تحديات أمام السوداني... هل تستطيع حكومة المهندسين حلحلة أزمات العراق؟
المحلل السياسي العراقي الدكتور حارث سليمان، قال إن من أبرز التحديات التي ستواجه السوداني، الوجود الإيراني على الأراضي العراقية، الذي يحتاج جهودًا مضاعفة ورغبة في تقويضه.

السياق
بعد جمود سياسي تجاوز العام، تجاوزت الحكومة العراقية -برئاسة محمد شياع السوداني- اختبار الثقة، الذي واجهته في جلسة البرلمان التي وُصفت بـ«الجامحة»، لتبدأ مرحلة جديدة من التحديات السياسية والاقتصادية.
فرغم البداية الساخنة لمجلس النواب العراقي، التي وصلت ذروتها بالاشتباك بالأيدي، بعد أن أبدى النائب المعارض علاء الركابي من حركة امتداد المنبثقة من احتجاجات تشرين، اعتراضه على الحكومة الجديدة، فإن الأخيرة استطاعت الحصول على الضوء الأخضر، لتبدأ مهمة العمل على الخروج البطيء من الأزمة السياسية التي عاناها العراق.
تلك المهمة حدد ملامحها رئيس الحكومة العراقية السوداني، في كلمته أمام البرلمان، واضعًا نقاطًا أكد أنها تمثل برنامج حكومته الجديد، الذي سيعمل وتشكيلته الوزارية عليه لإخراج البلد الآسيوي من أزمته الاقتصادية والسياسية، فما هي؟
تعهد رئيس الحكومة بالانفتاحِ على جميع القوى السياسية، سواء التي شاركت أم لم تشاركْ في الحكومة، مشيرًا إلى أنه سيسعى لضمانِ التعاونِ الوثيقِ، بما يضمنُ دوراً تشريعياً ورقابياً.
وقال إن الحكومة ستعمل على إيجادِ حلولٍ مستدامةٍ للملفاتِ مع حكومةِ إقليمِ كردستان العراق، من خلالِ شراكةٍ حقيقيةٍ تقومُ على الحقوقِ والواجباتِ وضمانِ وحفظِ استقلالِ القضاءِ.
وعن ملف الفساد، قال السوداني، إنه كان سببَ العديدِ من المشكلات الاقتصاديةِ وإضعافِ هيبةِ الدولةِ وزيادةِ الفقرِ والبطالةِ وسوءِ الخدْمات، مشيرًا إلى أن برنامج الحكومة يتكئ على سياساتٍ وإجراءاتٍ حازمةً ومتعددة الجوانبِ والمستوياتِ لمكافحةِ هذه الآقة.
ولبناء اقتصاد عراقي «قوي»، حدد السوداني مجموعة خطوات، بينها: إيقافُ التدهورِ الذي يعصفُ بمختلفِ القطاعات، وتمويلُ وإنجازُ المشاريعِ التي لها وقْعٌ مباشرٌ على حياةِ المواطنينَ، ومكافحةُ الفقرِ والبطالةِ وتمكينُ محدودي الدخل، والتحول من الاقتصادِ الريعي لتفعيلِ بناءِ الشركاتِ الصغيرةِ .
كما تعهد بالعمل مع مجلسِ النوابِ ومجلسِ القضاءِ لتشريعِ وتطويرِ وتحديثِ القوانينِ الساندةِ للاستثمارِ، والاستفادة من الطاقات البشرية وتطويرها، كونُها لا تنضبُ مثلَ النفطِ.
وأشار إلى أن الحكومة ستعمل على إعادة النازحين إلى مناطقِ سكناهم، بعـد استكمال متطلبات العودة، ودعم الجيش العراقي وقوى الأمنِ الداخلي بكلِّ مسمياتِها وتشكيلاتِها، لكونِها الضـامنَ للسلمِ الأهلي وأمنِ البلادِ وتنفيذِ سـلطةِ القانون.
وما إن أنهى كلمته، حتى صوَّت المشرعون العراقيون بأغلبية النصف زائد واحد من 329 نائباً، على البرنامج الوزاري، ثم على 21 وزيراً برفع الأيدي داخل قاعة البرلمان، خلال الجلسة التي شارك فيها 253 نائباً.
الحكومة الجديدة: 12 وزيرًا شيعيًا، أغلبهم مرشحون من الإطار التنسيقي، و6 وزراء من السُّنة، ووزيران كرديان، ووزيرة واحدة للأقليات، بينما لا تزال وزارتان من حصة المكون الكردي، قيد التفاوض.
