مستغلًا حرب أوكرانيا... هل يعود تنظيم داعش؟
يقول آرون لوند ، الباحث بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قوله: لا أعتقد أن الحرب الأوكرانية مهمة في ما يتعلق بمصير داعش، مضيفًا أن التنظيم يقوم بحملات دعائية ليبدو أنه على عِلم بما يحدث، ومتشبث بالأحداث الجارية.

ترجمات - السياق
منذ إلحاق هزيمة بتنظيم داعش الإرهابي عام 2019، يتساءل كثيرون عن إمكانية عودة التنظيم، خاصة بعد دعوته الأخيرة لأنصاره باستئناف الهجمات في أوروبا، في ظل انشغال العالم بالحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم التنظيم، أبو عمر المجاهد: "يجب الاستفادة من محاربة الصليبيين لبعضهم، وشن موجة من الهجمات، انتقامًا لقتل زعيم داعش في غارة أميركية، شمال شرقي سوريا".
تهديد جديد
ووفقًا لمجلة فورين بوليسي، فإنه منذ إلحاق هزيمة بالتنظيم عام 2019، زاد الجدل بشأن إمكانية عودة "داعش"، عبر حوادث عدة، منها محاولة هروب بعض أعضائه من سجن بالحسكة السورية في يناير الماضي، فضلًا عن إعلان مسؤوليته عن نحو 45 هجومًا في سوريا شهريًا، واكتسابه قوة في أفغانستان وأجزاء من إفريقيا خلال السنوات الماضية، وإعلان المتعاطفين معه مسؤوليتهم عن هجومين إرهابيين في مدينتي بئر السبع والخضيرة بإسرائيل، في مارس 2022.
ورغم الهجمات والعمليات، فإن "فورين بوليسي" أشارت إلى أن التنظيم لم يختفِ، لكنه أصبح غير قادر حتى على شن ما تعرف بـ "هجمات الذئاب المنفردة"، وهي الاعتداءات الفردية التي ينفذها مؤيدون أو منتمون للتنظيم، مؤكدة أن الهجمات الأخيرة -التي تبناها التنظيم- نفذها متعاطفون معه، لكنهم لم يحصلوا على دعم لوجستي ولا مادي منه.
وفي ما يتعلق بعودة تنظيم داعش في الغرب، رأت المجلة أنها قد تكون محتملة بالتزامن مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وانشغال الغرب بتطوراتها، لكن لا توجد مؤشرات على احتمال عودته بقوة في الدول الغربية حاليًا، إذ لا يملك التنظيم القوة البشرية ولا الموارد اللازمة لذلك.
ونقلت المجلة الأمريكية عن آرون لوند ، الباحث بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قوله: "لا أعتقد أن الحرب الأوكرانية مهمة في ما يتعلق بمصير داعش"، مضيفًا أن التنظيم يقوم بحملات دعائية "ليبدو أنه على عِلم بما يحدث، ومتشبث بالأحداث الجارية".
تنظيم ضعيف
وحسب "فورين بوليسي" فإنه علاوة على عدم امتلاك التنظيم للقوة البشرية ولا الموارد لعودته وتنفيذ عمليات جديدة في أي مكان، فإن تحليل الهجمات التي تبناها "داعش" منذ سقوطه يُظهر أنه لا يزال ضعيفًا، إذ لم يعد يسيطر على آبار النفط، ولا يملك القدرة على تحصيل الضرائب، وهي الموارد التي استخدمها لإدارة شؤونه وتمويل الهجمات وأفرعه الإرهابية عبر العالم، إلى جانب التعاون الاستخباراتي المستمر بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية ونظيراتها في منطقة الشرق الأوسط، الذي أضحى أقوى بكثير مما كان عليه.
إضافة لذلك، فقد ألقي القبض على عدد كبير من أعضاء التنظيم في دول أوروبية، وكانت محاكماتهم -حسب وصف المجلة- رسالة ردع للمجندين المحتملين.
ونقلت المجلة عن أوليفييه غيتا، المحلل الفرنسى فى شؤون الجماعات المتطرفة، قوله: "لم تنفذ أي هجمات كبيرة في أوروبا منذ عام 2017، وبذلك فإن خمس سنوات تعد فترة طويلة جدًا بالنسبة لجماعة جهادية كانت في صدارة الخريطة الأمنية".
