قمة صينية عربية في السعودية... هل ولى العرب وجوههم بعيدًا عن أمريكا؟

هل يتجه العالم إلى نظام متعدد الأقطاب؟

قمة صينية عربية في السعودية... هل ولى العرب وجوههم بعيدًا عن أمريكا؟

السياق

«الرياض عازمة على التعامل مع نظام عالمي متعدد الأقطاب، بصرف النظر عن رغبات حلفائها الغربيين»، تحليلات لوكالات غربية سلَّطت الضوء على زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية الخميس.

زيارة شي إلى الرياض، التي تستغرق يومين، تشمل قمة صينية سعودية، وصينية خليجية، وصينية عربية، وفقًا لمصدر مطلع على الرحلة ومصدر دبلوماسي عربي، واثنين من كبار المسؤولين العرب.

المصادر الأربعة التي تحدثت إلى «سي إن إن» الأمريكية، رافضة كشف هويتها، قالت إنه من المتوقع أن يحضر ما لا يقل عن 14 رئيس دولة عربية، القمة الصينية العربية، واصفة الزيارة بأنها «علامة فارقة» للعلاقات العربية الصينية.

وبينما تسعى الصين إلى التربع على عرش أكبر اقتصاد عالمي عام 2030، إلا أنها بحاجة إلى شراكة استراتيجية مع الوطن العربي، الذي يتحكم في أهم طرق ومعابر التجارة العالمية، بين الشرق الأقصى وأوروبا، في سبيل تحقيق أهدافها.

رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا، أيهم كامل، قال في تصريحات لـ «رويترز»، إن «الرياض تعمل وفق حسابات استراتيجية لا بد أن تستوعب بكين، لأنها الآن شريك اقتصادي لا غنى عنه».

 

سياسة خارجية متزنة

ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك المفضل لدول الخليج، فإن الرياض بدأت تضع سياسة خارجية تخدم تحولها الاقتصادي الوطني، بحسب «رويترز».

تلك الرؤية أكدها ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، في مارس الماضي، قائلًا لوكالة الأنباء السعودية «واس»: رغم أن الرياض تهدف إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن، يمكنها أيضًا أن تختار تقليص مصالحنا.

وتعمل السعودية على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع بكين، التي تعد أكبر مورد للنفط للصين، رغم أن روسيا العضو أيضًا مثل السعودية في مجموعة أوبك بلس، زادت حصتها في السوق الصينية بوقود منخفض السعر.

وتقول «رويترز»، إن ولي عهد السعودية يركز على تنفيذ خطة التنويع الخاصة برؤية 2030 لإنهاء اعتماد الاقتصاد على النفط، من خلال إنشاء صناعات جديدة، بينها تصنيع السيارات والأسلحة، وكذلك الخدمات اللوجستية.

وتستثمر السعودية -بشكل كبير- في البنية التحتية الجديدة والمشاريع العملاقة، في السياحة والمبادرات، مثل منطقة نيوم التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، وتمثل فرصة واعدة لشركات البناء الصينية.

وقالت صحيفة جلوبال تايمز الصينية، إن مراسلها في كل زيارة للملكة، لاحظ تغييرات واضحة في السعودية، فالعاصمة الرياض باتت مدينة خضراء ونابضة بالحياة وحديثة مع عروض نجوم البوب الرائعة ومباريات الملاكمة وقيادة النساء للسيارات وافتتاح دور السينما، مشيرة إلى أنه يمكن رؤية عدد متزايد من السياح الأجانب في العديد من المحافظات.

وقال مراقبون إن المملكة العربية السعودية، التي تعمل على تسريع الإصلاحات الاقتصادية، تتجه -بشكل متزايد- إلى آسيا من أجل فرص التنمية.

 

إصلاحات مهمة

وقال محمد الكميل، رئيس معهد البحوث والدراسات العربية في مصر، إلى «جلوبال تايمز»، إن المملكة العربية السعودية ستشهد تغييرات أكثر أهمية، بسبب حجمها وقوة اقتصادها وسياستها الخارجية المستقلة.

ومنذ تنفيذ رؤية 2030، بدأ الإصلاحات الاقتصادية في السعودية، الهادفة لتحويل المملكة من دولة تعتمد على الطاقة التقليدية، إلى دولة حديثة ذات اقتصاد متنوع.