ماذا يعني تشكيل الحكومة؟
تشكيل الحكومة الجديدة يعد خطوة أساسية لتجاوز الأزمات، بحسب الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد، الجمعة، مشيرًا إلى أن الظرف الراهن يستوجب تعزيز وحدة الصف الوطني والتغلب على الصعوبات، والعمل على ترسيخ الاستقرار في البلد وحماية أمن المواطنين.
وقالت الرئاسة العراقية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن الرئيس رشيد أكد، خلال استقباله رئيس المكتب السياسي لحزب دعاة الإسلام تنظيم العراق خضير الخزاعي، ضرورة أن تنال الحكومة الدعم لتلبية تطلعات العراقيين وطموحاتهم.
الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، الشيخ قيس الخزعلي، قال في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، إن العراق ودع بتشكيل حكومته المرحلة «الأتعس» في تاريخه، معبرًا عن تفاؤله بعد التشكيلة الوزارية الجديدة.
وأضاف الخزعلي: كلنا أمل أن تقوم الحكومة الجديدة ومجلس الوزراء، ومجلس النواب بواجبهم في خدمة أبناء العراق.
أبرز التحديات
المحلل السياسي العراقي الدكتور حارث سليمان، قال إن من أبرز التحديات التي ستواجه السوداني، الوجود الإيراني على الأراضي العراقية، الذي يحتاج جهودًا مضاعفة ورغبة في تقويضه.
وقال المحلل السياسي العراقي، إن إيران تقوم باستراتيجية خوض الصراع من على ضفتي الانقسام السياسي وإعادة تشكيل العدو (هندسة العدو)، التي بموجبها مكنت تنظيم داعش من السيطرة على بعض المناطق في العراق.
وأوضح المحلل العراقي، في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، أن إيران كل مرة يكون لديها هدف، مشيرًا إلى أن هدفها أثناء تولي نوري المالكي، كان اجتياح مناطق الأنبار والموصل، لأنها كانت تشكل بؤرًا للمعارضة السياسية لحكمه، مؤكدًا أنها لكي تشكل مبررًا، أتت بتنظيم داعش الإرهابي.
الفساد
وما إن تعهد السوداني بمكافحة الفساد، حتى تشكك محللون عراقيون في قدرته على الوفاء بهذا الوعد الذي قطعه على نفسه، مشيرين إلى أن التركة ثقيلة وتحتاج إلى تعاون وتكاتف القوى السياسية، التي ما زالت منقسمة.
وقال الباحث في الشؤون السياسية والأمنية زياد العرار: لا أعتقد أن محمد شياع السوداني قادر على الوفاء بكل الالتزامات في البرنامج الحكومي، مشيرًا إلى أن ملف الفساد سيشهد نوعًا من التخفيف في المشاريع الوهمية، التي أصبحت ميزة للدولة العراقية.
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية الدكتور عصام الفيل، إن حكومة السوداني ستشهد صراعًا مع القوى التقليدية النافذة التي تعتمد على الفساد سبيلًا للتعايش، مشيرًا إلى أن هذه القوى بينها تلك التي صوتت لصالح السوداني، ما قد يؤدي إلى صدام بينها وبين الحكومة.
ورغم ذلك، فإنه قال إن السوداني لن يذهب إلى فتح ملفات قديمة، بل إلى إيقاف نزف الفساد في المؤسسات التي تستحوذ عليها قوى تقليدية، دأبت على سرقة المال العام طوال عقود.
من جانبه، قال عباس غدير عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة الوطنية، إن حكومة السوداني ستوقف الفساد المستشري، وستعمل على معالجة الفساد في الوزارات، عبر محاسبة الفاسدين، مناشدًا إياها العمل على إعادة الثقة بين النظام السياسي والمواطن العراقي، بمحاربة الفاسدين وتقديمهم للقضاء.
العلاقة بالصدر
أحد أبرز التحديات بالنسبة لحكومة السوداني، يتمثل في العلاقة بالصدر، بحسب الأستاذ في جامعة بغداد ورئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، الذي قال إن الصدر كان أعطى مواقف مسبقة باتجاه حكومة يشكلها الإطار، يرأسها السوداني.
وأوضح الشمري، أن على السوداني والإطار التنسيقي مد جسور سريعة مع زعيم التيار الصدري، ومنحه ضمانات تعد تطمينات في قضية اشتراطات زعيم التيار الصدري، في ما يرتبط بعملية الإصلاح وحتى إجراء انتخابات مبكرة.
وحذر من أن عدم سلوك هذا المسار، سيجعل التحدي كبيراً جداً، وقد يؤدي إلى ردة فعل متطرفة من زعيم التيار الصدري وحتى أتباعه، أي اللجوء إلى الشارع مرةً أخرى.
