نزع سلاح المليشيات.. هل تستطيع الأمم المتحدة إخراج ليبيا من النفق المظلم؟
رأى المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات للسياق، أن اقتراح تشكيل لجنة لرسم خرائط الجماعات المسلحة في ليبيا، لن يفيد في الحالة الليبية.

السياق
بينما يحتفي العالم بأسبوع نزع السلاح، تعاني ليبيا أزمة انتشاره، باحثة عمن ينقذها من عثرتها، ويمهد الطريق أمامها، بالتخلص من السلاح المتفشي في البلد الإفريقي، بيد منفلتين، لا يردعهم قانون، ولا يضبط بوصلتهم سوى المال الفاسد.
هؤلاء المسلحون، الذين شكلوا مليشيات تعيث في المنطقة الغربية فسادًا، مستفيدين من غياب القانون والمساءلة مناخًا ربيعيًا لازدهارها وتفشيها كالسرطان في جسد العاصمة طرابلس، الذي يئن من ممارسات ومظاهر التسليح، أبطالها قوى محلية ومرتزقة سوريون، أتوا بالأمر المباشر إلى ذلك البلد، الذي يكافح للم شمل مواطنيه.
انتشار المسلحين والمرتزقة، حذرت منه الأمم المتحدة، في سلسلة تغريدات بمناسبة أسبوع نزع السلاح، مؤكدة أن السلام والاستقرار في ليبيا يتعرضان للخطر، لانتشار الأسلحة، التي غالباً ما تكون في أيدي مجموعات مسلحة غير نظامية وخارج سيطرة الدولة، ما يلعب دوراً محورياً في تزايد أعمال العنف ضد المدنيين وتدمير البنى التحتية.
وأكدت الأمم المتحدة أنها تقف -عبر بعثتها في ليبيا- على أهبة الاستعداد لدعم السلطات الليبية في إدارة الأسلحة والذخائر، بالتعاون الوثيق مع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) والجهات السياسية والأمنيه الفاعلة، إلا أنها اشترطت تحقيق هذه الغاية بتوافر الإرادة السياسية.
وفي محاولة من الأمم المتحدة لتحقيق اختراق في هذا الملف، عقد مبعوثها الأممي، الخميس، اجتماعًا مع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، أثمر الموافقة على إنشاء لجنة فرعية مكلفة بتصنيف التشكيلات المسلحة، والعمل على انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية.
اللجنة العسكرية الليبية المشتركة تضم 10 أعضاء، خمسة منهم من الضباط التابعين للقيادة العامة للجيش الليبي في المنطقة الشرقية، بينما الضباط الخمسة الآخرون تابعون للمنطقة الغربية.
إلا أن نتائج الاجتماع التي وُصفت بـ«المهمة»، يقف أمامها الكثير من العقبات، أبرزها سطوة المليشيات المسلحة وسيطرتها على مراكز صنع القرار في المنطقة الغربية، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية لدى حكومة عبدالحميد الدبيبة، التي ما زالت رافضة لتسليم السلطة، رغم مرور أشهر على تنحيتها من البرلمان.
صعوبات جمة
إلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن من بنود وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020، تفكيك المليشيات المسلحة ونزع سلاحها، إلا أن هناك صعوبات عملية تعرقل تطبيق هذا البند وتنفيذه.
وأوضح المحلل الليبي، أن من الصعوبات التدخل الخارجي خاصة التدخل التركي غربي البلاد، مشيرًا إلى أن تركيا عملت على دعم المليشيات وإمدادها بالسلاح والمرتزقة، ما مثل عقبة كبيرة في طريق تفكيك الجماعات المسلحة.
وأشار إلى أن هناك مدنًا في الغرب اللييي بها عدد كبير من هذه المليشيات، مؤكدًا أنه لأسباب قبلية وجهوية لن ترضى هذه المدن بتفكيك مليشياتها، ما يجعل قرار اللجنة العسكرية مجرد طرح نظري لن يجد طريقه إلى التنفيذ.
العربي الورفلي، قال إن شرعنة المليشيات أصبح من الماضي، لأن هؤلاء المسلحين أصبحوا أمرًا واقعًا، وينالون الدعم من أطراف دولية ومحلية، مشيرًا إلى أن حكومة الدبيبة والحكومات السابقة دعمت هذه المليشيات بالسلاح والمال.
