ضبط خلية داعشية في السودان.. يدق ناقوس الخطر ويكشف تحديات جسيمة

تعد هذه المرة الأولى، التي تعلن السُّلطات السودانية فيها ضبط خلية لتنظيم داعش، بعد عامين من تحذير وزارة الخارجية الأمريكية، من وصول التنظيم الإرهابي إلى السودان، بعدما تقلَّصت كثيرًا مناطق سيطرته في سوريا والعراق.

ضبط خلية داعشية في السودان.. يدق ناقوس الخطر ويكشف تحديات جسيمة

السياق

من إحباط مخطط انقلابي، مرورًا بتوتر العلاقة بين المكوِّنين المدني والعسكري، إلى إحباط مخطط لتنظيم داعش، أحداث جعلت السودان حديث العالم، خلال الأيام الماضية.

ولئن كان الحدثان الأولان شأنًا داخليًا بحتًا، إلا أن الثالث يكشف تخوفات كبيرة، من إعادة تنظيم داعش ترتيب صفوفه من جديد، متخذًا من البلد الإفريقي موطنًا لانطلاقته.

جهاز المخابرات العامة في السودان، أعلن مقتل 5 من رجاله وإصابة آخر، خلال حملة مداهمة خلية لتنظيم داعش، تقيم في ثلاثة مواقع في العاصمة الخرطوم.

وقال جهاز المخابرات العامة، في بيان عبر «فيسبوك»: «بناءً على توفر معلومات عن خلية تتبع لداعش الإرهابية، تم تنفيذ عملية أمنية للقبض عليها، بأحياء جبرة مربعي 18 و14 والأزهري مربع 14 (أحياء سكنية تقع جنوبي الخرطوم).

 

تفاصيل العملية

وأوضح جهاز المخابرات العامة، أن قوة من جهاز المخابرات العامة المختصة، داهمت المواقع التي يختبئ فيها الإرهابيون، مشيرًا إلى أن العملية أسفرت عن القبض على 11 من الإرهابيين، الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة.

جهاز المخبرات العامة، أكد أن «المجموعة الإرهابية التي استوطنت بجبرة مربع 14، أطلقت النار على القوة المنفذة، ما أسفر عن مقتل 5 منها، بينهم ضابطان وثلاثة ضباط صف، وأصيب سادس بجروح».

ورغم عمليات القبض على بعض الإرهابيين، فإن جهاز المخابرات العامة أعلن فرار 4 من تنظيم داعش، مسؤولين عن مقتل قواته، مؤكدًا أن هناك عمليات مطاردة للقبض عليهم، أسفرت -بحسب وسائل إعلام- عن ضبط ثلاثة من الفارين في أحد أحياء الخرطوم.

مصادر شرطية، كشفت في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن «المجموعة الإرهابية نصبت كمينًا لقوات جهاز المخابرات»، مشيرة إلى أن القوة الأمنية التي نفَّذت المداهمة، لم تكن مجهزة.

وقال جهاز المخابرات، إن مداهمته لمقار الخلية الإرهابية، جاءت بتنسيق مع الأجهزة الأمنية لمحاربة الأنشطة الإرهابية المتطرفة، إلا أنه لم يعلن مقتل أحد من الإرهابيين، سواء المضبوطين أو الفارين.

 

طوق أمني

وقالت وسائل إعلام محلية، إن المنزل المؤلف من طابقين، الواقع في حي جبرة جنوبي الخرطوم، حيث وقعت المداهمة، كان محاطًا بطوق أمني، فرضته القوات الأمنية التي طلبت من المارة الابتعاد، خشية وجود متفجرات خلَّفها الفارون.

وأكد شهود عيان، أنهم سمعوا تبادلًا لإطلاق النار، وشاهدوا جرحى ينقلون في سيارات.

إلى ذلك، تبنت جماعة "التيار الرسالي للدعوة والقتال - ولاية السودان" قتل خمسة من ضباط جهاز المخابرات، إثر مداهمة منزل جنوبي الخرطوم، وإطلاق نار نسبته السلطات إلى خلية لتنظيم داعش.

وقالت في بيان على أحد مواقع التواصل: "تمكن مجاهدو التيار الرسالي للدعوة والقتال، من دك صفوف المرتدين والعملاء، وإحداث خسائر بشرية أسفرت عن مقتل 6 من قيادات القوة المهاجمة، بينهم ضابطان رفيعان، وثلاثة من ضباط الصف.

وأسفرت العملية الغادرة عن القبض على 11 من مجاهدي التنظيم"، بحسب "فرانس برس".

كما تبنت هذه الجماعة، محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك، في مارس 2020، ولم تحدد السلطات حينها مَنْ يقف وراء المحاولة.

ونفى "التيار" علاقته بتنظيم داعش، وقال إن نسب العملية لذاك التنظيم "غطاء للتمويه الإعلامي الرخيص"، وهدد بالرد على عملية المداهمة، واستمرار عمليته التي سماها "عملية حصار السبعين يومًا".

من جانبه، نعى رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وأعضاء المجلس، ضحايا جهاز المخابرات العامة «الذين استشهدوا وهم يؤدون واجبهم في حماية البلاد، من الأنشطة الإرهابية، ومن المتربصين بأمنها واستقرارها».

