بمسدس مياه... لبنانية تقتحم مصرفًا لبنانيًا وتحصد موجة تعاطف واسعة

اقتحام مصرفين في لبنان خلال ساعة... قصة إنسانية وتأييد شعبي ووعيد بعدم الصمت

بمسدس مياه... لبنانية تقتحم مصرفًا لبنانيًا وتحصد موجة تعاطف واسعة
سالي حافظ

السياق

بعد قرابة شهر من اقتحام أحد المودعين مصرفًا لبنانيًا بسلاح آلي، للمطالبة بأمواله لدى البنك لإنفاقها في علاج والده وما لقيته تلك الواقعة من إشادات بالرجل وشجاعته، رغم طريقته في التعبير عن حقه، يبدو أن الواقعة استهوت اللبنانيين وباتت طريقهم الوحيد نحو الحصول على مستحقاتهم التي تحاصرها الأزمة المالية.
فبعض المودعين اقتحموا أحد فروع «بلوم بنك» في العاصمة اللبنانية بيروت، واحتجزوا عددًا من الرهائن داخل المصرف، للمطالبة بأموالهم داخل المصرف.
وبحسب مقاطع فيديو تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، فإن الوضع داخل المصرف كان فوضويًا، فبينما يطالب عدد من المودعين بأموالهم لدى المصرف، تعالت صيحات الصراخ داخل فرع المصرف، خاصة بعد أن سكب البعض البنزين داخل المصرف كانوا قد جهزوها في إحدى الحقائب التي كانوا يحملونها.
وعلى وقع الصرخات الغاضبة بات موظفو المصرف يختبئون من المودعين، الذين كانت تتقدمهم سيدة تدعى سالي حافظ، التي كانت تحمل في إحدى يديها زجاجة من البنزين وفي الأخرى سلاحًا ناريًا.
ولم تفلح مفاوضات موظفي المصرف في إقناع المودعين بالهدوء، الذين يبعثرون الأوراق التي كانت داخل البنك، تعبيرًا عن غضبهم، بينما كان الأمن داخل المصرف على أحد الجوانب، خوفًا من الغضب الذي يسيطر على المودعين.

مشهد فوضوي
أمام هذا المشهد الفوضوي، كان العشرات من المواطنين يقفون خارج المصرف، يشاهدون وقائع الحادثة التي يبدو أنها قد تتكرر في المستقبل القريب، وسط عجز البلد العربي عن توفير السيولة لمواطنيه وصرف مستحقاتهم بالدولار، في خضم الأزمة المالية التي يعانيها.
وقال أحد اللبنانيين من داخل المصرف في المقاطع المتداولة، إن السيدة التي تدعى سالي حافظ، لديها شقيقة مريضة وتحوز قرابة 20 ألف دولار في المصرف، مشيرًا إلى أنها حاولت الحصول على مدخراتها أمس، إلا أن أحدًا لم يعطها الجواب الناجع، بينما تعاني شقيقتها مرض السرطان الذي كاد يفتك بحياتها.
وبعد محاولات فاشلة وتهديدات بإشعال النار في المصرف والتلويح بالسلاح الآلي، صعدت السيدة سالي حافظ فوق أحد المكاتب وظلت تصرخ وتجدد تهديداتها، بينما يحاول المواطنون داخل المصرف مساعدتها بإحصاء الأموال مع موظفي المصرف.
دقائق مرت كالدهر حتى حصلت السيدة سالي على 13 ألفًا و725 دولارًا و 6 ملايين ليرة لبنانية، ووقَّعت بالحصول على مستحقاتها، لتخرج السيدة سالي من المصرف رفقة المودعين الذين كانوا يحتجزون موظفي المصرف.

مسدس مياه

وبحسب مقطع الفيديو، فإن السلاح الذي كان بحوزة سالي لم يكن حقيقيًا بل «كان مسدس مياه»، بينما وثقت المقاطع غضب المودعين خارج المصرف الذين يطالبون بحقوقهم التي باتت رهينة داخل المصارف اللبنانية.

من جانبها، قالت السيدة سالي حافظ في مقطع عبر «فيسبوك»: «أنا سالي حافظ التي جئت اليوم على مصرف بلوم بنك لآخذ وديعة أختي التي تموت في المستشفى، جئت كي آخذ حقي».

وأضافت موجهة حديثها لشقيقتها: «يا عمري، أعدك أنك ستسافرين وتتعالجين وتعودين لتربي ابنتك، حتى لو كلفني الأمر حياتي، عليّ وعلى أعدائي، الله يشفيكِ يا أغلى من روحي».

 

حضور أمني وغضب شعبي

وتواجد الأمن اللبناني خارج المصرف محاولًا تهدئة المودعين ومناقشة شهود العيان، بشأن الأحداث التي وقعت داخل مصرف بلوم بنك.

