قبل لقاء أردوغان وبوتين.. هل يجبر الغرب تركيا على معاقبة روسيا؟
واشنطن والاتحاد الأوروبي يُصعِّدان الضغط على تركيا لفرض عقوبات على روسيا

ترجمات – السياق
تركيا لم تأخذ النهج الغربي في التعامل مع روسيا بعد اجتياحها لأوكرانيا، فبينما فرضت أوروبا والولايات المتحدة -شركاء أنقرة في "الناتو"- عقوبات ضد موسكو، يعتقد أن البنوك التركية بوابة خلفية لبعض الأموال الروسية.
إلى ذلك كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن واشنطن والاتحاد الأوروبي يُصعِّدان الضغط على تركيا لفرض عقوبات على روسيا، وسط مخاوف من أن يكون القطاع المصرفي في البلاد "بابًا خلفيًا محتملًا للتمويل غير المشروع".
وأفادت الصحيفة -نقلًا عن اثنين من المسؤولين الغربيين مشاركين في الخطط- أن واشنطن تركز على البنوك التركية، التي اندمجت في نظام مير الروسي للمدفوعات، بينما تعد بروكسل وفدًا للتعبير عن مخاوفها للمسؤولين الأتراك مباشرة.
"مير" نظام دفع يعمل بشكل مستقل عن النظام المالي الغربي، ويسمح للدول بالتعامل مع البنوك الروسية خارج نظام الدفع "سويفت"، كما يسمح للمواطنين بإجراء معاملات رقمية، وأضحى للنظام دور حيوي بعد خروج فيزا وماستر كارد من البلاد.
بدأ "سبير بنك" الأكبر في روسيا إصدار بطاقات مير في أكتوبر 2016.
عام 2017 تم إلزام المصارف الروسية، التي تتعامل مع مدفوعات القطاع العام، بإتاحة هذه الأموال من خلال بطاقات "مير".
وتتعامل دول مثل تركيا وبيلاروسيا وفيتنام وطاجيكستان وأرمينيا بنظام الدفع الروسي.
صرامة أكثر
وبينت "فايننشال تايمز" أن "الضغط على تركيا يأتي في الوقت الذي تتجه فيه العواصم الغربية نحو تطبيق أكثر صرامة للعقوبات الحالية، بدلاً من فرض إجراءات جديدة".
وأشارت إلى أن هذا التحول يؤكد أن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت بعد العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، في فبراير الماضي، فشلت في الإضرار بالاقتصاد الروسي، بالقدر الذي كانوا يأملونه، لكنهم يؤكدون أن سد الثغرات أمام العقوبات سيضغط ببطء على شريان الحياة المالي للكرملين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي قوله: "سنركز نوعًا ما على التهرب من القطاع المالي، وسنوصل رسالة واضحة مفادها أنه ينبغي للمؤسسات المالية في البلدان الأخرى ألا تكون مترابطة مع شبكة مدفوعات مير، لأن ذلك ينطوي على بعض مخاطر التهرب من العقوبات".
بينما قال المسؤول الغربي الآخر، الذي شارك في محادثات هذا الشهر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن إنفاذ العقوبات: "نحن بحاجة إلى سد الثغرات"، مشيرًا إلى أن "تركيا الهدف الرئيس الآن".
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه رغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -الذي انضمت بلاده إلى "الناتو" منذ عام 1952- انتهج ما يسميه نهجًا "متوازنًا" للنزاع في أوكرانيا، فإن رفضه توقيع عقوبات على روسيا وتعهده الأخير بتعميق التعاون الاقتصادي مع موسكو أثارا قلق حلفائه الغربيين.
وقال أردوغان، الذي سيلتقي بوتين الجمعة: إن هناك "تقدمًا جادًا" في توسيع محطة مير بتركيا.
يذكر أن خمسة من أكبر البنوك في تركيا (فاكيف بنك، وبنك زراعات، وبنك إيش، ودنيز بنك، وبنك خلق)، أعضاء في نظام الدفع مير، الذي طوره البنك المركزي الروسي كبديل محلي لفيزا وماستر كارد.
وقد وقع اثنان من هؤلاء -بنك دينيز، وبنك خلق الخاضع لسيطرة الدولة، والمشهور بدوره المزعوم في مخطط للتهرب من العقوبات الأمريكية على إيران، التي تعود إلى عام 2010- على مير بعد أن أطلق بوتين غزوه الشامل ضد أوكرانيا في فبراير الماضي.
