نزيف الاستقالات مستمر.. ماذا يحدث داخل حركة النهضة الإخوانية؟

مصادر تونسية قريبة الصلة من حركة النهضة، قالت لـالسياق: إن الاستقالات جاءت بعد نحو شهر من الخلاف والنقاش الحاد الذي شهدته الحركة، وتمسك راشد الغنوشي بمنصبه رئيسًا وزعيمًا للحزب منذ عام 1981.

نزيف الاستقالات مستمر.. ماذا يحدث داخل حركة النهضة الإخوانية؟

السياق

بعد نحو شهر من النقاش الحاد والخلاف بين أعضاء حركة النهضة بتونس، على خلفية تمسك زعيمها راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي المجمَّد، برأيه العائق لحل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، شهدت الحركة ما وُصف بـ"زلزال" من الاستقالات الجماعية.

فقد تقدَّم 113 من أعضاء حركة النهضة الإخوانية باستقالتهم، بينهم قيادات، وحمَّلوا الغنوشي مسؤولية ما وصلت إليه الحركة من عزلة في الساحة الوطنية، بجانب تحميله قدرًا من المسؤولية عما انتهي إليه الوضع العام بالبلاد من تردٍّ واضح.

مصادر تونسية قريبة الصلة من حركة النهضة، قالت لـ"السياق": "إن الاستقالات جاءت بعد نحو شهر من الخلاف والنقاش الحاد الذي شهدته الحركة، وتمسك راشد الغنوشي بمنصبه رئيسًا وزعيمًا للحزب منذ عام 1981".

وأشار المصدر إلى أن الأعضاء، وفي مقدِّمتهم عدد كبير من قيادات الصف الأول، حمَّلوا "الغنوشي" مسؤولية ما تعانيه "النهضة" من عزلة سياسية ورفض مجتمعي.

جاء بيان الاستقالة، بعد يوم من تصريحات راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة لـ "فرانس 24" شن خلالها هجومًا على الرئيس التونسي قيس سعيد، والقرارات التي اتخذها بداية من 25 يوليو الماضي، التي وصفها الغنوشي بـ"الإنقلاب على الديمقراطية".

ووقَّع البيان 113 من أعضاء حزب النهضة، بينهم قيادات من الصف الأول منهم عبداللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم، وعدد من أعضاء مجلس النواب المعلَّقة اختصاصاته، مثل جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي، وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي كآمال عزوز، وعدد من أعضاء المجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.

وقال المستقيلون، إن تعطل الديمقراطية الداخلية لحركة النهضة، وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار داخلها، خاصة في السنوات الأخيرة، لم يبقَ شأنًا حزبيًا داخليًا.

وأوضح بيان الاستقالة، الذي اطلعت "السياق" على نسخة منه، أن الحركة اتخذت قرارات وخيارات خاطئة، أدت إلى تحالفات سياسية لا منطق فيها ولا مصلحة، ومتناقضة مع التعهدات المقدَّمة للناخبين، مشيرة إلى أن التحالفات البرلمانية غير السليمة، ساهمت في ضرب المصداقية، إذ دفعت إلى التصديق على قوانين تحوم حول بعضها شبهات، وجوبهت برفض وتنديد من طيف واسع من المجتمع السياسي والمدني.

 

فشل وأزمة

محمود علي، باحث دكتوراه في جامعة اسطنبول ايدن بتركيا، يقول لـ"السياق" إن حركة النهضة تواجه أزمة سياسية كبيرة، بعد الإخفاق في إدارة المشهد السياسي في تونس، ومن ثم لجوء الرئيس قيس سعيد، إلى إجراءات كثيرة أوقفت البرلمان والحكومة، وغيَّـرت شكل الحياة السياسية في تونس.

ومع تعاظم الخلافات داخل "النهضة" في ظل اتهامات من أعضاء بالداخل إلى راشد الغنوشي، بالتحكم في مفاصل الحركة، وتطويع سياساتها لأفكاره وسياساته الخاصة، وتجاهل الأصوات التي دعت إلى مراجعات جديدة وعميقة داخل الحركة، جاءت استقالة العشرات، في فِعل ربما تبنى عليه تصورات سياسية جديدة في تونس.

