استقالات جماعية تزلزل حركة النهضة... وترقُّب لشكل الحكومة التونسية الجديدة

قدَّم 113 قياديًا وأعضاء في حركة النهضة، استقالاتهم من الحزب، محمِّلين القيادة الحالية للحركة مسؤولية ما وصلت إليه من عزلة في الساحة الوطنية، إضافة إلى تحمُّلها قدرًا من المسؤولية، في ما انتهى إليه الوضع العام بالبلاد، من تردٍّ واضح.

استقالات جماعية تزلزل حركة النهضة... وترقُّب لشكل الحكومة التونسية الجديدة

السياق 

استقالات جماعية تزلزل حركة النهضة التونسية، وساعات تفصل البلد الإفريقي عن أول حكومة، بعد قرارات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية، تطورات متسارعة شهدتها تونس، قد تغيِّـر المشهد في البلد الطامح للاستقرار بعد هزات وُصفت بـ«العنيفة».

وقدَّم 113 قياديًا وأعضاء في حركة النهضة، استقالاتهم من الحزب، محمِّلين القيادة الحالية للحركة مسؤولية ما وصلت إليه من عزلة في الساحة الوطنية، إضافة إلى تحمُّلها قدرًا من المسؤولية، في ما انتهى إليه الوضع العام بالبلاد، من تردٍّ واضح.

 

أسباب الاستقالة

وقال الأعضاء الـ113، في البيان الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن تعطل الديمقراطية الداخلية لحركة النهضة، وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار داخلها، خاصة في السنوات الأخيرة، لم يبقَ شأنًا حزبيًا داخليًا.

وأوضح بيان الاستقالة، أن الحركة اتخذت قرارات وخيارات خاطئة، أدت إلى تحالفات سياسية لا منطق فيها ولا مصلحة، ومتناقضة مع التعهدات المقدَّمة للناخبين، مشيرة إلى أن التحالفات البرلمانية غير السليمة، ساهمت في ضرب المصداقية، إذ دفعت إلى التصديق على قوانين تحوم حول بعضها شبهات، وجوبهت برفض وتنديد من طيف واسع من المجتمع السياسي والمدني.

وأشار البيان إلى ما وصفها بـ«الصورة المترهلة» التي وصل إليها البرلمان، بسبب انحراف وشعبوية بعض منتسبيه ومنتسباته، والإدارة الفاشلة لرئيسه، الذي رفض كل النصائح بعدم الترشح لرئاسته، تفاديًا لتغذية الاحتقان.

«فلم تجدِ كل محاولات الإقناع بالانكباب على تجديد عميق للفكر السياسي لحركة النهضة، وتشبيب قياداتها وتحديث خطابها وصورتها»، يقول البيان الذي يضيف أن عقارب الزمن لا تتوقف، فمن يرفض التجديد والمراجعة تتجاوزه الأحداث.

 

خيارات خاطئة

وأكد الأعضاء المستقيلون، أن «الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة حركة النهضة، أدت إلى عزلتها وعدم نجاحها في الانخراط الفاعل في أي جبهة مشتركة»، معلنين تحررهم من «الإكراهات المكبلة التي أصبح يمثلها الانتماء لحزب النهضة».

ومن الموقِّعين على بيان الاستقالة، قيادات من الصف الأول على غرار عبداللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم، وعدد من أعضاء مجلس النواب المعلَّقة اختصاصاته، مثل جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي، وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي كآمال عزوز، وعدد من أعضاء المجلس الشورى الوطني ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية.

إلى ذلك، أكد القيادي المستقيل من حركة النهضة التونسية، سمير ديلو، أن قرار الاستقالة من الحركة لا رجعة فيه.

وبشأن إمكانية تأسيس حزب جديد، قال سمير ديلو في تصريح لإذاعة تونسية محلية: "لا نية في الوقت الحالي لتأسيس حزب سياسي جديد للأعضاء المستقيلين، لكن الأمر يبقى واردًا".

وأكد القيادي في النهضة، أنه لم تعد للأعضاء المستقيلين أي علاقة بالحركة، ولا بما يحصل داخلها، وأنهم سيتعاملون معها على غرار بقية الأحزاب في الساحة السياسية.

بيان الاستقالات الجماعية، يأتي بعد يوم من تصريحات لرئيس البرلمان المجمَّد، رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، في مقابلة مع «فرانس 24»، شن فيها هجومًا على الرئيس التونسي قيس سعيد والقرارات التي اتخذها، ومن بينها تجميد أعمال البرلمان لأجل غير مسمى.