ويرى غيتا أن انشغال الغرب بالحرب الأوكرانية، لن يحدث فرقًا في قدرة داعش على تنفيذ الهجمات على الأراضي الأوروبية، قائًلا: كان بمقدورهم شن هجمات جديدة، كانوا سينفذونها منذ عام 2017 أو حتى خلال فترة الجائحة"، مشيرًا إلى أنه عدا أفغانستان وإفريقيا -حيث وسع التنظيم عملياته- فقد تراجع في المناطق الأخرى، ومن ثمّ تحولت (الخلافة) إلى جزء ضئيل مما كانت عليه عام 2015.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى الهجمات التي شنها التنظيم في فرنسا وبلجيكا، موضحة أن منفذيها تلقوا تدريبات في الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا، لافتة إلى أن غياب تلك الأراضي، بعد دحر التنظيم، قلل فرص تنفيذ عمليات كبيرة، رغم أن فرص شن عمليات الذئاب المنفردة لا تزال واردة.
وحسب المجلة، لم تكن معظم الهجمات الأخيرة في أوروبا ذات تأثير كبير، حيث كانت عمليات طعن وصدم مركبات في حشود من الناس، مبينة أنه في جميع هذه الهجمات تقريبًا منذ عام 2017، تعاطف المهاجمون مع التنظيم، لكنهم لم يكونوا أعضاءً في فرع التنظيم العالمي، ولم يتلقوا أي أدوات ولا تدريبات لتنفيذ الهجمات، بل ارتبطوا بها فقط لأنها كانت آخر مجموعة اكتسبت خطوطها في المجال الإرهابي.
علاوة على ذلك -تضيف المجلة- مكن التعاون المتزايد بين وكالات الاستخبارات الأوروبية، الأجهزة الأمنية من إحباط هجمات التنظيم، إذ تمكنت ألمانيا من إفشال 9 عمليات تفجيرية بين عامي 2015 و2020، وحاكمت عضوًا في "داعش" شارك في قتل 700 سوري عام 2014، كما اعتقلت دول أوروبية أخرى عددًا من المنتمين إلى التنظيم.
خطر اللاجئين
وعن خطر اللاجئين على الأوضاع في أوروبا، رأت "فورين بوليس" أن أوروبا استقبلت ملايين اللاجئين السوريين، وتعتقد الأجهزة الأمنية أن العديد منهم دخلوا من دون أوراق ثبوتية أو بهويات مزورة، منهم "داعش"، مشيرة إلى أن كثيرين من هؤلاء اللاجئين ضحايا التنظيم الإرهابي، وأسهموا في التعرف إلى أعضاء التنظيم في الدول الأوروبية ومحاكمتهم، ومن هؤلاء شاب أبلغ عن الطبيب المتهم بالمشاركة في قتل 700 سوري عام 2014.
وذكرت المجلة أن دولًا غربية شهدت محاكمات لعدد من أعضاء التنظيم، أبرزها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، حيث حوكم صلاح عبدالسلام بتهمة ضلوعه في تنفيذ الهجمات الإرهابية في باريس عام 2015، وظهر في محاكمته يطلب العفو من الشعب الفرنسي، وفي الولايات المتحدة، أدين اثنان من التنظيم كانا عضوين في خلية عرفت باسم "بيتلز"، هما الشافعي الشيخ وأليكساندا آمون كوتي.
وأشارت إلى أن من الأمور التي تكشف عدم قدرة التنظيم على استقطاب أعضاء جدد، أن الإفادات التي صرح بها أعضاء التنظيم -خلال محاكماتهم- تجسدهم كشخصيات مثيرة للشفقة، وليسوا كأبطال للإسلام يجب تمجيدهم واتباعهم، ما كان له صدى واسع في وقف انتشار أفكار التنظيم.
وشددت "فورين بوليسي" على أنه لم يتم القضاء على تهديدات تنظيم داعش، رغم تراجعه بشكل كبير، مشيرة إلى أنه قد يعود ليصبح تهديدًا عالميًا، إذا تمكن من التوسع مرة أخرى في سوريا والعراق، وإذا صرفت الأجهزة الأمنية أعينها عن الفكر المتطرف في الداخل، فإنه لا يُستبعد عودة التنظيم بشكل ربما يكون أكثر ضراوة.
وأضافت: "الحل الوحيد طويل الأمد، لوقف عمليات الاستقطاب في الغرب، بناء مجتمعات أكثر شمولاً وتكاملًا، حيث تتعايش الثقافات المختلفة بسهولة، من دون أن يشعر فيها المسلمون بأنهم مهمَّشون".