وفي تقدير علي، فإن المستقيلين من حركة النهضة سوف يوفِّرون المناخ لاستقالة آخرين في القريب العاجل، مع فشل وعجز الغنوشي عن إدارة المشهد السياسي باحتراف، ما سيؤدي في النهاية إلى ظهور حزب جديد من رحم حزب النهضة، كما حدث في تجارب مشابهة، سواء في مصر أو الجزائر، خلال السنوات الماضية.

إلا أن محمود يرى، حال تشكيل حزب سياسي من رحم حركة النهضة، سوف يتقارب مع سياسات النظام السياسي في تونس، حتى لا تتكرر تجربة الصدام، التي أحدثتها حركة النهضة مع السُّلطة وتسبَّبت في أزمة كبيرة.

"تشكيل حزب سياسي جديد" ألمح إليه المستقيلون من "النهضة"، ففي تصريح للقيادي المستقيل سمير ديلو لإحدى الإذاعات التونسية قال إنه "لا نية في الوقت الحالي لتأسيس حزب سياسي جديد للأعضاء المستقيلين، لكن الأمر يبقى واردًا".

 

أي مستقبل؟

السؤال: هل لتلك الاستقالات تأثير كبير في مستقبل حركة النهضة؟، هذا ما بدأ به باسل ترجمان، المحلل التونسي المتخصص في الجماعات الإسلامية والإرهابية، في حديثه لـ"السياق".

وقال ترجمان: "إن مستقبل النهضة تحدد 25 يوليو الماضي، عندما أصدر الرئيس التونسي قرارات استثنائية، أنهت هيمنتها وتغلغلها في المشهد السياسي والإدارة التونسية".

وأوضح أن "ما يجري اليوم له علاقة بمفهوم التفرد، الذي يقوم به راشد الغنوشي في رئاسة النهضة، وهذا هو الإشكال الأساسي الذي يواجه حركة النهضة في هذه المرحلة".

ولفت المحلل السياسي التونسي، إلى أن "راشد الغنوشي، الذي يتحدَّث عن الانقلاب وهيمنة الرئيس على مقاليد الحكم، يرفض تطبيقها في بيته الصغير، حركة النهضة، ويعد نفسه المرشد العام للحركة، وبذلك يناقض نفسه، وذلك ليس بمستغرب لشخص يتربع على تنظيم الإخوان في تونس منذ عام 1981".

ويرى أن الاستقالات الجماعة، التي شهدتها "النهضة" كشفت حقيقة أن راشد الغنوشي، يسعي فقط للهيمنة، ووضع يده على السلطة، وليس لديه أي قناعة ولا إيمان بالديمقراطية، ولا التبادل السلمي للسلطة، ولا التبادل حتى داخل الأحزاب، فهو يرفض أي مساس بالسلطة، أو مكان يكون فيه فهو فقط على رأس هذه السلطة.

كان الرئيس التونسي قيس سعيد، أعلن في 25 يوليو الماضي، تجميد أعمال البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، وتوليه بنفسه السلطة التنفيذية، وإعفاء وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة، ووزيرة الوظيفة العمومية، الناطقة الرسمية باسم الحكومة حسناء بن سليمان من مهامها، كما أعفى الرئيس التونسي مسؤولين آخرين في مناصب عليا بالحكومة من مهامهم.

إلا أنه أصدر في 22 سبتمبر الجاري، أمرًا رئاسيًا يتعلَّق بتمديد التدابير الاستثنائية الجاري بها العمل في تونس منذ 25 يوليو الماضي.

وأعلنت الرئاسة التونسية، أن الرئيس سعيد سيتولى رئاسة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأنه قرر إلغاء الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين (حكومية).

وتنتظر تونس إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، بحسب ما أكده الرئيس التونسي قيس سعيد، الجمعة الماضية.