 

نضال سلمي

ودعا الغنوشي، إلى ما وصفه بـ«النضال السلمي ضد الحكم الفردي المطلق الذي قامت الثورة ضده»، قائلًا: «هذا رجوع إلى الوراء، رجوع إلى دستور 1959 وعودة للحُكم الفردي المطلق(..) لم يعد هناك من مجال اليوم إلا النضال، نحن حركة مدنية ونضالنا سلمي».

واعتبر الغنوشي، أن قرارات الرئيس سعيد «انقلاب كامل الأركان ضد الديمقراطية، ضد الثورة وضد إرادة الشعب، وألغى أهم المؤسسات الديمقراطية» في البلاد، متابعًا: «دعونا شعبنا إلى الانخراط في كل عمل سلمي يقاوم الديكتاتورية، ويعود بتونس إلى مسار الديمقراطية... نحن نريد أن نعيد قطار تونس إلى سكة الديمقراطية»، على حد زعمه.

 

تشكيل الحكومة

يأتي ذلك، بينما ينتظر التونسيون، أن يعلن الرئيس قيس سعيد، التشكيلة الحكومية واسم رئيس الحكومة، بحسب وسائل إعلام محلية، أكدت أنها سترى النور في خطاب رسمي.

وبينما توقَّعت وسائل الإعلام التونسية، أن يكون وزير الداخلية في حكومة المشيشي السابقة، توفيق شرف الدين، أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة، أشارت إلى أن الشكل الجديد للحكومة، قد يعتمد على طريقة الأقطاب كالقطب الاقتصادي والمالي.

من جهة أخرى، دعت حركة «تونس إلى الأمام» في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إلى ضرورة تحديد سقف زمني للوضع الاستثنائي والإجراءات المعلنة.

وأكدت الحركة في بيانها، ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة، تنطلق في معالجة الملفات ذات الأولوية، سواء تعلَّق الأمر بالأزمات المالية، أو بفض الإشكالات الاجتماعية العالقة، والبت في ملفات الإرهاب والفساد بأنواعه، في إطار عمل مؤسساتي ممنهج، بعيدًا عن الانتقائية والإجراءات الظرفية.

ودعت الحركة إلى ضرورة إشراك مكونات المشهد السياسي والاجتماعي والمدني، المنخرطة في تصحيح المسار، في مناقشة مشروع تنقيح الدستور والقانون الانتخابي، قبل عرضها للاستفتاء الشعبي.

 

حل البرلمان

كما دعت إلى حل البرلمان، وتشكيل حكومة مصغَّرة تعالج الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وفق برنامج يعتمد إجراءات حينية مرئية وأخرى متوسطة المدى، وتسرع بالحسم في قضايا الفساد المالي والإداري والسياسي وملفات الإرهاب، باعتماد المحاكمات العادلة بعيدًا عن منطق التشفّي.

وطالبت الحركة، باستصدار مرسوم لتنظيم مؤقت للسُّلطات، وتعديل فصول دستور 2014، بما يضمن نظامًا جمهوريًا ديمقراطيًا اجتماعيًا، يُؤسّس للاستقرار السياسي.

وناشدت الحركة، الرئيس سعيد، ضرورة مراجعة القانون الانتخابي وقانون الأحزاب، بما يضمن سد المنافذ أمام التمويلات المشبوهة، ويشدد العقوبات على مرتكبيها، وعرض مشروعي تعديل الدّستور والقانون الانتخابي على استفتاء شعبي في أجل أقصاه 6 أشهر تليها -في حال التصديق عليهما- الدّعوة إلى انتخابات مبكّرة لا تتجاوز سنة.

 

تمديد القرارت الاستثنائية

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، أعلن في 25 يوليو الماضي، تجميد أعمال البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، وتوليه بنفسه السلطة التنفيذية، وإعفاء وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة، ووزيرة الوظيفة العمومية، الناطقة الرسمية باسم الحكومة حسناء بن سليمان من مهامها، كما أعفى الرئيس التونسي مسؤولين آخرين في مناصب عليا بالحكومة من مهامهم.

إلا أنه أصدر في 22 سبتمبر الجاري، أمرًا رئاسيًا يتعلَّق بتمديد التدابير الاستثنائية الجاري بها العمل في تونس منذ 25 يوليو الماضي.

وأعلنت الرئاسة التونسية، أن الرئيس سعيد سيتولى رئاسة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأنه قرر إلغاء الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين (حكومية).