من جانبه، أعلن بنك إيش التركي أن "سياسته تتطلب الامتثال الصارم لجميع العقوبات الأميركية السارية"، مضيفًا: "نحن نراقب العقوبات، ونتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ معاملات بطاقة مير وفقاً لهذه السياسة".
بينما قال "بينز" بنك التركي، لـ"فاينانشال تايمز": "نحن لا ننفذ معاملات مع البنوك الخاضعة للعقوبات، نحن نمتثل للعقوبات الدولية المفروضة على روسيا".
وقالت وزارة الخارجية التركية إنه بينما تتبع أنقرة سياسة طويلة الأمد تتمثل في تنفيذ العقوبات التي تدعمها الأمم المتحدة فقط، "كنا أيضًا حازمين بالقدر نفسه في سياستنا المتمثلة بعدم السماح لتركيا بأن تصبح قناة للتهرب من العقوبات".
تحرك أوروبي
وضمن التحركات الأوروبية لتسريع وتيرة تطبيق العقوبات المفروضة على موسكو، كشفت "فايننشال تايمز" أن الاتحاد الأوروبي يعتزم أيضًا إرسال وفد إلى تركيا للتعبير مباشرة عن مخاوفه بشأن تجاوز العقوبات.
ومن المقرر أن يسافر المفوض المالي ميريد ماكغينيس إلى تركيا الشهر المقبل، لبحث الأمر.
وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي: "المفوض ماكغينيس زار مؤخرًا عددًا من الدول لمناقشة القضايا المتعلقة بالخدمات المالية، وتنفيذ العقوبات على وجه الخصوص.
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه: "سنركز على التحايل على العقوبات في القطاع المالي، وسنوضح أنه ينبغي للمؤسسات المالية في البلدان الثلاثة ألا تتصل بنظام الدفع مير، لأن ذلك ينطوي على مخاطر التحايل على العقوبات".
يذكر أن واشنطن حذرت تركيا، من العمل مع كيانات روسية من خلال رسالة نائب وزير الخزانة الأمريكي، والي أدييمو.
وحسب الصحيفة، سعت العقوبات الغربية، التي بدأت موجات من الإجراءات في الأسابيع الأولى بعد الغزو الروسي، لعزل أكبر البنوك الروسية وشركات الطاقة والدفاع ومئات من كبار المسؤولين وأغنى رجال الأعمال من السوق العالمية.
ووفقًا لأحد المسؤولين، فإنه "كجزء من الحملة الأوسع للتهرب من العقوبات، تستهدف الجهود الغربية الأفراد الذين يتعاملون مع المدفوعات نيابةً عن الروس وكذلك الشركات التي ساعدت في إنشاء شبكات دفع موازية لموسكو".
وقال المسؤولون الثلاثة: إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيستهدفان أيضًا الكيانات التي تساعد موسكو في معالجة عائدات الصادرات الروسية أو تسهيل استيراد المنتجات الصناعية أو الدفاعية المحظورة بموجب العقوبات الغربية.
بينما قال مسؤولان: إن الإجراءات الأخرى قيد المناقشة تشمل استهداف المزيد من المشاركين في صناعات البرمجيات والتجارة الإلكترونية والأمن السيبراني في روسيا.
وهو ما أكده جيمس أوبراين، منسق العقوبات في وزارة الخارجية الأمريكية، قائلًا: "يجب على كل دولة أن تدرك أننا سوف نتتبع ذلك ونتحدث معهم".
يذكر أنه بداية أغسطس الماضي، التقى أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية، حيث تعهد الزعيمان بتعميق العلاقات الثنائية.
وأشار بوتين -في ذلك الوقت- إلى أن التجارة الروسية التركية تضاعفت في الأشهر الخمسة الأولى من العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يعكس تركيز موسكو المتزايد على العلاقات مع أنقرة وسط العقوبات الغربية المؤلمة.
تركيا تعتمد على روسيا في التجارة والسياحة، ويغطي الغاز الروسي 45% من احتياجات الطاقة التركية، وتبني الوكالة الذرية الروسية أول محطة للطاقة النووية في تركيا. وقالت أنقرة إن فرض عقوبات على روسيا كان سيضر باقتصادها.
وقال أردوغان حينها، إن بلاده يجب أن تظل "محايدة" في الصراع، لأن صناعاتها تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة الروسية.