وأكد مجلس السيادة، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، التزام الدولة بالمضي قدمًا، في التصدي لأي أنشطة تستهدف زعزعة أمن السودان واستقراره.

وأدى رئيس مجلس السيادة البرهان، صلاة الجنازة على قتلى جهاز المخابرات العامة، بحضور قادة القوات المسلحة ومدير جهاز المخابرات العامة و قيادات الشرطة.

 

تعهد حكومي

بدوره، نعى رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك وأعضاء المجلس، للشعب السوداني، خمسة من منسوبي جهاز المخابرات العامة، ضابطان وثلاثة ضباط صف.

وأكد حمدوك، أن ضحايا جهاز المخابرات، كانوا ضمن قوة أمنية، تسعى لتتبع والقبض على خلية لتنظيم داعش الإرهابي، بعدد من المواقع في أحد أحياء جنوب الخرطوم، مشيرًا إلى أن المجموعة الإرهابية أطلقت الرصاص، على القوة المنفذة بأحد المواقع.

وأشار رئيس الوزراء السوداني، إلى أن ما وصفها بـ«محاولات الغدر والنيل من أجهزة حفظ الأمن والاستقرار، لن تُثنيها عن أداء واجبها في حماية البلاد، من جميع المهددات الخارجية»، متعهدًا بمد يد العون لهذه القوات، لأداء دورها على الوجه الاحترافي.

 

المرة الأولى

وتعد هذه المرة الأولى، التي تعلن السُّلطات السودانية فيها ضبط خلية لتنظيم داعش، بعد عامين من تحذير وزارة الخارجية الأمريكية، من وصول التنظيم الإرهابي إلى السودان، بعدما تقلَّصت كثيرًا مناطق سيطرته في سوريا والعراق.

من جانبه، قال الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، الهادي محمد الأمين، في تصريحات صحفية، إن الخلية التي دُوهم مقرها، كانت تُخطط لتنفيذ عمليات إرهابية في اليوم الأول من عام 2022، في العاصمة الخرطوم، حيث يحتفي عشرات الأجانب بالعام الميلادي في أماكن عامة.

وتوقَّع الأمين، وجود خلايا أخرى في العاصمة الخرطوم، من دون أن يستبعد تنفيذها لهجمات إرهابية، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي في السودان، تتوافر فيه العوامل الكامنة للتطرف.

 

تنظيمات إرهابية

وأوى نظام الرئيس المعزول عمر البشير في السودان تنظيمات إرهابية، وضعت هذا البلد على قائمة الدول الراعية للإرهاب نحو عقدين، قبل أن يغادر القائمة السوداء مؤخرًا.

ففي يونيو الماضي، أعلن السودان، القبض على 9 من تنظيم القاعدة، كانوا يخططون لتنفيذ تفجيرات في البلاد، مشيرًا إلى أن التسعة كانوا يحملون جوازات سورية، وتونسية وتشادية، وأحدهم هو الرأس المدبر لعملية الهجوم على السياح الأجانب، في مدينة سوسة التونسية.

وفي فبراير الماضي، أظهر مقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة ترفع علمًا أقرب إلى تنظيم داعش، قرب صوامع الغلال بمدينة القضارف السودانية، في واقعة أثارت حينها مخاوف كبيرة، من أن تستغل بعص الخلايا النائمة حالة الاضطراب في السودان، لتشكيل تنظيم أو تنفيذ عمليات إرهابية.

ويمثِّل تنظيم داعش تهديدًا لأمن السودان واستقراره، لاسيما في ظل المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد، ما يتطلب استجابة أكبر وأكثر فعالية، من الحكومة السودانية والقوى الإقليمية والدولية، التي تدعم مسار الانتقال السياسي الحالي.

 

ساحة معركة مستقبلية

كان التنظيم الإرهابي، أبدى اهتمامًا متزايدًا بالسودان، عقب سقوط نظام البشير، وهو ما تجلى في تصريحات لزعيم التنظيم السابق أبوبكر البغدادي، في أبريل 2019، حينما أشار إلى البلد الإفريقي باعتباره ساحة معركة مستقبلية.

ودعت مؤسسة الوفاء الموالية للتنظيم -في رسالة متداولة عبر موقع تليجرام- أنصار داعش إلى اغتنام الفرصة لإقامة «الدولة الإسلامية»، حيث يعمل التنظيم على إقامة ما سماها «إمارة الحبشة»، التي تضم السودان ودول شرق إفريقيا.

وحذَّرت تقارير من أن يؤدي وجود داعش في السودان، إلى تمدده في منطقة شرق القارة وربطها بغربها، مشيرة إلى أن حصول التنظيم الإرهابي على موطئ قدم على البحر الأحمر، وفتح ممر من البحر إلى المحيط الأطلسي، سيمكن داعش من استهداف حركة التجارة والملاحة الدولية في البحر الأحمر، ويشكل خطراً على الدول المُشاطِئَة لهذه الممرات المائية المهمة والقريبة منها، ما يستدعي موقفًا دوليًا لمساندة البلد الإفريقي، قبل الوقوع في براثن تنظيم داعش.