وانغ تينجي، الأستاذ المساعد في جامعة تسينغهوا الصينية، قال لصحيفة جلوبال تايمز، إن الحصول على تأشيرات السياحة للسعودية كان صعبًا للغاية، لكن الآن يمكن إصدارها في غضون دقائق، إذا استوفى المتقدمون متطلبات التأشيرة.

وقال وانغ: «هذه التغييرات جزء من اتجاه أوسع في المملكة العربية السعودية، مع ولي العهد كعنصر تمكين وصانع قرار مهم»، مشيرًا إلى أنه بعد تصعيد النزاع الروسي الأوكراني هذا العام، نالت السعودية اهتمامًا أكبر من الدول الغربية.

 

قمة صينية عربية

وقال دبلوماسيون إن من المتوقع أن يوقع الوفد الصيني عشرات الاتفاقيات مع السعودية ودول عربية، تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات.

وعن القمة الصينية العربية، قال المحلل السعودي عبدالعزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، في تصريحات لقناة الشرق، إن الدول العربية تريد إبلاغ الحلفاء الغربيين بأن لديها بدائل، وأن علاقاتها تستند في المقام الأول إلى المصالح الاقتصادية.

وتقول «سي إن إن»: في الوقت الذي يتهم فيه حلفاء أمريكا في الخليج العربي واشنطن بالتخلف عن ضماناتها الأمنية في المنطقة، تعمل الصين على تعزيز علاقاتها مع دول الخليج.

وتقول «جلوبال تايمز» الصينية، إن بكين ستنتهز القمة المقبلة، بين الصين والدول العربية، كفرصة للمضي قدمًا في الصداقة التقليدية، وتعميق التعاون في جميع المجالات، وتعزيز التبادل بين الحضارات، وبناء مجتمع صيني عربي بمستقبل مشترك في العصر الجديد.

وتقول وسائل إعلام غربية، إن الحلفاء العرب السابقين للولايات المتحدة لم يعودوا أولئك الذين سيلبيون مطالب إدارة بايدن، مشيرة إلى أنهم يرون أنه ليس لأمريكا الحق في أن تملي عليهم كيفية المضي قدماً تحت أي ظرف.

 

علامة فارقة

وفي حديثه عن القمة الصينية العربية الأولى المرتقبة، قال وانغ إلى «جلوبال تايمز» إن القمة تعد حدثًا رئيسًا في تسهيل التنمية عالية الجودة للعلاقات الصينية العربية، وستكون علامة فارقة في تاريخ هذه العلاقات.

وأضاف أن العلاقة الوثيقة بين الصين والمملكة العربية السعودية لها أهمية إيجابية، لتعدد الأقطاب في المجتمع الدولي، والاستقرار في منطقة الخليج، مشيرًا إلى أن أداء المملكة العربية السعودية ودول الخليج في الصراع الأوكراني وأزمة الطاقة الأوروبية، فضلاً عن دورها في الشؤون الإقليمية وتحولاتها الخاصة، حظي باهتمام خاص.

 

خيارات متنوعة

لكن بعض المراقبين في الغرب، يعتقدون أن المملكة العربية السعودية تحاول إيجاد توازن بين الصين والولايات المتحدة، بينما قال الخبراء إن بعض دول الشرق الأوسط تعتقد أنها تعتمد -بشكل كبير- على الغرب، والآن تقدم الصين لهم خيارات أكثر تنوعًا.

وأشار مقال نُشر مؤخرًا في «وول ستريت جورنال» إلى أن المسؤولين السعوديين يقولون إنهم لا يريدون الانحياز إلى جانب بين القوى العالمية.

وقال لي هايدونغ، الأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية في بكين، إلى «جلوبال تايمز» إن تطوير العلاقات مع الصين القرار الصحيح الذي تتخذه المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ردًا على الدبلوماسية الأمريكية.

وأشار لي إلى أن اتباع دبلوماسية مستقلة ومتساوية، يناسب المصالح الخاصة لدول الخليج، وفي الوقت نفسه، يمكن للصين ودول الخليج التعاون في مجموعة من المجالات التي ينبغي ألا تقتصر على الطاقة، لكن أيضًا في القضايا المهمة على المسرح العالمي.

وبحسب مراقبين، فإن الصين تسعى إلى ضمان اصطفاف عربي معها، في أي صراع مستقبلي مع الولايات المتحدة بشأن تايوان، مشيرين إلى أنه يمكن للصين لعب دور في حل القضية الفلسطينية، خاصة أن مواقفها أكثر اعتدالاً من الولايات المتحدة.