النظام السابق، أو مجرد التفاؤل بقدرة سيف على السيطرة على السُّلطة مجددًا، يوفِّر أساسًا متينًا من الحماس، لعودته إلى السياسة الوطنية.
لكن الكاتب عاد واستبعد هذا الافتراض معتبرًا إياه غير واقعي، مشيراً إلى أن ضحايا ومعارضي نظام القذافي، لم ينسوا أن سيف انحاز في النهاية إلى والده والمعتصم عند اندلاع الحرب الأهلية، أما بالنسبة لأنصار النظام، فقد انفصل الكثيرون عن أفعال سيف، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأوضح أن بعض شيوخ القبائل، وقادة اللجان الثورية، وقادة الأمن في حقبة ما قبل 2011 لا يزالون مهمين، ومن ثم بالطريقة نفسها التي احتاجوا بها إلى المعتصم، أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإنهم الآن بحاجة إلى (زعيم أخضر)، لكن في المقابل يتذكر جزء كبير من الموالين، أن سيف مهد الطريق لمناهضي القذافي والانتهازيين، الذين أطاحوا النظام -نهاية المطاف- عام 2011.
وأضاف الكاتب: "نسي عدد قليل من قادة الفصائل في ليبيا، ما يمكن أن يكلفهم عدم اتساق سيف الإسلام مع مجريات الأحداث الآن، فإذا تمكن سيف -رغم أنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية- من الدخول مرة أخرى إلى الساحة السياسية لبلاده، سيجد أنه من الصعب أن يكون موثوقًا به، لأي مجموعة محددة من القيم التي يحتاجها الآن، لتقديم نفسه إلى المجتمع الدولي".