وبحسب مقطع متداول، فإن أحد المودعين قال إنهم ظلوا 3 سنوات ينتظرون الحصول على حقوقهم إلا أن أي تطور لم يحدث، مشيرًا إلى أن كل اللبنانيين عليهم استخدام هذه الطريقة للحصول على حقوقهم، بينما قال آخر إن هذه الواقعة ستتكرر يومًا تلو الآخر في كل بقاع لبنان، بعد فشل الساسة في الوصول إلى حلول للأزمة الاقتصادية في لبنان.

وأكد ثالث أن «ما حدث اليوم بداية معركة تحرير الودائع داخل المصارف، فما أخذ بالقوة لابد أن يسترد بالقوة، المطلوب من الجميع عدم اليأس وسنحصل على حقوقنا»، بينما توعد رابع بعدم الصمت على حقوقهم.

وفي السياق نفسه، نشر أحد المغرِّدين ويدعى أدهم الحسنية، مقطع فيديو، قال إنه يعود لشقيقة سالي المريضة بالسرطان، مضيفًا: «هيدي أختها لسالي حافظ اللي فاتت بالقوة على بلوم بنك حتى تأخذ مصرياتها وتعالج أختها… بعتذر مضطر أنشر الفيديو لأن المجرمين هني المصارف وأصحابها مش سالي والعالم اللي انسرقت».

وبعد دقائق من الواقعة التي دوت في أرجاء لبنان، قالت جمعية المودعين إن مسلحًا اقتحم فرع بنك البحر المتوسط في عاليه بجبل لبنان، وتمكن من استرداد وديعته البالغة 30 ألف دولار، مشيرة إلى أنه سلم نفسه للقوى الأمنية بعد أن استرد وديعته.

كانت جمعية المودعين أطلقت في ديسمبر 2021، موقعها الإلكتروني الذي قالت إنه يواكب تطورات القضايا المالية في لبنان، مشيرة إلى أن الموقع يضم معلومات ومقالات تهم المودعين أينما كانوا، ضمن خطة إعلامية تسويقية تستهدف جميع شرائح المودعين.

الواقعتان تأتيان بعد أقل من شهر على أخرى مماثلة، قام بها اللبناني بسام الشيخ حسين (42 عامًا) الذي دخل مصرف فيدرال بنك في شارع الحمرا بالعاصمة بيروت، للحصول على أمواله التي يحتاجها لدفع فاتورة المستشفى التي يوجد فيها والده.

وبعد ساعات من المفاوضات، انتهت بعد الاتفاق على إعطاء الشيخ حسين 30 ألف دولار من أصل وديعته البالغة قيمتها 209 آلاف دولار، بينما أوقفته القوى الأمنية اللبنانية.

ولقيت الواقعة حينها تأييدًا شعبيًا كبيرًا، حتى إن رواد مواقع التواصل الاجتماعي أطلقوا حملة تضامنية واسعة، لتأكيد دعمهم لـ«المواطن صاحب الحق»، ورفضًا لتوقيفه من الأجهزة الأمنية.

ولاحقًا، أصدر النائب العام التمييزي في لبنان القاضي غسان عويدات، قرارًا بإخلاء سبيل بسام الشيخ حسين، بعد إسقاط محامي مصرف فيدرال بنك الدعوى التي رفعها ضد محتجز الرهائن.

 

مقترح لرد الودائع

كانت الهيئات الاقتصادية وجمعية تجار بيروت تقدمت مساء أمس بخطة مالية جديدة إلى الرئيس ميشال عون، تهدف إلى إعادة نحو 74% من أموال المودعين على مراحل، على أن تتحمل الدولة جزءًا من الخسائر، في خطة أيدها الرئيس اللبناني الذي طالب بالتدقيق المالي الجنائي للبحث عن الحقيقة.

ومن المقرر أن تسهم لبنان في إعادة جزء من الأموال عبر شركة قابضة، بحسب رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس الذي قال: «إذا سارت الأمور حسبما هو مخطط لها، يمكن للمودع اللبناني أن يستعيد 74% من أمواله».

وبينما يمر لبنان بأزمة اقتصادية حادة تراجع فيها سعر العملة المحلية لأدنى مستوى في تاريخها، كانت التحويلات من الأقارب في الخارج شريان الحياة للبنانيين، لكن مع استمرار انخفاض العملة المحلية، واستمرار المأزق السياسي وعدم وجود مؤشر على استعداد القادة للوفاء بشروط النزاهة التي تعد ضرورية لصفقات الإنقاذ العالمية، أحجم الكثيرون عن ممارسة دورهم الحيوي في الحفاظ على تماسك البلاد.