تحديات وحلول
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن المشكلة في تنفيذ ما توافقت عليه اللجنة العسكرية، تكمن في أن هذه الجماعات المسلحة هي التي تتحكم في القرار السياسي بطرابلس.
وأوضح أن تشكيل لجنة كهذه، يجب أن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدعم كبير من الداخل والخارج، حتى تتمكن من العمل بالشكل المطلوب، مشيرًا إلى أن الأمر الثالث الذي سيعرقل هذا العمل هو سعي المجتمع الدولي لاستمرار الانقسام في ليبيا.
وعن إمكانية تحييد أو شرعنة المليشيات المسلحة، قال المحلل الليبي، إنه لا يمكن -في الوقت الحالي على الأقل- بسبب ارتباط هذه المليشيات بالسلطة الحاكمة في طرابلس، مؤكدًا أنه يجب قبل بدء تحييد المليشيات إخراج الحكومة والمصرف المركزي من طرابلس وإبعاد المليشيات عن مركز صنع القرار.
أما عن البند الثاني في خطة اللجنة العسكرية، الخاص بالمرتزقة، فأكد الأوجلي، أن ملف المرتزقة والقوات الأجنبية سيصطدم بعراقيل وعقبات كثيرة، على رأسها رفض أنقرة وتشبثها باتفاقيتها مع رئيس الحكومة السابقة فايز السراج، بل إنها عززتها باتفاقية مع الدبيية.
وأشار إلى أن إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية يحتاج إلى دعم دولي، وهو أمر غير ممكن في الوقت الحالي، لأن الملف الليبي ليس على رأس أولويات العالم، بسبب التغيرات في الخارطة السياسية التي نشاهدها اليوم.
وأكد أن عدم تنفيذ البندين اللذين توفقت عليهما اللجنة العسكرية لا يعد فشلًا لها، لأن عمل اللجنة مرتبط بقرار سياسي، خاصة في ما يتعلق بإخراج المرتزقة، أما ملف المليشيات فالأمر مرتبط بفك الارتباط بينها وبين السلطة التنفيذية والمصرف المركزي، وهو ما يعد بعيدًا عن اختصاصات اللجنة.
اقتراح... غير مفيد
المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش رأى -في تصريحات لـ«السياق»- أن اقتراح تشكيل لجنة لرسم خرائط الجماعات المسلحة في ليبيا، لن يفيد في الحالة الليبية، مشيرًا إلى أن الميليشيات المسلحة في الغرب الليبي معروفة، وكل المعلومات متوافرة عنها، من قياداتها وعدد أفرادها ومقراتها وأماكن انتشارها، ولا تحتاج لأي خرائط وتعقيدات هدفها إضاعة مزيد من الوقت.
وأكد المحلل الليبي، أن تلك المليشيات مسجلة لدى وزارة المالية ويتقاضون رواتب، مشيرًا إلى أن هؤلاء المسلحين يتقاضون في أغلب الأحوال مرتبات مما تسمى «وزارة الدفاع» وفي الوقت نفسه من وزارة الداخلية، بمعرفة مسؤولي الوزارتين والحكومة.
وأشار إلى أن العقبة الأكبر أمام هذه اللجنة -حال تشكيلها- هي حكومة عبد الحميد الدبيبة ووزارتا الدفاع والداخلية اللتان يتستر مسؤولوهما عن كل ما يخص هذه المليشيات، لأنهم يريدون استمرارها لضمان بقائهم في مناصبهم.
وأوضح المحلل الليبي، أن اجتماعات المبعوث الأممي الجديد عبدالله باثيلي مع اللجنة العسكرية، أمر روتيني لن يغير من الواقع شيئًا، مطالبًا إياه بإقناع الدول المتدخلة في الشأن الليبي بالأهمية القصوى لتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة، تستطيع العمل في كل أنحاء البلاد، ولا ترتهن لأي قوة إقليمية ولا لأي أطراف محلية، خصوصًا الميليشيات المسيطرة على العاصمة.
وأشار إلى أن الخطوة التي تلي ذلك، ستكون مسألة تفكيك المليشيات وتحييدها عن أي دور سياسي في البلاد، ومن ثم التحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وشفافة، مؤكدًا أنه من دون هذه الخطوات الفعالة، فإن الوقت سيضيع.