تركيا ومصر... لماذا يخطب أردوغان وِدَّ القاهرة مجددًا؟
أبرز هذه العوامل الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، إذ إن المعارضة التركية دأبت على انتقاده، بسبب العلاقات بين أنقرة والقاهرة، وهو الموقف ذاته على المستوى الشعبي

السياق
مرة أخرى، خطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خطوة جديدة لتطبيع العلاقات مع مصر، بالدعوة إلى إجراء محادثات عالية المستوى مع القاهرة.
أردوغان كشف -في مقابلة مع قناة "تي آر تي" التركية الرسمية- عن استمرار "المحادثات على المستويات الدنيا، مطالبًا بتجنُّب البلدين ما سماها "التصريحات الضارة".
تأتي هذه الدعوة، بعد تصحيح تركيا لمسار علاقاتها بدول الخليج، وتحديدًا دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لضبط العلاقات الاقتصادية بينهم.
تصفير الأزمات
مصطفي صلاح، باحث في العلاقات الدولية، يقول لـ"السياق"، إن تركيا حاولت -خلال الفترة الأخيرة- العودة إلى سياسة ما يعرف بـ"صفر مشكلات"، مع الكثير من دول المنطقة خاصة مصر.
وأشار صلاح إلى أن مصر تشترك مع تركيا في الكثير من الملفات، منها منطقة شرق المتوسط، إذ اتجهت مصر إلى محاصرة التدخل التركي غير القانوني للتنقيب عن الثروات، وتأسيس منظمة لهذه الاستكشافات ونقلها، لأن القاهرة ستصبح مركزًا إقليميًا للطاقة في هذه المنطقة.
وأوضح أن تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، دفعت تركيا للدعوة لرفع مستوى المحادثات مع مصر، سواء على مستوى الرئاسة أم وزراء الخارجية، لافتًا إلى أن هذه الأزمة أثرت في حجم تدفقات الغاز بالنسبة للدولة الأوروبية وتركيا، التي تعد من أكبر المستوردين للمنتجات النفطية والغاز من روسيا وغيرها، لذلك فإن التقارب وتطبيع العلاقات مع مصر من شأنهما إيجاد حلول سريعة وناجزة لمشكلة الغاز.
الباحث في العلاقات الدولية، أكد أيضاً أن تركيا تنظر إلى مصر كمفتاح يمكن من خلاله تسوية هذه الملفات، وإعادة علاقات أنقرة مع كثير من دول المنطقة خاصة قبرص واليونان، كذلك الأمر بالنسبة إلى فرنسا التي دخلت على خط الأزمة وصعدت موقفها ضد تركيا، ما انعكس بصورة سلبية على السياسة التركية في المنطقة.
الاقتصاد يقود
صلاح يرى أن للتداعيات الاقتصادية، التي تعيشها تركيا وأوروبا، دورًا مهمًا في تبنى أنقرة هذه السياسات، في هذا التوقيت.
وأشار إلى أنه يمكن أن تساعد هذه الظروف في تسريع أو تضمين تركيا لتنازلات كبيرة، في ما يتعلق بالتعاون بمنطقة شرق المتوسط.
ونوه صلاح إلى أن الاقتصاد هو الذي دفع تركيا إلى التدخل العسكري في ليبيا، لأن هذا الملف يرتبط -بصورة أو بأخرى- بمنطقة شرق المتوسط.
وأوضح أن ليبيا -من الناحية الجغرافية- لا تعد ذات أهمية كبري بالنسبة لتركيا، لكن زاد الاهتمام بها بعد اكتشاف هذه الثروات في المنطقة، لذلك اتجهت أنقرة لتوقيع اتفاقيتين مع حكومة الوفاق الليبية السابقة لإنشاء منطقة اقتصادية بينهما، في محاولة لتجاوز الضغوط التي تعرضت لها من دول المنطقة.
ويؤكد الباحث في العلاقات الدولية أن تركيا تدرك أن لمصر دورًا مهمًا في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط، وأنها مفتاح لإعادة تموضع أنقرة، والتدخل الناعم أو المقبول، لمشاركة هذه الدول في الثروات المكتشفة حديثًا، بعيدًا عن السياسات التصعيدية التي تنتهك قواعد القانون الدولي من جانب، وقواعد العلاقات الثنائية وحُسن الجوار من جانب آخر.
تقارب مشروط
الخبير المصري في الشؤون العربية محمد ربيع الديهي، في حديثه لـ"السياق"، يرى أن التقارب بين مصر وتركيا مرهون بتغيير تركيا لسياساتها في المنطقة.
وأشار الديهي إلى أن من أبرز هذه العوامل الحاكمة، للتقارب بين القاهرة وأنقرة، تغيير سياسات الأخيرة تجاه الدول العربية عمومًا، والخليج على وجه الخصوص.
وأوضح أن تصريحات الرئيس التركي الأخيرة، تثير العديد من التساؤلات عن العلاقات المصرية التركية، خاصه أنها مرت بفتره من التوتر، نظرًا للسياسات التي مارسها النظام التركي بدعم جماعة الإخوان، والتدخل في شؤون بعض الدول.
ويلفت الديهي إلى أن تركيا تحاول، من خلال هذه التصريحات، تأكيد أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وذلك من الشروط التي وضعتها القاهرة، خلال المشاورات الاستكشافية بين البلدين، على مستوى وزيري الخارجية.
ولم يغفل الخبير في الشؤون العربية، محاولة تركيا دخول منظومة شرق المتوسط، عبر التقارب مع مصر، في محاولة لتأمين الغاز، ليس لها فقط، ولكن إلى الدول الأوروبية أيضاً.
عوامل عدة
نبيل نجم الدين، الكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، يرى في تصريحات لـ"السياق"، أن حديث الرئيس التركي عن ضرورة رفع مستوى المحادثات مع مصر، يعبِّـر عن سياساته "الميكافيلية" لتحقيق مصالح بلاده، فهو دائمًا ما يبحث عن الوسيلة المناسبة لتحقيق المصلحة.
ويشير نجم الدين إلى أن ثمة عوامل داخلية مرتبطة أيضاً بمحاولات أردوغان التقارب مع مصر، ضمن سياسة تصفير المشكلات، أبرز هذه العوامل الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، إذ إن المعارضة التركية دأبت على انتقاده، بسبب العلاقات بين أنقرة والقاهرة، وهو الموقف ذاته على المستوى الشعبي.
ويصف الكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، تصريحات أردوغان بـ"الإيجابية"، لكنها أيضاً تعكس الجانب الاقتصادي وأهميته في العلاقات بين البلدين، إذ تراجع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 11 مليار دولار، بعد أن كان 22 مليار دولار.
وتراجعت الشراكة الاقتصادية بين البلدين، بعد أن كانت مطارات وموانئ مصر محطة ترانزيت للبضائع التركية إلى إفريقيا، وهو ما أثر في اقتصاد أنقرة، لذلك هناك ضرورة لتطبيع العلاقات بينهما، لتجاوز تركيا أزمتها الاقتصادية الراهنة، بحسب نجم الدين.