حكومة جديدة... هل تنهي أزمات العراق؟
في حين أن القوى التي رشّحته لهذا المنصب، تعدّ مقربةً من إيران، إلا أن لهيب هيجل ترى أن السوداني سوف يسعى إلى تحقيق توازن بين الغرب وإيران

السياق
بعد أسبوعين من تكليفه، حصلت حكومة محمد شياع السوداني –الخميس- على الثقة في مجلس النواب العراقي، لكن بعد أكثر من عام على الانتخابات البرلمانية المبكرة، في مرحلة طبعها التوتر والخلافات السياسية وحتى العنف.
وفي حين تعهد السوداني بمكافحة الفساد وتحقيق تقدّم في مجالات خدمية أساسية، وعدم اعتماد سياسة المحاور في العلاقات الخارجية، فإن التحديات التي تنتظره لا تبشّر بنهاية قريبة لأزمات العراق، كما يرى محللون.
حكومة كسابقاتها؟
في جلسة حضرها 253 نائباً وزعماء الكتل السياسية، التي رشّحت السوداني، نالت الحكومة العراقية الجديدة الثقة، بعد التصويت على برنامجها ثم على 21 وزيراً (من 23).
ويخلف السوداني البالغ 52 عاماً، مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في مايو 2020 على وقع احتجاجات شعبية مناهضة للسلطة، وتنتهي بذلك حالة الانسداد السياسي، التي خيمت على البلاد عاماً كاملاً، منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة عام 2021، التي شهدت نسبة مشاركة قليلة، لكن ذلك لا يعني نهاية "الأزمة"، كما يشرح الأستاذ في جامعة بغداد إحسان الشمري.
ويرى الشمري أن أزمة العراق لا ترتبط فقط بالحكومات المتعاقبة بل "في خلل ببنية النظام وكيفية تعامل الطبقة السياسية مع التحولات في المجتمع ومع الديمقراطية".
أما بالنسبة للمحلل السياسي علي البيدر، فتكمن المشكلة في أن هذه الحكومة "جاءت بأساليب الحكومات السابقة نفسها والكتل السياسية ذاتها والأحزاب والتيارات"، التي حكمت المشهد السياسي منذ إسقاط نظام صدام حسين بعد عام 2003.
لكن الحكومة الجديدة تفتقد تيارًا أساسيًا هو التيار الصدري الذي كان مشاركاً في كلّ الحكومات السابقة.
وأشار البيدر، إلى أن القضية تتعلق "بعقلية الأحزاب التي أصبحت ترى في موارد الدولة وإمكاناتها جزءاً من ميراث يفترض أن يوزع في ما بينها".
توزيع المناصب
توزعت المناصب في الحكومة الجديدة بين المكونات والطوائف في البلاد: 12 وزيراً من الطائفة الشيعية، 6 وزراء من الطائفة السُّنية، ووزيران كرديان، ووزيرة واحدة للأقليات، بينما ما زالت وزارتان من حصة المكوّن الكردي قيد التفاوض، هما وزارة البيئة ووزارة الإسكان والإعمار.
ويعد معظم الوزراء الشيعة مقربين من أحزاب في الإطار التنسيقي، وهو التحالف الشيعي الذي رشّح السوداني والمكوّن خصوصاً من كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ومن كتلة الفتح الممثلة لفصائل شيعية موالية لإيران. والسوداني نفسه كان وزيراً ومحافظاً ويعدّ مقرباً من زعيم حزب الدعوة نوري المالكي.
انتخابات جديدة
في البرنامج الحكومي، اتفقت القوى السياسية على "تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام".
وشكّلت الانتخابات المبكرة مطلبًا رئيسًا للتيار الصدري خلال الأشهر الماضية، ونزل مناصروه إلى الشارع واعتصموا في البرلمان رافعين ذلك الشعار.
وقد يسهم إجراء انتخابات مبكرة ومنح ضمانات للصدريين "باستقرار المشهد نسبياً"، كما يشرح إحسان الشمري الذي يرجح أن السوداني سوف يتجه نحو "استراتيجية احتواء للتيار الصدري".
في المقابل، ترى لهيب هيجل من مجموعة الأزمات الدولية أن "الأحزاب الداعمة للحكومة الحالية غير مهتمة بإجراء انتخابات مبكرة"، موضحةً أن "مهلة عام لإجرائها ليست واقعية"، وتشرح أن "تسريع تلك العملية يعتمد على رؤية الحكومة لكيفية إدارة علاقتها بالصدر".
وما زال خطر التوتر في الشارع جاثماً، فالصدر طالما كان قادراً على تعبئة الشارع لتحقيق أهدافه السياسية، على غرار ما حصل خلال الصيف.
ويرى الشمري أنه "إذا ما شعرت الكتلة الصدرية -كجمهور أو كمسار سياسي- بأنها قد تُعزل وأن هناك خطة لتقويض مستقبلها السياسي، فقد نكون أمام ردة فعل متطرفة من زعيم التيار الصدري وحتى أتباعه".
العلاقات الخارجية أم التحديات الاجتماعية؟
في برنامج حكومته، يضع السوداني ضمن أولوياته "العمل بشكل عاجل على تحسين وتطوير الخدمات التي تمس حياة المواطنين" ودعم الفئات الفقيرة ومعالجة البطالة وإصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية.
أما في العلاقات الخارجية، فيريد السوداني "اعتماد مبدأ عدم السماح بأن يكون العراق ممراً أو مقراً للاعتداء على الدول الأخرى" و"عدم الدخول في سياسة المحاور واتباع سياسة الصداقة والتعاون مع الجميع".
وترى هيجل أن السوداني "سيجعل القضايا الداخلية مثل البطالة ونقص المياه والكهرباء أولويته، بدل التركيز على السياسة الخارجية".
وفي حين أن القوى التي رشّحت السوداني لهذا المنصب، تعدّ مقربةً من إيران، إلا أن هيجل ترى أن السوداني سوف "يسعى إلى تحقيق توازن بين الغرب وإيران"، لاسيما أن "البلاد بحاجة إلى استثمارات أجنبية في قطاعات متنوعة" أنهكتها سنوات من الأزمات والحروب. كما أن شبح التغير المناخي يخيم على العراق بشدّة، ويهدد بمفاقمة الأزمات الاجتماعية فيه.
العام الماضي، وفي ظلّ حكومة تصريف الأعمال، لم يقرّ العراق موازنةً جديدة، مقابل تحقيقه إيرادات هائلة من النفط، لم يتمكّن من الاستفادة منها، كما أن مشاريع عدة في مجالات النفط والبنى التحتية لا تزال تنتظر التنفيذ.
وكرر السوداني تلك الأهداف في كلمته أمام المجلس، خلال جلسة منح الثقة، لاسيما "تمويلُ وإنجازُ المشاريعِ المتلكئةِ والجديدةِ التي لها وقْعٌ مباشرٌ على حياةِ المواطنينَ والخدماتِ المقدمةِ لهم".
لكن في بلد عرضة لضربات إيرانية وتركية ضدّ مجموعات كردية معارضة، لا يكفي "التوازن"، كما يرى الشمري، إذ لا بدّ من أن يدفع العراق باتجاه "احترام سيادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية".
ويضيف: "مبدأ التوازن لن يكون فاعلاً مع دول يمكن أن تنتهك السيادة وتتدخل في الشأن الداخلي العراقي، أو حتى تصادر قرار العراق".