بينما حذر المحلل السياسي العراقي علي البيدر -كذلك- من أن يتجلى غضب مناصري مقتدى الصدر في احتجاجات، بالاشتراك مع محتجي حراك تشرين، الذي هز العراق في أكتوبر 2019.
تعديل قانون الانتخابات
بند تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام، الذي كان أحد مطالب الصدر، ضمنه السوداني برنامج الحكومة.
وقال الدكتور عصام الفيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية، إن هناك فقرة ملزمة للسوداني وللبرلمان العراقي في برنامجه، مشيرًا إلى أنه لم يكن أحد يتوقع أن يضع مثل هذه الفقرة، ما يدل على أنه غير متمسك بالسلطة.
وأوضح أن 80% من العراقيين لم يشاركوا في الانتخابات، مشيرًا إلى أنهم سيكونون ناقمين على السلطة وفي موضع المراقب لأداء الحكومة والقوى السياسية المشاركة معها، ما يستلزم العمل على الوفاء بالتعهدات.
حظر السلاح
بينما تعهد السوداني بأن يكون السلاح حصرًا بيد الحكومة العراقية، شكك مراقبون في إمكانية تحقيق ذلك، كون السلاح حصن الأمان لبعض القوى السياسية في البلد الغني بالنفط، الذي به تساوم على بعض المكاسب.
إلى ذلك، قال الباحث في الشؤون السياسية والأمنية زياد العرار، إن حظر السلاح في العراق من أصعب المطالب وأكثر العقبات صعوبة أمام السوداني، إلا أنه قال إن القوى السياسية التي شكلت الحكومة، باستثناء التيار الصدري وبعض المستقلين، ستساند السوداني وستحاول أن تحصر سلاحها بيدها لا بيد الدولة.
وقال المحلل السياسي والأمني العراقي رعد هاشم، إن السلاح المنفلت معضلة أمنية، مشيرًا إلى أنه من الأمور التي سيحافظ عليها حملة السلاح في هذه الحكومة، الاحتفاظ بسلاحهم، ما يضع عقبات جديدة أمام السوداني.
أزمة المياه والجفاف
اللواء الدكتور جمال الحلبوسي، خبير الحدود والمياه في مركز النهرين، قال إن موجة الجفاف أحد التحديات البارزة أمام حكومة السوداني، مشيرًا إلى أنه ملف سيفاجئ الحكومة الجديدة بكارثيته.
إلا أنه قال إن الحكومة الجديدة حكومة مهندسين، فرئيس الجمهورية مهندس، ورئيس البرلمان مهندس، ورئيس الحكومة مهندس، إضافة إلى أن نصف الكادر هندسي وعلمي، ما يؤهلها لتجاوز تلك العقبة.
وأشار إلى أن العراق بين الدول الأكثر تضررًا من الاحتباس الحراري، ما أسفر عن قلة الموارد المائية، متوقعًا أن تستطيع حكومة السوداني بهذه الفترة القصيرة التي حددها رئيسها بعام، تحقيق اختراق في هذا الملف.
وطالب بوضع سياسة جديدة تعتمد على شقين، أحدهما خارجي يعتمد على طريقة التعامل مع تركيا وإيران وسوريا، وتفعيل الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الأنهار في الأمم المتحدة، التي لا يمكن الحياد عنها، بينما الشق الداخلي يتمثل في وضع سياسة اقتصادية ناجحة تنعكس على الموارد المائية والزراعة.
الأزمة الاقتصادية
رغم أن العراق يملك ثروات هائلة من النفط، فإنه يعاني تهالك شبكة الكهرباء، بينما كل أربعة شباب من عشرة عاطلون عن العمل، وثلث السكان فقراء، ويأمل العراقيون أن تتمكن هذه الحكومة من الاستجابة للأزمات السياسية والاجتماعية التي يعيشونها.
الباحث في الشؤون السياسية والأمنية زياد العرار، عبر عن آماله بأن يقوم السوداني بإجراءات فعلية تضمن حياة كريمة للعراقيين، لأن الطريق أمامه صعب، في ظل وجود قوى سياسية ما زالت -حتى اللحظة- تعتاش على الانقسام الحكومي، في عملية التمويل السياسي.
رئيس المجلس الاستشاري العراقي، فرهاد علاء الدين، قال إن الحكومة ستواجه تحديات صعبة للغاية، مضيفًا أنها طرحت برنامجًا طموحًا جدًا، يمكن أن يساعد في العودة إلى المسار الصحيح، حال تنفيذه.